في أفق خطاب العرش، وترجمة اللحظة المغربية الآن! عن مغاربة العالم.. وعن الانتقال الرياضي
![](https://alittihad.info/wp-content/uploads/2020/04/hamid-jmahri.jpg)
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
كان الملك قد اختار صيف السنة الماضية ليطرح ثلاثة أسئلة عميقة حول مغاربة العالم، وهم في حقيقة الأرقام يمثلون قرابة 18% من المغاربة عموما، كما أن مساهماتهم الاقتصادية تعتبر من بين الميزات الخاصة بهم .
والأسئلة الملكية التي مرت عليها سنة صاغها جلالته على الشكل التالي:
ـ هل الإطار التشريعي، والسياسات العمومية، تأخذ بعين الاعتبار، خصوصياتهم؟
ـ وهل المساطر الإدارية تتناسب مع ظروفهم؟
ـ وهل وفرنا لهم التأطير الديني والتربوي اللازم؟
وفي الجواب أشاد جلالته بما تم ووقف عند ما يجب أن يكون، ومن ذلك:
ـ إحداث آلية خاصة، مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها، وهو الإطار الذي ما زال لم يتحقق، ويجب الرواج الإعلامي والتسويقي المؤسساتي الضروري له، أو فتح النقاش الوطني حوله، وأضاف إليه جلالته برنامج عمل عميقا، ويشكل طفرة حقيقية في مجال التدبير المؤسساتي للقضايا المتعلقة بمغاربة العالم، ولا سيما وقد ربطه بـ”التطلعات المتجددة لمغاربة العالم”، وبنى عليها دعوته إلى ” تحديث وتأهيل الإطار المؤسسي، الخاص بهذه الفئة وإعادة النظر في نموذج الحكامة، الخاص بالمؤسسات الموجودة، قصد الرفع من نجاعتها وتكاملها “.
ونحن أمام خطة عمل يجب أن ترى النور ، لما لوضعية مغاربة العالم من قوة اعتبارية وعملية واقتصادية وسياسية وثقافية بالأساس .. طبعا في السنتين الأخيرتين قاربت تحويلات المغاربة في الخارج الـ100 مليار درهم، لكن الذي يوجه منها إلى الاستثمارات قليل للغاية لا يتجاوز 10 في المائة.
أما على مستوى التنمية الوطنية فقد ذكر جلالته المغاربة اليهود مرتين في الخطاب إياه، عندما تحدث عن 5 ملايين مغربي في الخارج وآلاف المغاربة اليهود ثم عند الدعوة إلى النظر في العلاقة ” مع الكفاءات المغربية بالخارج، بما في ذلك المغاربة اليهود…”.
وما من شك أن الطفرة الاستثنائية للعلاقة مع إسرائيل باعتبارها من المناطق التي يقطنها بكثافة ما يقارب المليون مغربي يهودي، تدعو إلى تحيين خطها الحالي، وتطوير دواليب التواصل مع الوطن الأم.
لقد ارتبطت المهارات الرياضية المغربية بشباب المهجر، وإذا كان من المحسوم فعليا بأن ما تحقق لم يكن فقط نتاج مساهمات الشباب هؤلاء، بل كان في جزء كبير منه بسبب الدور الريادي لأكاديمية محمد السادس والدفعة القوية التي أعطتها رسالة الملك منذ 14 سنة مرت، فإن التفكير بالترابط بين أداء المغاربة في العالم، ودفاعهم القوي عن القميص الوطني، أمر يجب أن يشار إليه بمداد ذهبي .. إلى ذلك، يكون من المنصف التفكير بالانتقال الرياضي الناجح في المغرب، وما تحقق على أرض النتائج والإقصائيات، ويبقى من غير المكتمل ألا نشير إلى الحاجة إلى حكامة رياضية جديدة، نسميها اصطلاحيا بالانتقال الرياضي..
المجهودات الشخصية والجماعية في أن تكون الرياضة قوة لينة في صناعة النموذج المغربي لا غبار عليها ..
وما زالت في حاجة إلى تطوير لخدمة ديبلوماسية للتأثير والنفوذ، لقد تصرف الرياضيون، بناء على تنشئة وطنية وعلى قيم بطريقة عمقت الانتماء الثقافي الراقي إلى الذات الوطنية.
طريقة رفعت أيضا من “الشخصية الاستراتيجية” للبلاد!
