عودة إلى المجلس الوزاري .. وهل سيقولون الحقيقة لجلالة الملك، بعد هذا كله
عبد الحميد جماهري
لنا أن نشكر جلالة الملك، لأن جلالته أعطى الحق لكل الذين كانوا يتابعون فصولا عبثية من التدبير القطاعي والعديد من المشاريع، بحسرة كبيرة، وهم يرون كيف تعلن مشاريع، سرعان ما تدخل إلى طي الكتمان..
والصحافيون، وقبلهم بعض من السياسيين والمنتخبين يدركون أشياء غير قليلة من هذا البعد المقلق والمثير للانزعاج والدافع إلى الاستياء..
ولعل العقدة الأساسية في بلاغ الديوان الملكي، الذي ساير الاجتماع، هي دعوة ملك البلاد إلى أن….” ذكر جلالة الملك، مرة أخرى، بتعليماته السامية، التي سبق أن أعطاها للمسؤولين وللحكومات السابقة، بأن لا يتم تقديم أمام جلالة الملك، إلا المشاريع والاتفاقيات التي تستوفي جميع شروط الإنجاز، سواء في ما يتعلق بتصفية وضعية العقار، أو توفير التمويل، أو القيام بالدراسات، على أن تعطى الانطلاقة الفعلية للأشغال في أجل معقول”.
هذه “البؤرة” كما يقول أهل النقد الأدبي، هي التي ستشكل نقطة الجواب في بلاغ الحكومة، على إثر اجتماع أعضائها، عندما أعلن رئيسها سعد الدين العثماني “يوم الخميس بالرباط، أنه تقرر إحداث لجنة على مستوى رئاسة الحكومة ستضطلع بجرد كامل للاتفاقيات والمشاريع التي وقعت أمام صاحب الجلالة الملك محمد السادس أو اعتمدت من قبل مجلس الحكومة، سواء تعلق الأمر بالحسيمة أو بمختلف مناطق المملكة”.
كل الصحافيين
كل مدراء الجرائد، اليومية والأسبوعية
كل الإعلاميين في الراديوهات وبعض المنابر السمعية البصرية
كل المهنيين الذين كانوا يتابعون بغير قليل
من الاستياء
والقلق
والانزعاج تدشين العديد من المشاريع، ثم تبخرها في الأيام الموالية سيشعرون بالامتنان لجلالة الملك:
لأنه أكد، كما قال الراحل الحسن الثاني وجود مؤامرة الصمت، والتي لا يقتصر صداها على المستوى المحلي
ولا المستوى الإقليمي
ولا المستوى الجهوي..
أبدا، إن صداها سيذهب بعيدا في الكيان الشامل للدولة..
أذكر مرة أن وزارة الصحة، على عهد السيدة ياسمينة بادو، أشرفت على مصحة في عمالة سيدي عثمان، وكان وقتها عامل الإقليم هو السيد العطار.
وقد تبين لصحافي من صحافيي جريدتنا أن المستوصف الذي دشنه جلالة الملك، اختفى من الوجود بعد أقل من 24 ساعة من تدشينه، وكان ذلك عبر اختفاء المعدات والوسائل التي تم تأثيث الاحتفال بها..
نشر هذا الخبر كاد يؤدي بنا إلى … أزمة سياسية من درجة عالية التوتر!!
فقد تم تقديم ما يشبه “الشكوى” ضدنا، وباعتباري مدير التحرير، فقد بلغني لظاها.
وهناك من عبر بغير قليل من المهارة في ترتيب الحقيقة كما يشاء، وقال بأن الأمر لا يتعلق بتقريع وزارة سياسية، بقدر ما هو ” التنقيط”على نشاط ملكي، وبعبارة أوضح أننا لم نكن نريد التشهير بالوزيرة، بل إن نيتنا هي التشهير بملك البلاد..
طبعا، صدمت من وجود عقلية سياسوية إلى هذا الحد من “الشريان”…
وتمت معالجة الوضع، بعد أن تم الإقرار بما وقع..
