قمة الرياض مكرر.. كل شيء تغير، ولا شيء تغير ..

عبد الحميد جماهري

كل شيء تغير، ولا شيء تغير ..وما ثبت في الفاجعة أن كل المفردات وكل وقواميس الجحيم لا تسعف في وصف ما حدث ويحدث في غزة: الإبادة، التطهير، التراجيديا كلها عاجزة عن وصف الوحشية وما تخلفه من خطوط وندوب.
تغير كل شيء:
تغيرت الجبهات: لم تعد غزة وحدها الثكلى، انضافت إليها لبنان، واتسعت دروب الحرب… إلى سماء طهران.
الأعداء لا يرون بعضهم في اقتتال الدول، من سماء إلى أخرى..ولا أحد يقول من مات فوق التراب.
وحده الفلسطيني وشقيقه اللبناني يريان القاتل رأي العين !
تغيرت التوابيت : في بداية الحرب على غزة كان عدد القتلى 10 آلاف شهيد ومئات آلاف الجرحى، وصل العدد بعد سنة إلى 44 ألف شهيد، والتحقت بهم جثث الشهداء اللبنانيين.
من نونبر الأول إلى نونبر الثاني: كانت حماس بكامل عدتها القيادية، وتبددت.. وعاد مطروحا عليها أن تبحث عن عنوان جديد، حسب ما يقال عن علاقتها مع قطر وعجز العالم للوصول إلى حلول!
وكان حزب الله بكامل عدته القيادية: وانفجر واندثرت قيادته.. وكل قائد يعين، يعين كمقاتل قادم ..
إيران كانت الظل الواسع الذي يغطي أبواب الجحيم السبعة في الشرق، وأصبحت بقرار من عدوها في المقدمة من المشهد..
طهران اغتيل فيها إسماعيل هنية، ولكن »الصبر الاستراتيجي» الذي جعلت منه عقيدة تميزها بين الأمم، يمنعها من الحروب المفتوحة ويزين لها الدفاع بأذرع الآخرين، والحديث بلسانهم، والموت بدلها!
وأكبر ظل يخيم اليوم على المنطقة هو ظل الرئيس دونالد ترامب، ويقول السياق أن الأمة اجتمعت من أجل أن تطبخ له قراراتها، وبسببه كانت القمة
وهو رجل قرار، وإن كان تراكم قراراته لفائدة إسرائيل للأسف:
ـ تسليمه القدس لتل أبيب عاصمة، ومساندته لضم الجولان، ومعارضته لاتفاق طهران والخروج منه دوليا..
لكنه أيضا رجل تنتظره الأطراف كلها، وتطلب منه أن يكون عند وعده في وقف الحرب..وتطالبه كي يشغل ظله في وقف حرب الإبادة . هذا ما تطلبه حماس على الأقل، التي قال القيادي فيها أبو زهري:ترامب أمام اختبار ترجمة تصريحاته بأنه يستطيع وقف الحرب خلال ساعات ..
لكنه لن يدخل مقطورة القرار قبل .. 20 يناير، أي بعد ثلاثة أشهر : هل ستستمر الحرب عشرين ألف قتيل آخر؟
لا أحد يدري.
كل شيء تغير :
أشلاء غزة وأنقاضها، انضافت إليها أشلاء لبنان وأنقاضها.
وانضافت إليها جبهة إيران: والذي خططوا لكي تعود القضية الفلسطينية إلى الواجهة، كما في بداية المواجهة، يرون كيف أنها صارت حبة من حبات السبحة الشرق الأوسطية..
ومع ذلك فلا شيء تغير: ما زال الجحيم حظ الشعوب في فلسطين وفي لبنان ، وفي جوارهما.
ما زال العالم يقف عاجزا، بلا أمل في أن يسترد بعض حواسه: أولها الضمير وثانيها القانون وثالثها الإنسانية..
ما زالت 57. دولة عربية ومسلمة تبحث عن وسائل طموحها: عوض الحرب والمواجهات ، تطمح في تقوية الحركة الديبلوماسية لكي تكون المقابل الموضوعي للقوة العسكرية في عواصم العالم، وحيث يتخذ القرار الدولي.
ما زال المشهد جامدا عند المطالب التالية:وقف إطلاق النار في غزة ولبنان.
الدعم الإنساني وإدخال المساعدات
ـ مطالبة مجلس الأمن باتخاذ قرارات
ـ تفعيل عمل محكمة الجنائية الدولية وتشكل لجنة وزارية تبلور تحركا دوليا فعالا في أفق الحل الشامل..
ما يحصل اليوم من سلبي كما ما يحصل من إيجابي متباين:
هناك ترامب بما له، وبما عليه
وهناك موقف شعبي عالمي لصالح الضحية. وكما هناك مواقف دولية رسمية، كموقف النرويج وإسبانيا وإيرلندا وعملها من أجل الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، ومواقف فرنسا في وقف التسليح.. وهو واقع دينامي لصالح السلام وجب البناء عليها.
وهذه الدول للمغرب مواقع متقدمة معها: أمريكا ترامب، فرنسا ماكرون، إسبانيا سانشيز
وما كان المغرب قد وضعه كأولوية ولايزال هو صلب المطلوب مع فارق قوي: وهو كان أول دولة أوصلت المساعدات مرتين، كما أنه كان واضحا منذ البداية، وهو استئناف المسلسل السياسي والإسراع فيه، تحميل القوة العظمى مسؤوليتها السياسية والأخلاقية..في أفق الدولتين على حدود يونيو 67!

