فبرايرالحراك، وفبرايرالانتقال، وفبراير الوحدة…
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
في فبراير الجاري، يقف المغرب والجزائر على مسافتين متباعدتين، من الحراك السياسي الاجتماعي، يفصل بينهما قرابة عشر سنوات.
فبراير 2011 في المغرب، وفبراير 2019 في الجزائر التي تخلد الذكرى الثانية له..
وهناك تاريخ ثالث لفبراير في المنطقة، هو 17 من الشهر السنة 1989 ذكرى ميلاد المغرب الكبير منذ مايناهز ثلاثة عقود..
ما الخيط الرابط بينهما؟
في الواقع، هو مستقيم زمني وسياسي، يتم على تواليه وضع نقط فارقة في مسيرة شمال إفريقيا..
بين نظام قادرعلى صنع الانفراج، ونظام قائم على خلق التوتر، وتضييع الفرص التي يكنها التاريخ لبلاده ولمجموعة المنطقة..
فاليوم يخرج يخرج عشرات الالاف من الجزاذريين الى الشارع، واتضح أنه لم تنل أجواء الوباء، ولا الاحترازات الصحية الحقيقية، في دولة عجزت أن تضمن الحد الأدنى من ضمانات مواجهتها، من عودة الحراك الجزائري بعد سنة من كمونه الثوري..فالجائحة التي تغطي في الكون كله،لم تستطع أن تردم الهوة السحيقة بين الشعب الجزائري وبين النظام القائم، هوة سياسة اقتصادية اجتماعية أخلاقية نظامية، حول شرعية النظام نفسه، التي تآكلت بشكل لم يسبق له مثيل في المنطقة وفي العالم القريب منا ربما.
هذا الحراك، في فصله الأول، توصل إلى «إسقاط الواجهة المدنية للنظام»، كما يعبر عن ذلك المتابعون لمسيراته، من خلال إسقاط نصف «العصابة» قبل نترترميم نفسها، ويواصل الحراك مهمته في «تقرير مصير الشعب»، كما عبر عن ذلك أحد المتظاهرين في روبورتاج لقناة»فرانس 4 2« التي لا يمكن اتهامها بمعاداة النظام الجزائري!
وفي المدىالمتوسط، يسعى الحراك الى إسقاط النظام في عمقه وشكله، من أجل دولة مدنية..
والمقصود بالواجهة المدنية للنظام، التدخلُ الحاسم للجيش، في اختيار رئيس الدولة، وتوجيه الاقتراعات الانتخابية لاختيار المؤسسات الأخرى، ومنها المؤسسة التشريعية نحو توزيع نخبوي بالكاد، يخفي نفسه عبر دعم ممثلين بعينهم. الشارع الذي يرفع شعار “مدنية ماشي عسكرية”، يعرف أكثر من أكبر المحللين بأن الخطاطة السياسية، تعطي الأولوية – إن لم نقل السيادة – للعسكري على المدني، وبالتالي إلغاء صندوق الاقتراع لفائدة الجزمة العسكرية..
ولكاتم الصوت علي حساب الصوت الانتخابيوهو وضع هيمنة يجعل الشعب في مرتبة دنيا، بل تحت وصاية تعتبره قاصرا عن الوطنية، قبل قصوره عن الديموقراطية..
وقد عبر «هواري العيدي»، العالم الاجتماعي والباحث السياسي، عن ذلك بعبارة بليغة في حوار حديث له، يعتبر أن «الدولة في الجزائر ليست ضد الدستور فقط، بل هي لادستورية، لأن المسؤولين يستمدون شرعيتهم من الجناح المسلح للسلطة التنفيذية وليس من الناخبين».
ومن هذا، يعيش الشباب الجزائري والمعارضة النابعة من موجات العمق فيه، هذه المفارقة، التي يطالبونه فيها بأن يصوت على رئيس، وهم يعرفون بأنه لن يكون رئيسا، بل إن رئيس الأركان وقائد الجيش، الذي هو «كايد صالح» من قبلُ و»شنقريحة« اليوم، هو الرئيس المباشر لرئيس الجمهورية!
