غايات شيطانية أو «تنهيدة المغربي الاخيرة»

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

قبل «آيات شيطانية»، كتب سلمان رشدي رواية عنوانها «تنهيدة المغربي الأخيرة»، ترجمها إلى العربية عبد الكريم ناصيف. ومن مصادفاتها الغريبة انه يتحدث في اول فقرة فيها عن ما يشبه سيرته بعد نشره «ايات شيطانية»..
فيها يقول:»أضعت العديد من الايام التي مرت،منذ ان هربت من اهوال القلعة المجنونة لفاسكو ميراندا في قرية بنينغيلي الجبلية الاندلسية فارا من الموت تحت ستار الظلمة…. وقد عاش كذلك، تحت الظلمة الى حين اغتر بضوء الحياة العادية فجاءته بِيَد السكين الى عنقه..
نظريا، لم يكن هناك ما يدعو الى احياء فتوى الامام الخميني بحق الكاتب الهندي. فقد مرت ثلاثة عقود على الفتوى التي اصدرها مُلاَّ الملالي، قائد ثورة الجمهورية الاسلامية في ايران، وبالرغم من إنه لم يطلها السقوط والنسيان فقد كان ظاهرا بأنها تنتمي الى عنفوان الثورة السلامية اكثر من انتمائها الى ديمومة الدعوة النبوية الكريمة..
منفذ الهجوم على سلمان رشدي، الشاب الأميركي اللبناني الأصل الذي «دفع ببراءته من تهمة محاولة قتل» الكاتب البريطاني الذي لا يزال في حال الخطر، «عمره 24 سنة، أي أنه أصغر من الفتوى التي اطلقها مرشد الثورة الايرانية آية لله روح لله الخميني بهدر دم الكاتب في 1989 بسبب روايته..» أنه أغرُّ منها بسنوات..
لكنه ولا شك شعر بأنه أكبر من سلمان رشدي بأزيد من ثلاثة عقود..
لا أحد يمكنه أن يمر علي القضية، بحياد الهاربين من المعركة، فالقتل شريعة الغاب. والفتوى نص سياسي في زمن سياسي، ربما اراد صاحبها أن يثبت مقاومة الاسلام السياسية في وجه غرب شجع واحتضن طاغية وقاتل شعبه بمخابراته السافاك سفاكة الدماء..
لكن هادي مطر (24 عاما) حاول أن يقنع القضاء بأن عشر طعانات، بالطريقة نفسها التي تعرض لها روائي كبير اخر، نجيب محفوظ ، لم تكن لقتل رجل مسن!
في الحادثة ما يستحق رواية اخرى بنفس العنوان مع تحوير بسيط..»غايات شيطانية.
الحادثة اعادت الفتوي الى الوجود، لكنها في الوقت نفسه أعادت قصة «الغرانيق العلى» الى سطح الوعي الديني المفكر فيه.، بعد أن ظلت قارة منسية في الوعي الديني غير المفكر فيه..
ما هي القصة التي يطول عمرها اربعة عشر قرنا بين مكذب وبين ناقل بصدق الرواية؟
تقول كتب التاريخ والحديث إن قصة الغرانيق هي رواية وردت في بعضِ كُتب التاريخ والتفسير، أنكرها العديد من العلماء والمفسرين المعاصرين وأجمعوا على عدم صحتها وأودعها آخرون، وتقول إن النبي محمد صلى لله عليه وسلم كان يصلي بالناس في مكة ويقرأ سورة النجم فألقى الشيطان أثناء قراءته كلماتٍ على لسانه فيها الثناء على آلهة المشركين وإثبات الشفاعة لها عند لله، وهذه الكلمات هي: (تلك الغرانيق العُلى، وإن شفاعتهن لَتُرتَجَى) وأن المشركين لما سمعوا ذلك فرحوا واطمأنوا وسجدوا مع النبي محمد لأنه أثنى على آلهتهم وذكرها بخير في صلاته. فكانت هذه الحادثة سببا لنزول الآية 52 من سورة الحج  وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ..».
المثير في هذه القصة أن كثيرا من المحدثين وكتاب الفقه والتابعين منهم السيوطي، صاحب «أسباب النزول». الذي اعتبر بأن اسناد القصة صحيح في كتابه «الدر المنثور»، لآنه يأتي على اسناد سعيد بن جبير الذي يعد من الرجال النموذجيين في دفاعه عن اسلامه..