ولم أنس أبدا كيف يتم التغطية على الحقيقة وتسويغ الكذب السياسي، عبر التوجيه غير السليم للمعضلة:
«شريها للصحافي باش تخبي على كارثة
كذب على الملك، بواسطة الكذب على الصحافيين باش تخبي كذبك الفاضح على ملك البلاد ورئيس دولتها وأمير مؤمنيها وحامي حما دينها وملتها»!
إلى هذه الدرجة تصل الأمور في النفاق الذي يعتبر دليلا على جبن بعض سياسيينا..
البلاد ليست للتقريع الآن: هناك امتنان للريف أيضا، الذي وضع طابو على المشرحة: طابو التدشينات بدون رصيد!
يمكن لنا أن نبين غير قليل من المرارة ونسأل:
هل كان على الحكومة انتظار 17 سنة من العهد الجديد لكي نعرف أين بلغت المشاريع في درجة التنفيذ؟
هل كان علينا أن ننتظر غضبا ملكيا دستوريا ومؤسساتيا؟ ألا يستحق الرأي العام، بعد ملك البلاد، الحقيقة؟
لقد سبق لصاحب هذا العمود، والفقير إلى رحمة ربه أن كتب في …2007، بالضبط رابع أكتوبر من السنة، نعم منذ عشر سنوات سؤالا ممضيا وحادا كانت له تبعاته من التحرش الإداري ، وهو:”هل يملكون الجرأة على قول الحقيقة لجلالة الملك عن المحمدية؟”…وكانت مدينة فضالة، التي أقطن بها تستعد لاستقبال جلالة الملك، وكما هو الأمر في كل رحلة ملكية، يكون الغالب الأكبر هو المشروع الملكي والمفهوم الجديد للحكامة والسلطة معا. ومما تقتضيه شروط مسايرة هذا الطموح الملكي هو أن يمتلك القائمون على شؤون المدينة، الشجاعة الكاملة ليقدموا الصورة واضحة وصريحة لجلالته. فهل يجرؤون؟ هل يجرؤون على أن يُطلعوا جلالة الملك على تحديد الخريطة كاملة للمشروع ؟ هل يجرؤون على أن يقولوا لجلالة الملك عن حقيقة ما يجري في دوار ماكري ببني يخلف، والذي أعطى به انطلاقة نهاية مدن الصفيح، ولكن سماسرة الانتخابات والعقار عطلوا المشروع إلى حد الآن؟ هل يجرؤون على أن يقولوا له عن عمليات التجييش والابتزاز التي قام بها رؤساء الجماعات المعنية للسكان والفقراء منهم، من أجل أن ينخرطوا في أحزابهم (وبالمناسبة كم من حزب سجل لرئيس بلدية المحمدية قبل الآن في سجله العقاري؟). هل يجرؤون أن يفصحوا لجلالته عن الأسباب التي حولت مناطق خضراء، بالقرب من الحديقة الوحيدة بالمرسى، وبالقرب من الحي الراقي، إلى بنايات لا تراعي أدنى الشروط، بل إنها لا تتوفر حتى على محولات كهربائية؟ هل يجرؤون على أن يقدموا لجلالته جوابا مقنعا عن السهولة التي تفوت بها الأراضي من المدينة لتصبح بقعا للبيع والتعمير الخاص؟…
هل يملكون نفس الجبهة ويخبرون جلالته بأن الشارع الذي سيمر به موكبه، هو الفضاء الوحيد الذي خضع للنظافة والتشذيب وزبر الأشجار؟ وهل يملكون الاحترام الواجب للملك الذي يجعلهم يفصحون له بأنهم أرادوا أن يحجبوا عنه جزءا من وطنه ويعرضون مكانه كارط بوسطال تخفي حقيقة سياستهم أكثر مما تجمّل المدينة؟
…؟ فهل يجرؤون يا ترى ؟”
ونعيد الجواب، ونسأل في الوقت ذاته:أليست هذه الأسئلة ما زالت بكامل راهنيتها؟
هل الغضب الملكي في المجلس الوزاري ليس دليلا على أن جلالته وقف على ما يقدمون من أصباغ على أنها الحقيقة..
