ماذا لو تأخذ فرنسا من المغرب دسترة المنهجية الديموقراطية..؟

عبد الحميد جماهري

وجد اليسار الفرنسي نفسه في وضعية المطالبة بـ»المنهجية المؤسساتية«، وذلك ليضمن حقه في تعيين وزير أول في الحكومة الجديدة من صفوفه.
هاته المطالبة التي عبرت عنها زعيمة الخضر الأمينة العامة للحزب، مارين تونديلييه، تكشف وجود فراغ دستوري في جانب تعيين الوزير الأول في غياب الأغلبية المطلقة التي تحسم الاختيار الرئاسي.
ومن جهته اعتبر جان لوك ميلانشون، بغير قليل من الصواب، أن رسالة الرئيس ماكرون، في التسويغ السياسي لقيام كتله جمهورية من جميع الراغبين في الحكم معه، نوعا من» الفيتو الملكي «ضدا في حق اليسار. في تشكيل حكومته.
غضب الأبِيِّ ميلونشون، مبرر بكون ماكرون يريد أن يعطي تأويلا رئاسيا لنتائج الانتخابات، عبر القول بـ»ألا أحد انتصر» لكي يسقط الأبوة السياسية للانتصار، وبالتالي الحكم ،عن اليسار بوجود فرنسا الأبية!
وما بين الفيتو الملكي والمنهجية المؤسساتية التي يطالب بها اليسار، هناك عقيدة سياسية لا بد من استحضارها لفهم ما يجري، ومن ثمة الاستشراف، )ولو الساخر( لما يمكن أن تكون عليه الأمور.
هناك مشكلتان لا يمكن التغافل عنهما ولا يمكن القفز عليهما.
أولهما، أن الرئيس ماكرون يتحدث من قلب فلسفة الجمهورية الخامسة التي ترى بأن مركز الثقل السياسي والمؤسساتي يوجد في قصر الإليزيه، وبالتالي فالرئيس هو الذي يصنع «ملوك السياسة« وليس البرلمان.
وعن ذلك يتفرع» فراغ» مفاده ألا شيء يجبر أو يلزم الرئيس ماكرون، باعتباره رئيس الدولة، بتعيين الوزير الأول من الحزب الذي تبوأ المرتبة الأولى انتخابيا.
بمعنى آخر لا يوجد في فرنسا فصل مشابه للفصل 47 كما في الدستور المغربي، أضف إلى ذلك أن الحكومة لا تخضع لتنصيب برلماني يفرض مرورها عبر القناة التشريعية كمصدر مزدوج للشرعية. بل إن التصويت غير إجباري على البرنامج الحكومي.. وهو ما يجعلنا في صلب النظام الرئاسي للجمهورية الخامسة..
اليسار، وعبره الطبقة السياسية عموما، يوجد في لحظة غير متوقعة، لا سيما في بلاد قامت ثقافتها الفرنسية على المواجهة، وليس البحث عن توافقات تخترق الانتماءات الاديولوجية والسياسية ( عكس التجربة الألمانية( الشيء الذي يجعل من دعوة الرئيس إلى قيام تعاقد جمهوري، غير مناسبة، وغير قابلة للتطبيق إلا بتفجير كتلتين اثنتين، هما كتلة اليسار. ثم كتلة اليمين الديغولي أو اليمين الجمهوري التقليدي..
وهنا يكون الفراغ الدستوري في خدمة التكتيك الرئاسي، وتأكيد تاكتيكات الإيليزيه على حساب التمايزات السياسية وعلى حساب الميول الانتخابية للمواطنين.
سيكون من المفيد لفرنسا أن تتأمل التجربة الدستورية المغربية، مرورا من المنهجية الديموقراطية (رحم الله الفقيد الكبير عبد الرحمان اليوسفي ) ووصولا إلى دسترة هاته المنهجية بما يجعل ذلك إنجازا دستوريا بالغ الأهمية (جعل الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي يبدي إعجابه به كتابيا في كتابه «زمن المعارك» حيث قال كانت المفاجأة شاملة، والإبداع عميقا والأجندة جد سريعة برغبة ذاتية، وبعد المصادقة على الدستور الجديد، سيكون رئيس الحكومة المقبل هو الذي يدير الجهاز التنفيذي، بيد أن الأكثر إبداعا كان، في هذه الحالة، تعيينه من داخل الحزب الذي يتبوأ المرتبة الأولى في انتخابات مجلس النواب المغربي، وهو ما يعني، بشكل ملموس، أن المغرب سيصبح به من الآن فصاعدا حكومة تخرج من الاقتراع العام المباشر، فإلى حدود هذه الساعة كان لملك المغرب الصلاحية بأن يختار بكل حرية الوزير الأول، وقد تخلى عن هذه السلطة، وهذه التغييرات أدخلت المغرب في عهد جديد تماما، وذلك كان حدثا معتبرا.
سألت محمد السادس ما إذا كان ينوي التصرف في حالة ما إذا عاد الفوز الانتخابي إلى الإخوان المسلمين، والذين كما أعرف يمثلون خصومه التاريخيين، وقد جاء جوابه بلا لبس، نعم، وهو ما فعله بالضبط حين حان الوقت).. ولعل جزءا من النخبة الفرنسية تفاجأ وأصيب بالصدمة حتى، لما التزم الملك بهاته المنهجية مع العدالة والتنمية عقب الربيع العربي..
ولعله سيكون من المفيد أن يتوجه »الاستلهام« من الجنوب إلى الشمال ، في هاته النازلة، بعد أن تبين أن الجنوب يتجاوز الأزمات بمنهجيته الديموقراطية..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 13/07/2024

التعليقات مغلقة.