ولم يعد خافيا بالنسبة للمتتبعين الجزائريين والباحثين اليوم، أن القيادة العسكرية «ترسل تعليماتها إلي رئاسة الجمهورية » التي تراسل بدورها، وتوزع التعليمات ذاتها، على مختلف الوزارات لأجل التنفيذ..
ولعل بلاغة الشارع الغاضب، تلخص كل ذلك في شعارها المدني، وبتعبيرها عن عصابة، وعن رئيس بدون شرعية،… فهو مجرد رئيس للربط والاتصال، باعتباره وزير الدفاع في لعبة تنظيمية تسمح بإدراج الرئاسة في وزارة الدفاع!
يضاف إلى ذلك، أن الرئيس يوجد.. باستمرار في حالة صحية، تعكس حالته الشرعية في الواقع، إذ يبدو ضعيفا بدون قوة شخصية، ومن غير قدرة على اتخاذ القرار، دوما حسب محللين جزائريين نزهاء..
وعند العودة الى المغرب – وإن كان لا مقارنة مع وجود الفارق -، يتضح أن فبراير المغربي ،تم فيه، في ظرف وجيز التجاوب مع شعارات ومطالب الفبرايريين، المسنودين من قُوى سياسية متنوعة وليست فقط الرافضة، في |أفق إصلاحي أبانت الدولة، والفاعل المركزي فيها عن قدرتهما على عدم السقوط في استحالة الحل السياسي السلمي. واستغل مركزيته في الحقل السياسي ليقود المشاورات حول الإصلاحات بناءً على تعاقد معروض على القُوى الحية للتشاور ثم الاستفتاء.
ربح المغرب الخروج من أعاصير المنطقة، التي أسقطت دولاً، وفككت أنظمةً، واستطاع الحفاظ على الاستقرار وفي الآن نفسه على قدرة التغيير والإصلاح والتقدم نحو المستقبل وحل الكثير من المعادلات…
وصار من زاوية المغرب الكبير، مؤهلا لتقديم عرض إقليمي متنوع وجماعي، لفتح أفق جديد لهذه الدينامية الإصلاحية، والتوافقية في الدائرة المغربية، في الوقت الذي اعتبر الفاعل المركزي في النظام الجزائري أن التغيير لا يقبل، وأن سياسية التأزيم إزاء قُواه الداخلية، وإزاء الجيران، قمينة بإبقائه!
كانت الجزائر، قبل هذا التاريخ، قد أضاعت مناسبتين تاريخيتين للتغيير:
الأولى، تسعينيات القرن الماضي، 1991 فما فوق، مع انهيار جدار برلين، وسقوط الأحزاب العسكرية في إفريقيا، ودخول العالم ما بعد المعسكرات والدول/ الثكنات، وقتها كان النظام يخوض حربا أهلية، جعلت الشعب والقُوى السياسية تعيش عُصابا جماعيا، وعشرية سوداء عجزت معها عن تطوير آليات الانتقال الديموقراطي.
هذا الوضع نفسه، عاد بعد عشر سنوات، مع موجة فبراير 2011، في المغرب الكبير، وتخوفت القُوى الشبابية والإصلاحية من أي تحرك يعيد إلى الأذهان ظلمات القتل والتشريد والاغتيالات والمجازر..
واليوم، بعد عشر سنوات، مازالت المطالب قائمة، كما في جدول الأعمال الأصلي..
والواضح، أن الدرس البسيط والأبجدي، من هذه العقود من الحراك، هو أن دولةً، لا تستطيع تدبير انتقالاتها السياسية، لا يمكن – بتاتا – أن تقدم عرضا جماعيا، يعمل بمنطق التكتلات التي يفرضها الواقع العالمي اليوم.
التزامن بين فبراير وفبراير، هو تزامن أيضا في تلازم القدرة على إنجاح الانتقالات السلمية، بالقدرة على صناعة المستقبل المشترك، وخروج دولة العسكر وانتقالها من مفهوم الجزائر الكبرى إلى المغرب الكبير…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 18/02/2021