«قل أوحي إلي..» في الفايسبوك أو اللاهوتية الجديدة في التعامل 1/2 

عبد الحميد جماهري

تعاملت قطاعات واسعة من أهل الرأي والقرار، مع ما أفرزته شبكات الفايسبوك، تعاملا لاهوتيا.
وطرحت أسئلة ، هي أقرب إلى علم الكلام، منها إلى التفاعل السيوسيو ثقافي مع تحول « استعمالاتي« كبير في تاريخ البشرية.
ومن مظاهر هذه اللاهوتية الجديدة، سؤال: من أوحى للفايسبوك بهذا؟
وبعيدا عن التنجيم وقراءة »الكلافيي« في تفهم ملامح السؤالقبل الإقدام على مغامرة الجواب، لا بد من تحديد شيء
أساسي
هو أنه إذا كان الفايسبوك ، كأي اختراع بشري كبير وثوري، خلق »آلهته« وأنبياءه وبشره ، فإنه قد خلق -بالأساس- تاريخه الخاص..
لننظر إلى النار
أو إلى الكتابة
إلى البخار
أو إلى الشمعة
إلى الطباعة
أو إلى اليورانيوم..
هناك لحظات تتحول فيها الآلة إلى موضوع تاريخي بحد ذاته ،لا تكتفي بكونها أداة لصناعة التاريخ.
والحال اليوم، أن الطاقة التي نحن بصددها ، طاقة المعلوماتيات، هي طاقة لا تتبدد كما هو حال الطاقة المعدنية أو
المنجمية التي صنعت الصورة البشرية الأولى
أو الطاقة العلمية التي صنعت الثورة البشرية الثانية…
وعهما كانت رهن إشارة الإنسان،
الثورة الحالية تتبادل الأدوار مع الفاعل والمستعمل
إذ نحن أمام طاقة تتراكم، وكلما استعملناها زادت
لا تنفذ مثل الفحم الحجري في التاريخ الأول
و لا مثل النفط في التاريخ الحالي
لاهوتها ينحصر فيها ولا ينتقل إلى البشرية..
الذي يحصل، هو أن هناك تحولا رهيبا يحدث، مع الفايسبوك في الراهن المغربي…
: بالنسبة للحزبي الذي اعتاد الاجتماعات
والمجالس التي يتطلب عقدها شهورا
وربما سنوات
ثم الاجتماعات التي تتطلب أسابيع، اذا حافظت على انتظامها، يعطي الفايسبوك الفرصة بالاجتماع كل دقيقة
وكل ثانية مع ما يميزها عن الاسلوب المعتمد كليا على المورد البشري أو المادي الملموس:
-الراهنية
-الديمومة
– الفورية..
كما أن التلاحم، أو المحايثة تتم باستمرار: ففي الوقت الذي يكون على المناضل الحزبي الملتزم الحامل للهم التنظيمي، والحركي لأفكاره وشعبه، أن «يختلي» أو يقف لمدة على هامش الحركة والحيوية، لكي يفكر ويجد الحد الأدنى المشترك في تقييم اللحظة مع رفاقه، يكون الفاعل الذي ينخرط في لحظة الفايسبوك على تواصل ساخن، فوري، دائم ومستمر مع الحدث وتفاعلاته…
+ في الوقت الذي يقتصر التفكير التنظيمي على خلية محدودة في العدد رغم تنوعها السيوسيولوجي أو الطبقي أو الثقافي، يكون الباب مشرعا لكل تيارات الحالة العامة للتفاعل، وياتي التقدير والتقدير المضاد في زمن حي ، وحقيقي، عوض انتظار تفاعلات من خارج المنظومة المنخرطة..
+ قدرة التذويب التي يملكها الناظم الحركي الجديد لكل من يساير الحركة، و التي تفضي – القدرة- الى قدرة عملية هي تحويل حالة ذهنية إلى فعل شامل..
كما يحدث عندما يرتفع الغضب والسخط والتأزم، ويتحول الامر الي مقاطعة أو مسرية في الشارع!
والذين ينظرون إلى الفايسبوك على أساس أنه مجرد وسيلة باردة وجامدة، يفاجأون حقا بأن له القدرة على أن يتحول إلى حالة ذهنية، رافضة أو مسايرة..
على مستوى أكبر ، لم يعر الفاعل النظامي أي تفكير لتحول الفايسبوك إلى عرض سياسي دائم، تتفاعل معه القوى القادرة على الفعل والقرار..
وتتجاوب معه نسبيا أو كليا (لن نعطي التفاصيل بل كانت الفترة منذ2011 فترة التكريس العملي للفايسبوك كعرض سياسي، بعيدا أبعد عما يكون عن الوظيفة المنبرية)..
يتزامن ذلك مع تحول آخر، يمس بنية الفعل الاجتماعي وتعبيراته..
وهو دخول الشارع كفضاء حقيقي في العرض السياسي..
هناك شارعان الآن:
شارع افتراضي يتحول إلى شارع حقيقي
وشارع ذهني يتحول إلى ترجمة فعلية لهما..!
لقد كان ، من حسنات التفكير الفينومينولوجي لدى هوسرل أنه نبه إلى إمكانية صنع العالم المادي من العالم الافتراضي، وهو ما يحدث اليوم مع الظاهراتية العميقة التي تعتبر تعبير الانسان المغربي عن وجوده ، في واقع تعمل منظومته الكبرى فيه على تغييبه وتذويبه!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 08/05/2018