لقاء المخابرات الجزائرية مع الموساد! «.. مستعد لبيع روحي للشيطان من أجل بلادي!»
عبد الحميد جماهري
عاش حميد صياد، حسب ما رواه في الصفحات الأخيرة من الكتاب، عالم الفوضى الجزائري في سنوات التسعينيات، من حرب أهلية وإرهاب. كانت لحظات هاربة مع تبون في بيته، كما عاشها من خلال قصص أقربائه ومعارفه وما نشرته الصحافة أو الكتب . ولعل رؤيته للجزائر وهي تحتضر آلمته وأصابته بالغضب،« وقد ساعدته مرحلة» الحجز« التي عاشها، طوال الفترة التي كانت فيها قضيته تتداول في المحاكم، في التفكير في الموضوع، بما أنها سمحت له بأن يتواصل مع المخابرات الجزائرية، وبناء على نصيحة تبون قبل أن يصبح رئيسا.وخاطب نفسه :حميد، منذ سنوات تعرفت على الكثير من الناس وسمعت وشاهدت أحداثا كثيرة، ألا تعتقد بأن الوقت قد حان لكي تستخدم شبكاتك هاته؟«…
لم تكن هذه المرة الأولى التي يساعد فيها حميد صياد بلاده، كما يقول، ولكنها المرة التي فكر فيها بجدية في الدخول إلى المعترك. معتبرا بأن لقاءه العديد من الذين يشتغلون في الأجهزة، سرية كانت أم غير سرية، ضرورة وطنية، وكان يفعل ذلك لأن هذا العالم كان يثير إعجابه، وبالنسبة للعمل »الهاوي« يبدو أنه بدأ في الثمانينيات عندما بدأت أشغاله تنجح وتعطي ثمارها. وكان أول مطعم حانة محطة أولى للنشاط وسط الشباب والطلبة، ومن بينهم شباب معارض للشاه، فيما كان الخميني يعد العدة للثورة فوق التراب الفرنسي.
وقد كان من بين رواد مطعمه شباب كانوا يزورون الخميني في بيته بنيوفل» وقد رأى أن من واجبه إخطار من يهمه الأمر من الأمنيين.. وحدث أنه لم يجد آذانا صاغية في بداية الأمر، ولكن «البراديغم» تغير حسب قوله في 1986، أي بعد سنوات من أول «إخبارية» تخص الشباب الإيراني الثوري عندما وقعت عملية أمام محلات البيع» «طاطي»» في شارع رين، والتي خلفت يوم 17 شتنبر ما لا يقل عن سبعة قتلى وخمسين جريحا، وكانت تلك العملية السادسة في العاصمة. ويقول حميد صياد عن ذلك اليوم»، بالعودة إلى 17 شتنبر 1986 الذي ما زلت أذكره كما لو أنه البارحة، كانت الساعة تشير إلى الخامسة زوالا. أخبرني أحد المتطرفين من زبنائي بأن انفجارا سيحدث في مكان ما. بالكاد أعرته اهتماما بما أنني كنت قد تعودت على شطحاته اللفظية.. مع الخامسة وعشرين دقيقة سمعت دويا كبيرا. غير بعيد عن مطعمي وشعرت بالهزة. خرجت، . الانفجار حدث في المكان المذكور أعلاه. رأيت الإيراني الذي حدثني يرفع يده ويصرخ: الله أكبر. ما سمعته ورأيته عاد إلى ذاكرتي. وجمد الدم في عروقي.. بعدها لم يتردد المعنيون في القول بأن الهدف المقبل هما تونس والجزائر. والغريب أنهم كانوا منفتحين على الحديث معي ولا يترددون في اطلاعي على أسرارهم«.
وكانت تلك الحادثة سببا في الإصرار على التعامل مع الأمن حيث لجأ حميد صياد إلى صديق له في الأمن كان يرتاد مطعمه. ومن المصادفات أو من مكرها، أن رجل الأمن »اعترف لي بأنه كان على علم بذلك، وطلب مني أن ألتزم التكتم«..
وظهرت خطورة هاته المجموعة نفسها مع اغتيال المعارض الإيراني الذي كان فر إلى فرنسا وقتها »شهبور بختيار« في 1991 بمساعدة … ابن القتيل الذي كان يعمل بوليسيا في فرنسا. وكان ذلك دليلا على خطورة وجود رجال الأمن في حلقات الاغتيال!