Personnalité stratégique
ولعلها تكشف قدرة البلاد على التموقع في الجيو سياسة العالمية، ولم تعد الجوانب الرمزية هي الوحيدة المتحكمة دوليا في الأمر، بل إن التنافس العالمي موجود بقوة في “القدرة على الإغراء “. وكل دولة تدلي بدلوها وتشحذ رماحها وسيوفها. وككل انتقال فإن الانتقال الرياضي هو أيضا يحتاج إلى دعامات قوية تسمح لنا بالحضور الدولي، وفي تحديد موازين القوة في العلاقات الدولية.
لقد مرت قرابة 14 سنة على ندوة الصخيراتد، والتي كانت الندوة الثانية بعد الأولى في 1965 وصار علينا أن نستكمل استمارات الذكاء الرياضي الجماعي: بالجواب عن نسبة الرياضيين والمستفيدين من الرياضة في المغرب، وكم عدد المجازين في التعليم الرياضي، وأين وصل هو بالذات، وما هي الرياضات التي ما زالت دون المستوى العالي الذي بلغته كرة القدم مثلا…
والانتقال الرياضي يجب أن يقترب من المعايير الدستورية في تناول القضية الرياضية.. تفعيلا للفصل 26 من الوثيقة السامية، الذي ينص على” تُدعم السلطات العمومية بالوسائل الملائمة، تنمية الإبداع الثقافي والفني، والبحث العلمي والتقني والنهوض بالرياضة. كما تسعى لتطوير تلك المجالات وتنظيمها، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية ومهنية مضبوطة”.
أو على منطوق الفصل 31 الذي ينص على عمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب الاستفادة من الحق في التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية؛ ولربما أصبح تقديم حصيلة الاستراتيجية الوطنية (2008 ـ 2020 ) للتمحيص واستشراف ما بعدها، وقد مضى على آجالها 3 سنوات... ولا داعي هنا للعودة المفصلة للتقرير الصادر عن المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، الخاص “بالمغرب أرض الرياضات ومشتل الأبطال”.
وبما أن إحدى روافع الاستراتيجية الوطنية ونعني بها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، قد تغيرت طبيعتها وآليات اشتغالها، فقد صار لزاما ومن باب الترابط المتبادل أن يتم تغيير هذه الاستراتيجية وطريقة عملها على ضوء ذلك، ومن ذلك أن الفترة التي نعيشها أي 2023، هي سنة نهاية المرحلة الثالثة من التنمية البشرية، ورهانها على البراعة في صنع الاندماج الوطني للرأسمال البشري، ولن نخوض طويلا في الاقتصاد الرياضي، كما وضعته الاستراتيجية الوطنية لكن صار من اللازم تقديم الحصيلة بناء على ما تم تسطيره من أهداف بخصوص هذا الجانب، وإلى أي حد استطاع المغرب، بكل هذا الاعتزاز، أن ينظر جيدا إلى نقط ضعفه ويحلل سلسلة القيم المرتبطة بها من أجل تنظيم أفضل للقطاع وتثمين احترافه ومهنيته وتحويله إلى صناعة قائمة بذاتها.
يبقى أن الأفكار النبيلة تكون أحيانا مصطبة إقلاع تكريس مسارات ليست دوما فضلى، وربما ممارسات إجرامية في حق الرياضة والرياضيين، ومن سوء الحظ أننا نعيشها في لحظات التألق الوطني، كما أن الرياضة يجب أن تقنن علاقتها… بـ«البلطجيات» السياسية والانتخابية التي تنتقل من المجال الانتخابوي إلى المجال الرياضي.
إن الرياضة توليفة استراتيجية جديدة (بلغة جان دوفوك) للعمل على ضبط علاقة القوة مع المحيط،
ـ ونحن نعرفه في الجوار القريب ـ، على تثمين الصورة الذاتية للمغرب للحد من كل محاولات المس بسلطته الاستراتيجية..وقد صدق فرانسوا كزافيي نواه ايد زمبي ( في مقال له بمجلة الديبلوماسية الصادرة عن معهد الدراسات الجيوسياسية التطبيقية ).. عندما قال إن الرياضة ” تجسد مقاومة الأوطان وهي مكان للحفاظ على الروح الوطنية والاستثناء والهوية”، وهذا بحد ذاته مسوغ للعمل على النجاح الآن ضمن أفق المغرب الجديد..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 29/07/2023