قال أَوَ لمْ تُؤمن؟ قال بلى… 4/4
![](https://alittihad.info/wp-content/uploads/2020/04/hamid-jmahri.jpg)
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
تقرير لجنة المحروقات
لم يمنع تشكل لجنة التحقيق حول قرارات مجلس المنافسة، عمل هذا الأخير، ويمكن اعتبار ذلك دليل صحة، وثقة في نفس الوقت، في تدبير المجلس الخاص بالمنافسة، وتأكيد للثابت على المتحول في عمل مؤسسة دستورية متعلقة بالحكامة الاقتصادية، من جهة ضمان تنافس شريف وخاضع للقوانين.
غير أنه لا بد من التأكيد على مسلمة سبق الإدلاء بها، كما ندلي بشهادة في قضية، عند الحديث الذي أعقب تشكيل اللجنة المكلفة بالنظر في قرارات المجلس والتي أثارت، لأول مرة، الانتباه إلى عمل هذه المؤسسة الرئيسية في الحياة الوطنية السلمية.
لقد سبق أن قلنا إن المنافسة تمثل للاقتصاد، ما تمثله الديموقراطية للسياسة، وهذا وحده كاف، لكي نستطلع قوة الرجة التي أحدثتها الأخبار ذات الصلة بموضوع مجلس المنافسة، ولاسيما عندما يكون الامتحان، ذا صلة قوية بمجال قوي، هو مجال المحروقات…
الآن وقد مضى ما يزيد عن خمسة أشهر، صار من المقلق ألا تظهر نتائج عمل اللجنة التي كلفها ملك البلاد بالبت في ما اختلف فيه أعضاوها، وقد سبق أن سجلنا أن أول ملاحظة هي أن أغلب أعضائه لهم علاقة بالمحروقات، قبل حتى أن يثار موضوع التواطؤات والمنافسة حولها..
وقبل وبعد إنعاش المجلس المكلف بالمنافسة ودخوله غمار قضية لا أحد كان يراها بسيطة وعادية وسهلة..
فحسب الترتيب المعلن عنه في البلاغ الملكي، نجد أن من بين أعضائه، رئيسا مجلسي البرلمان، وفي هذه الحالة نعرف بأن للبرلمان قصة تحكى في قضية المحروقات، وفي قضية بداية الموضوع من أصله، فهو كان الحاضنة التشريعية للقرار الحكومي بالتحرير الشامل للقطاع، في عهد رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، وهو كان أيضا الفضاء التشريعي الذي احتضن التدخلات، معارضة وأغلبية، حول التسقيف والمراقبة، وكان الوزير المكلف بالحكامة لحسن الداودي قد أعلن أمامه بالفعل الالتزام بهذا الاحتراز الضروري في الأسعار، قبل أن يتم نسيانه!
والقبة البرلمانية تم الشروع، تحتها، في عمل قلما تشرع فيه البلاد، هو لجن التقصي، وهي اللجنة التي فتحت الباب واسعا للاستنكار والغضب، قبل مجلس المنافسة!…
والجميع يذكر كيف تلقت المنابر الوطنية الخلاصات التي قدمها رئيس فريق التقصي، باسم الحزب الذي يقود الأغلبية، وكيف أن الجميع شعر بالفعل بروائح الغاز تخنق البلاد، وكيف تعالت المطالب بتفعيل بند الضمير الوطني واسترجاع المال الذي تم كسبه من ذلك…
وفي هذا السياق، سجلنا أن بلاغ الديوان الملكي أصر على قضيتين، الأولى لها علاقة بنقل طعن الأعضاء الغاضبين، في التفسير الذي قدمه رئيس مجلس المنافسة، ثم أثار البلاغ قضية التمسك الملكي «بشدة باستقلالية ومصداقية المؤسسات» وباعتباره «ضامنا لحسن سير عملها»..
وفي كلتا الحالتين يكون المدخل الدستوري هو الفهم الأصوب، لورود رئيس المحكمة الدستورية في اللجنة المكلفة من طرف جلالة الملك.
والمحكمة لها صلاحيات المراقبة الدستورية، وهي أهم اختصاص تمارسه المحكمة الدستورية، ويتعلق الأمر بالتأكد من مطابقة النصوص التشريعية والأنظمة الداخلية «لمجلسي البرلمان وبعض المؤسسات الدستورية»، وطبعا منها مجلس المنافسة، الذي ينص الفصل 661 على أن «مجلس المنافسة هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار». وتكون هذه المراقبة إلزامية في ما يخص: «الأنظمة الداخلية لبعض المؤسسات الدستورية».
وفي الحالة التي أمام أنظاره فإن مراقبة المحكمة الدستورية، في واقع الأمر، مراقبة بعيدة باعتبار أن المحكمة تنظر«في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون إذا ما أثير أثناء النظر في دعوى قائمة أمام القضاء ودفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور»…
ونحن نعرف أن جلالة الملك توصل «بطعن في مسطرة اتخاذ قرار صادر عن مؤسسة دستورية وفي حيثياته القانونية».. هناك كذلك، المجلس الأعلى للحسابات الذي يمارس دستوريا، مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية.