وكذلك؛ الألباني الذي يقول عنه في «نصب المنجنيق لنسف قصة الغرانيق» ان «إسناده صحيح الى ابن جبير.. وقد رُوي موصولا عن سعيد، ولا يصح»!
اما الهيثمي فقد ذكر عن عبد لله ابن عباس ، في «مجمع الزوائد» أن «رجاله ـ اي حديث الغرانيق ـ رجال الصحيح»..
وذهب الكثير من المفسرين والمحدثين والعلماء الى اسقاطه لضعف الحديث في الرواية.
في هذا القرن البعيد عن القصة، يحسن بنا أن نأخذ بما أخد به القسطلاني: القصة «لها أصل». وقال الحافظ ابن حجر: «لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلاً مع أن لها طريقين صحيحين»..
وهذا هو مربط الحكاية في الرواية..
وبما أن لها أصلا في الحديث ،يمكن أن يكون لها أصل في التخييل.
بل أن جزء من الذين رفضوا القصة جملة وتفصيلا اعتبروا أن النبي تعرض فيها لخدعة شيطانية. وأن جبريل عليه السلام استظهره فانكر عليه تلك الايات وقال له: »أنا لم آتك بهذا.. وعليه فقد اغتم النبي واكتأب بأن نزل على لسانه ما ليس وحيا..
وهو أمر فيه حبكة روحانية كما انه يتضمن حبكة روائية..ولعل في أحد كتب الانجيل الاربعة ما يشبه ذلك من حيث أن المسيح نبه اصحابه الى أن «الشيطان يلبسك ويتحدث باسمك وينوب عليك؛ في حياتك ان انت استهنت به»..
اذن ما الذي يمكن ان نفكر فيه في محاولة الاغتيال غير الذي كتبه كل الذين يحبون الانسان، الذي من اجله امر لله سبحانه وتعالى الملائكة بالسجود، وما كان يدير أريد بهم خيرا زم به يكفرون؟ وما الذين يمكن ان تحتمي به ملكة الأبداع في محاولة القتل المتعمد؟.
اولا ، تعود القصة لتذكر العالم بآية لله الخميني. بل لتصور للعالم بأن ايران ما زالت وعاء القتلة.. في وقت تخوض فيه حربا كبيرا من اجل ان تنصفها الدول في قضية اليورانيوم المخصب..
وهو امر، لا احد يمكن ان يسقطه من الاعتبار.
ثانيا، تقول المحاولة ان الفتوى لا تموت إن. وجدت عقلا ميتا يحضنها!، وان المنعطف الذي قاده الخميني لم يكن منعطفا ليزول ويذوب في لحظات التاريخ البعيدة..بل هو منعطف استراتيجي، اذا نحن استعملنا تعبير ميشيل فوكو..
ثالثا، محاولة القتل، في الحكاية المحيَّنة هو تذكير بأن الاسلام السياسي، سنيا كان او شيعيا هو محاولة في اعادة ترتيب أولويات النظام التاريخاني عند المسلمين
..hierarchisation du régime d›historicité
وهذا هو الاهم..بالنسبة «لصمود» الإسلام السياسي ..وهو ما يجب أن يسائلنا ، وليس تعبيراته المتنوعة.، سواء في اقامة دولة أو في اطلاق تنظيم سياسي مسلح أو في فتح جبهات القتل العمومي على كل بقاع الدنيا..
ان ما نعايشه منذ 1979. مع ميلاد الجمهورية الإسلامية هو هذا المنحى نحو اعادة ترتيب سلم التاريخ.
ان الذين اصدروا الفتوى وأمثالهم كُثْر، يعيدون كتاب تاريخ النبوة…بحيث أنهم يعطون الكلمة لتاريخها، لكي تحدثهم عنهم… لا عنها!
من المؤكد أن كثيرا من الجهل يسند الفتوى والتفكير في تنفيذها، جهل لم يسمه كبارالمفسرين والمحدثين جهلا بل اعتبروه تصحيحا لرواية راجت حول هذه الآيات، ولم يغفلها سوى «صحيح البخاري ومسلم» أما الجميع فقد كتبوا عنها.. ولعل المطلب اليوم هو ان يتحدث فقهاؤنا لجيل او جيلين لم يقرأوا شيئا في أمهات الكتب عن القصة. ومنهم من يعتبر ان الجهل بها جزء من الايمان. وهذا خطأ وخطر!..
النبي صلي لله عليه وسلم عاتب نفسه و،حزن لأنه وجد أن لسانه قد استعاره منه الشيطان عنوة .ولم يأمر بقتل أحد..وهذا هو الجوهر وغيره ذاك «غايات شيطانية»!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 15/08/2022

التعليقات مغلقة.