كل ذلك »أصابه في مقتل وما زال ألمه موجودا« كما كتب هو. في تلك الأزمة سنة1986 ربط حميد صياد الاتصال بالسفارة الجزائرية، لكي يبين لهم خطورة ما ينتظر البلاد كما قال، ولكن لم يجد تجاوبا، لأن الجرائر أيامها كانت هي بدورها ترسل المجاهدين إلى أفغانستان، وهي المقدمة لما سيحدث من بعد عندما أصبح العائدون يعملون من أجل دولة إسلامية ابتداء من 1993 مع بداية الحرب الأهلية .
لكن مع ذلك سارع حميد صياد ومحاميه الجزائري أوصديق إلى العمل من أجل إقناع المسؤولين بخطورة ما يصلهم من أخبار. وقتها قال المحامي صديق حميد صياد وأبوه الروحي:» مستعد أن أبيع روحي للشيطان إذا اقتضى الأمر من أجل أن تستعيد الجزائر السلام««.
وسط العقد الدموي الرهيب، كانت الجزائر معزولة عن العالم، ومن ذلك أن فرنسا ميتران رفضت وقف المسلسل الانتخابي وفتحت ذراعيها للعديد من قادة جبهة الإنقاذ بقيادة عباسي مدني، وسارت دول أخرى على منوالها باستقبال قادة الجبهة كما ألمانيا وأمريكا ..
يعود الكاتب المخبر إلى فترة لقائه بـ»الديستي« الفرنسية، وكيف ربط معهم العلاقة إبان محاكمته أو متابعته على ضوء مقالة «في سي دي.» وهو يغادر مقر الديستي الفرنسية عادت إليه كلمات تبون وقد أخبره:» في قضيتك، وللخروج من هذا التكالب عليك .. الوحيدون الذين سيساعدونك هم المخابرات «، صار للمخبر صياد أصدقاء في «الديستي» الفرنسية، كما كان له أصدقاء في فرقة محاربة الإرهاب بعد أن اطمأنوا له. ولشبكة علاقاته السليمة. فهو فرنسي جزائري متزوج بإنجليزية لا يخدم أحدا في السياسة اليومية بدون علاقة ببيع الأسلحة . ومن بين هؤلاء يذكر اسم رجل مخابرات اسمه باتريك روبير، الذي كان يشتغل ضابطا في محاربة الإرهاب، والذي أصبح يسكن شقة في ملكية صياد فوق مطعم «كلوني» إلى أن مات بسبب مرض عضال. والذي دربه على العمل السري، روبير هذا كان ذكيا ووسيما يعمل باستمرار على حساب أسرته وصحته، ويتابع بدقة ما يحدث . رافقه إلى باربيس أو، بيلفيل، حيث الإسلاميون الراديكاليون وأطلعه عليهم وعلى مقرات اجتماعاتهم ..
الشخص الثاني الذي دربه واستفاد منه كان بوليسيا يسمى جان غي، الذي كان ينتحل صفة صحافي . ولعله كان كذلك عميلا في الموساد». وعلى كل حال كان هو الشخص »الذي فتح لي أبواب السفارة الإسرائيلية«، كما كتب صياد.
تعرف صياد على هذا العميل في الظروف نفسها عند متابعته في قضية «في اس دي». وقال له :«أنا سأتولى قضيتك، اتبع نصيحتي، سأخرجك من هذا المأزق«. بعدها صار من أقرباء حميد صياد. كان الرجل قوي البنية، يحسن الكلام . لا يقرب الخمر، يتحرك بأورونجينا يوزع عند اللقاء بطاقة التعارف تحمل مهنة.. المحقق الخاص «ديتيكتيفَ»، وهو الذي » ساعدني على التقرب من الإسرائيليين، الحذرين بطبعهم.
ومن بين الأسماء يذكر حميد صياد اسما آخر، ريشارد القائد في شرطة الحدود، فقد ابنته إبان عملية تفجير قطار النقل الجهوي في سان ميشيل بباريس في 1995. وقد اختار أن يعيش بعد تقاعده في المغرب.
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 16/01/2025