ما غيَّره محمد السادس في قضية الصحراء!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com

من المحقق أن عيد العرش، هاته السنة، له طعم خاص. لاسيما بالنسبة للقضية المصيرية قضية الصحراء :

ذلك أن الخطاب يأتي في نفس السنة التي أفتتح الملك فيها البرلمان بخطاب حصر موضوعه في القضية وعن القضية. وهو أيضا خطاب على بعد أقل من ثلاثة أشهر من الموعد الدولي المرتبط بالقضية، ذلك الموعد الذي عبر المغرب سابقا عن تطلعه لأن يكون محطة لإغلاق الملف وطي صفحته.

الموعد السنوي، كذلك، يأتي في وقت لم تتوقف الدينامية الإيجابية لفائدة المغرب في هاته القضية: ما يتعلق باعتراف بريطانيا، وأيضا البرتغال، بتوسيع التحالف الدولي حول التوافق الحاصل حول مغربية الصحراء والحكم الذاتي..

والصحراء، كذلك، هي النقطة العالقة، بخصوص مسؤولية الأمم المتحدة، سواء في الجمعية العامة أو ما تبقى من أعضاء مجلس الأمن أو بخصوص اللجنة الرابعة، وعلاقتها بالملف.

ننتظر بالفعل أن تثمر مبادرات المغرب في الإجابات الثلاث، أي ما تبقى من تفاعلات داخل مجلس الأمن وخاصة موقف كل من الصين وروسيا، وما يتعلق بوجود ملفنا في هيئتين من هيئات الأمم المتحدة، وهو ما لا ينسحب على جميع القضايا المعروضة أمام المنظمة، ثم الموقف من النقاش داخل اللجنة الرابعة ومسؤولية الأمم المتحدة تجاهها، وكذا ملف المحتجزين ..

يمكننا أن نضيف بأن ملف الوحدة الترابية يتعرض أيضا إلى إعادة تحيين التحالف بين اليمين الإسباني والجزائر، إزاء القضية الوطنية ثم .. فتح جبهة الشمال من خلال تجنيد كومبارس انفصالي، .مهما كانت قوة الدمى المستعملة فيه.

لا يمكن أن نغفل هذا الموضوع في السياق الحالي، كما لا يمكن فصله عن مسار النجاح في طي هذا الملف.

ولا يمكن أيضا فصل ما يحدث عن المساندة الابتزازية التي يحاول اليمين في الحزب الشعبي في إسبانيا توظيفها، من خلال استقباله لأعضاء من جبهة البوليساريو.

لا يغيب عنا أن الخصوم يسعون إلى تدوير ملفات الانفصال بإعادة تنشيط المؤامرة، من خلال حملة التهديد المستجدة.

مازال المغرب يكتب حاليا تاريخ استقلاله (بدون التوقف عن كتابة المستقبل أو في خضم العمل على تجويد المستقبل ذاته)

ومازال يستكمل فيه تاريخ حريته الوطنية .

ويمكن أن نقول بأننا في الفصل الرابع من هذا التاريخ ..

ومن المحقق أن التاريخ سينصف ملك المغرب محمد السادس كما أنصف جده وأباه..في قضية التحرير والأدوار التحررية الطلائعية، تماشيا مع قوة الشعب الهادرة.

ونحن نعيش لحظة حاسمة من تاريخنا ونسأل: أين وجد محمد السادس قضية الصحراء عندما اعتلى العرش، وأين وصل بها؟ ما هي الظروف التي اشتغل فيها وكيف تعامل معها..؟

-في 1999، عندما تولى العرش، كانت معضلة الاستفتاء في أوجها، وما زال أفق التحركات الدبلوماسية والصراع في تأويل القرارات الأممية..

والآن يمكن أن نقول إن الاستفتاء، هاته الفكرة التي تبرعمت منذ استعمار الستينيات، صار من متلاشيات الديبلوماسية الدولية …

ـ لم يكن لنا في محفل العظماء الدوليين، بمن فيهم الأقرب منا، مساند واضح وصريح: اليوم ثلاث دول من أصل خمسة دائمة العضوية مع المغرب، والباقي لا يعمل بعداء بما فيها روسيا..كما أن المغرب بات يحصل بشكل قار على13 صوتا من أصل 15لفائدة موقفه..

ـ وعي دولي بطبيعة الصراع الإقليمي وتكريس الجزائر كطرف أساسي عوض الجماعة الانفصالية، والتي فرضت عليها التفكك والتشتت بسبب الوضع الجديد الذي خلقه المغرب.

ـ نجاح المغرب في تغيير معادلة القضية، من خلال ما سبق ومن خلال اعترافات الدولتين الاستعماريتين فرنسا وإسبانيا بمغربية الصحراء وخلق وضع جديد للخصوم.

ـ انتقال الخصوم من الهجوم إلى الدفاع، سواء في الهيئات الأممية أو في الفضاءات الدولية الأخرى، بما فيها اللجنة الرابعة التي كانت فضاء مستباحا لهم..

ـ العودة إلى كل الفضاءات السابقة التي اخترنا فيها الفراغ وفتح تموقعات- من آسيا إلى أمريكا اللاتينية – جديدة عززت نجاح المغرب..

ـ فرض البلاد نفسها كشريك استراتيجي والتعامل بندية في القضايا المصيرية، وهو ربح انسحبت مردوديته الدبلوماسية على كل القضايا بما فيها الاقتصادية والاستراتيجية..

ـ تحرير البلاد من مخطط الكماشة لفصله عن عمقه الإفريقي وحشر البلاد في ركن أو جزيرة، وتحويل الصحراء نفسها إلى قاعدة جيو سياسية لتعاون إفريقي أوروبي أمريكي ..

ولا ننسى في الوقت نفسه، كيف كانت الصحراء عنصر تحريك وتحفيز على المزيد من الاستقراء المؤسساتي داخليا، وما يمكن أن نحصل عليه من وراء صمودنا، ثم انتصارنا في الصحراء.. من مكاسب ديموقراطية وتنمية .. إلخ.

ويمكن أن نلخص المشهد بعبارة واحدة: لقد بتنا قاب شهرين أو أدنى من طي الملف، وهذا يسجله التاريخ لمحمد السادس!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com - بتاريخ : 28/07/2025