وراج وقت التعيين أن المجلس الأعلى للحسابات أنجز تقريرا عن وضعية قطاع المحروقات، وصفته كثير من المصادر السياسية والإعلامية بأنه صادم، وينتظر الرأي العام إصدار هذا التقرير وتعميمه، للاطلاع على تفاصيل الموضوع بلغة لا تميل إلى الخشب ولا تتوارى وراء البلاغة الملتبسة للتوازنات السياسية.
وسبق للمجلس الأعلى أن تناول القطاع بدرجة أولى، في تقرير قدمه لمجلس النواب، وكان إدريس جطو وقضاته قد حذّروا فيه «من ضعف المخزون الاحتياطي الخاص بالمنتجات البترولية»، مسجلين في الوقت ذاته وجود «نقص هيكلي مقارنة مع المستوى القانوني المحدد في 60 يوما من الاستهلاك بالنسبة إلى المنتجات المكررة، لدى الموزعين».
وقد كان اسم عبد اللطيف جواهري الأكثر تداولا من بين الأسماء، في قضية تحرير أسعار المحروقات، وتداعيات ذلك على صحة المالية العمومية والمالية الفردية للمغاربة.
فوالي بنك المغرب، لم تمر تصريحاته بهذا الخصوص، بدون أن تتلقفها وسائل الإعلام، وكذا الفاعلين المعنيين، بكثير من الصدى…
ويتولى بنك المغرب في نطاق الصلاحيات المسندة إليه بظهير شريف مهمة «المساهمة في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تحددها الحكومة ». ولذلك فهو معني بأبعاد قرار تحرير الأسعار، وتنفيذه وتبعاته على المهمة الاجتماعية المفترضة لقرار مثل هذا..
وهو مخول أيضا بأن يضع التوصيف المتعلق بالجانب المرتبط بتسقيف الأسعار وحماية المستهلك، وتأثير كل ذلك على المغاربة من زاوية انعكاس تغيرات الأسعار دوليا على مستوياته داخليا…
وقد سبق له، في أكتوبر 2018، خلال لقاء “المالية العمومية”، أن أطلق تصريحات مثيرة، – هناك من اعتبرها فضيحة – حول الأسعار المرتفعة للمحروقات بالمغرب.
وقتها قال والي بنك المغرب إنه: «ليس هناك أي استفادة للمواطن المغربي من الانهيار الكبير لأسعار النفط عالمياً، ولا يستفيد منها سوى شركات توزيع المحروقات».
واتهم الجواهري شركات توزيع المحروقات والحكومة بشكل مباشر، بالتورط في إغناء شركات توزيع المحروقات من على ظهر المواطن الذي لايزال يشتري المحروقات بنفس السعر حينما كان البرميل يتجاوز 140 دولارا.
شراكة أخرى، علاوة على الشراكة الدستورية العامة إذا شئنا القول، تربط البنك مع مجلس المنافسة، وهي اتفاقية التعاون التي تم توقيعها في يناير 2020، وأعلن الطرفان أنه بموجب هذه الاتفاقية، ستتخذ المؤسستان كل الإجراءات الرامية إلى تحسين ومواكبة الفاعلين البنكيين بهدف ضمان «الامتثال لأفضل المعايير والممارسات التنافسية». وأخيرا، الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، فقه الشبهة!
لا شك أن «تحقيق ما قبل التحكيم» الذي أنيط باللجنة الملكية المكلفة بالنظر في قرارات مجلس المنافسة، يتخذ جزءا من مغازيه، في القرار الملكي بإنشائها، بالرغم من أن الدستور يعطيه هذا الحق، في التحكيم حصريا، وأراد جلالته أن يمارسه مؤسساتيا من خلال إشراك المؤسسات ذات الصلة بموضوع شائك ولا يقل تعقدا عن ملفات أخرى أشرك فيها جلالته، أحيانا، قوى الأمة ومكوناتها، أو أشرك مؤسسات دستورية، كما في ملف المدونة وغيرها…
ومن الواضح أن وجود رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في اللجنة الملكية المكلفة بالنظر في تنازع مؤسسة مجلس المنافسة، هو أول تمرين ذي صيغة غير مسبوقة، منذ إسناد الرئاسة إلى السيد الراشيدي البشير، وبالأخص منذ توسيع القانون المتعلق بالهيئة ذاتها.
هل يمكن أن تنتظر كل هذه الهيئات، بخبرتها وجديتها، كل هذه المدة للنظر في قرار، لم يتطلب المدة نفسها لصدوره؟
وكيف يمكن أن نلغي كل التطورات التي حصلت منذ تعيين اللجنة الخاصة وأن موضوع شركة سامير، العصب الحقيقي في الحل والمشكلة، قد وصل إلى قبة البرلمان من زاوية «تأميمها« أو تفويت أصولها للدولة، منذ أن دشن الاتحاد الاشتراكي الدينامية بمقترح قانون أمام غرفة المستشارين؟
كيف يمكن أن نترك الحبل على الغارب، في وضع نريد أن نستثمر فيه قوتنا المؤسساتية لبعث رسائل المراقبة والجدية والمحاسبة والتحكيم الدستوري؟
لا يمكن التعلل بالظروف الوطنية العالية الضغط والتيار، لتفسير تعطل نصف سنة، لأن الوطن ليس مظلة للتردد والارتعاش!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 20/01/2021