لقد وضع الملك التوصيف اللازم في‮ ‬وقته عندما اعتبر أن‮ «‬الأزمة‮ ‬غير مسبوقة،‮ ‬يزيدها تعقيدا تمادي‮ ‬إسرائيل في‮ ‬عدوانها السافر على المدنيين العزل،‮ ‬ويضاعف من حدتها صمت المجتمع الدولي،‮ ‬وتجاهل القوى الفاعلة للكارثة الإنسانية التي‮ ‬تعيشها ساكنة قطاع‮ ‬غزة‮..».‬
لقد تغير كل شيء مع ذلك،‮ ‬ولم‮ ‬يتغير أي‮ ‬شيء مع ذلك أيضا‮ !‬
‮ ‬والمسكوت عنه‮ ‬في‮ ‬المشهد‮: ‬هو السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية ودورها في‮ ‬الصراع،‮ ‬في‮ ‬مخاطبة العدو وفي‮ ‬مخاطبة العالم‮.‬
المسكوت عنه هو‮ ‬آليات‮ «‬أمن إقليمي‮ ‬مستدام،‮ ‬قائم على احترام القانون الدولي‮ ‬والمرجعيات الدولية المتعارف عليها‮»… ‬مع اختلال الموازين،‮ ‬وانتظارية قوى كانت تسابق الزمن في‮ ‬القضايا الشرق أوسطية مثل تركيا وقطر‮.‬
في‮ ‬أقصى النفق بعض البصيص‮: ‬تبلور إرادة دولية،‮ ‬من أجل مؤتمر دولي‮ ‬للسلام،‮ ‬سبق زرع نواته في‮ ‬أكتوبر الماضي‮ ‬بميلاد تحالف دولي‮ ‬أنشئ بغرض الدفع قدما بحل الدولتين لإنهاء النزاع‮.‬ينضاف الى ما ورد أعلاه حول‮ ‬واقع دينامي‮ ‬لصالح السلام وجب البناء عليها‮. ‬
العرب واللاعبون الإقليميون من الحاضرين‮ ‬يريدون أن‮ ‬يرسلوا رسالة موحدة إلى ترامب‮. ‬السعودية تبدو فيها‮ ‬كناظم إقليمي‮ ‬مركزي‮ ‬قادر على الوصول إلى حد أدنى مشترك من التوافق العربي‮ ‬الإسلامي‮ ‬من أجل الدفع بالسلام‮! ‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 12/11/2024