لقد قال الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن العثماني أكد، في كلمة خلال المجلس، أن الاجتماع الأخير للمجلس الوزاري يؤسس لمرحلة جديدة في تدبير المشاريع والبرامج التي توقع أمام جلالة الملك أو تعتمد من قبل مجلس الحكومة.
لا أشك في نزاهة السيد رئيس الحكومة
ولا في محبته لبلاده وللحقيقة معا..
لكن أليس من الأنسب هو أن يخرج للحديث مع الرأي العام، وليس وراء حجاب..
أليس من التفاعل الإيجابي هو أن تكون الحكومة، باعتبارها مؤسسة دستورية، التعبير عن الإرادة الشعبية، في مقدمة من يرمم الأخطاء..
أمامنا 17 سنة من المشاريع، ربما لن يليق بها سوى السؤال الذي طرحه ملك البلاد وهو يتحدث عن الثروة، وهذه المرة بالتساؤل عن المشاريع:
أين المشاريع!
إن من خطورة التطور الديمقراطي أن تكون الحكومة هي أضعف مؤسسة في النظام السياسي الحالي.
ونحن نخلد الذكرى السادسة للدستور، يومه فاتح يوليوز، يجب أن نذكر بأن جزءا منه لم يفعل، وأن النقطة الأكثر مثارا للنقاش السياسي هي القوة المؤسساتية للحكومة، التي رفعها الدستور إلى مرتبة أعلى..
ولا يمكن أن نعفي أنفسنا، ونحن في عز المساءلة الحالية للتدبير والحكامة،
من سؤال الدستور
والمؤسسات..
لقد احترم الملك دوره الدستوري، وهو يترأس المجلس، وخاطب الحكومة من هذه المؤسسات، وليس عبر وسائل أخرى.
واحترم وضعه الدستوري عندما لم يتوجه مباشر إلى المواطنين، في الحسيمة وفي غيرها، بل عبر مؤسسة محددة الأدوار، وهي “البنية الإدارية” لدور الملك في النظام السياسي في علاقته مع الحكومة.
لا يمكن أن نعرف خطورة الاجتماع إلا من خلال مضامينه الدستورية، أي بالنظر إلى اختصاصاته في دستور 2011، والتي تجعل من الفصل 48 والفصل 49 عناصر تحديد قوة هذا الاجتماع وبالتالي تحديد خطورة ودقة ما عبر عنه الملك.
فالحديث عن مشاريع الحسيمة، بناء على الفصل 49 لا يقل أهمية عن
“ـ التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة؛
ـ مشاريع مراجعة الدستور؛
ـ مشاريع القوانين التنظيمية؛
ـ التوجهات العامة لمشروع قانون المالية؛
ـ مشاريع القوانين ـ الإطار المشار إليها في الفصل 71 (الفقرة الثانية) من هذا الدستور؛
ـ مشروع قانون العفو العام؛
ـ مشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري؛
ـ إعلان حالة الحصار؛
ـ إشهار الحرب؛”، كما تنص مضامين الفصل المذكور..
هذا الربط ليس مبالغة، بل هذا هو الفهم المؤسساتي والدستوري لما أعلن عنه ملك البلاد، وهو يضع عينه على مشاريع لا توجد على أرض الواقع…
إن قول الحقيقة تغيير أساسي في الذهنية السياسية، التي تشتغل بموجبات سالبة، تقتضي التساهل مع الحقيقة ، ومحاولة إخفاء الوقائع، والسير على هدى الفرجة، وتعويض العمق السياسي، أي الخدمة العامة، بالشكل البروتوكولي، والتقوقع في الحسابات السياسية الضيقة، الفردية أحيانا، على حساب حقيقة الوقائع..
لن نكررها ما يكفي: الحقيقة التي نخفيها تصبح سامة..!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 01/07/2017