محادثات بلينكن، المغرب والجزائر المسكوت عنه والمعلن في بيانات الخارجية الأمريكية

عبد الحميد جماهري

نالت المكالمة التي جرت بين وزير خارجيتنا ووزير خارجية أمريكا انطوني بلينكن حظها الوافر من التداول والتحليل، مزيدا وتنقيحا.
ونفس الشيء بخصوص مكالمات الوزير الأمريكي مع نظيره الجزائري صبري بوقادوم.
ولعل مجريات الأمور تفترض قراءة من زاوية مغايرة لما تم تداوله من معطيات ومستخلصات ونتائج..
ومن هنا قد يكون من المفيد للغاية أن نقرأ محادثات وزير خارجية الولايات المتحدة، والبلاغات الصادرة عنها، سواء بخصوص مكالمته مع الوزير المغربي ناصر بوريطة أو محادثاته مع وزير الخارجية بوكادوم الجزائري، من زاوية البلاغات الصادرة عن وزارة الخارجية نفسها.
كيف تحدثت الوزارة عن مكالمة بوريطة من جهة وبوكادوم من جهة ثانية؟
ما الذي تم التعامل معه بالتخفي وما الذي تم التعامل معه بالتوضيح؟
فهذه البلاغات، تعطينا صورة عم تراه واشنطن نفسها، من محتوى ، سواء بالتبيان أو بالتخفي، بالإبراز أو بالتضمين.
قد تكون اللغة الدبلوماسية ميالة إلى التنميط، والجفاف و التقريرية ، لكن يبقى أن في قراءة المضمر والموضح زاوية جديرة بالمحاولة.
1/ الصحراء المغربية : أول ملاحظة أن الموضوع الذي يشغلنا نحن كمغاربة، والذي يعد ثابتا في تحديد مواقفنا، وحتى انفعالاتنا وحالاتنا الذهنية، هو ما يتعلق بالصحراء المغربية.
وما نلاحظه هو أن البلاغ الأمريكي لم يأت على ذكر أي موقف من القضية الوطنية الأولى..
وفي هذا الصدد، تحاشى بالمنطق الجديد، تلميحا أو تصريحا عن الموضوع.
ومقابل ذلك، نجد أن وزير الخارجية الجزائري، بوكادوم، قد أورد في تويتر خاص به : كما تم( تبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، خاصة الأوضاع في الصحراء «الغربية« ليبيا ومالي).
والملاحظ أنه أعطى الأسبقية في ترتيب الأوضاع المشتركة للصحراء المغربية ثم جاءت ليبيا ومالي.
وهو سعي مفكر فيه، وتزوير مقصود، ليضع الصحراء عتبة لمنطقة مشتعلة، وتعرف هياجا استراتيجيا غيرمبسوق ربما، كانت قمته الاغتيال الذي طال رئيس دولة فوق ترابها، وبطريقة شبه عسكرية، طرحت دور الميليشيات الإرهابية التي كانت متمرسة في ليبيا.
وعليه فإن الحديث المتعمد عن الصحراء لم يكن عفو خاطر أو حركة بافلوفية للديبلوماسي الجزائري، بل كانت مبنية على تقديم مغرض للوضع في الصحراء، ثم في الساحل.
سيتبين من بعد أن وزارة الخارجية الأمريكية، والسفارة الأمريكية في الجزائر مضطرة لتصحيح الانحراف المقصود، وإرجاع الأمور إلى سيرتها الديبلوماسية.…
في الوقت ذاته، قال بلاغ الخارجية المغربية إن «المسؤولين بحثا أيضا، القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، لاسيما الوضع في ليبيا ومنطقة الساحل. وفي هذا الصدد، أشاد بلينكن «بالدور الذي يضطلع به المغرب في تحقيق الاستقرار في منطقة موسومة بالاضطراب«..والواضح أن المغرب في بلاغه الرسمي اتفق مع سلوكيات المتفق عليه، وما يكون قد تم الاتفاق حول نشره وتداوله رسميا، من الأطراف.
وكان لافتا أنه لم يصدر ما يصحح البلاغ المغربي أو ما نشرته الجهات الرسمية المغربية حول الموضوع.
في الوقت ذاته، تم تداول موضوع الصحراء، في المحادثات المغربية الأمريكية من خلال ما نشره الموقع الإعلامي (أكسيوس).
وتابعنا كلنا، كيف أن الموقع الإخباري الأمريكي (أكسيوس)، نقل عن مصادر مطلعة أن إدارة الرئيس جو بايدن لن تتراجع عن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء.
أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أكد لوزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، خلال المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما الجمعة ، أن إدارة بايدن لن تتراجع عن هذا الاعتراف المتضمن في الإعلان الذي وقعه الرئيس ترامب في دجنبر الماضي.
2/ حضور المواضيع ذات الصلة بالإعلان الثلاثي المشترك بين تل ابيب وواشنطن والرباط، كثلاثية موقعة في 22 دجنبر 2020 بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمغرب، »رحب بلينكن باستئناف الاتصالات الرسمية بين المغرب وإسرائيل«، مشيرا إلى أن هذه العلاقات ستكون لها منافع على المدى الطويل، وأكد على «الدور الرائد والعمل ذي المصداقية الذي يقوم به المغرب من أجل الوصول إلى سلام دائم في الشرق الأوسط«.»
كان هناك حديث واضح عن استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية، مع استعمال اللغة نفسها التي يستعملها المغرب، بلا حديث عن التطبيع أو غيره.والسلام في الشرق الأوسط، وهو الضلع الثاني في البيان الشهير المتعلق بالاتفاقية ….
في المقابل لم يكن هناك أي حديث عن تقرير يخص التصريح والاعتراف بالسيادة المغربيةعلى الصحراء…
وسيكون من الصعب أن نسلم بأن المحادثات دارت بين الوزيرين عن الاتفاق الثلاثي، بإسقاط العنصر الأبرز الذي يحرك المغرب في هذا الباب، أو أن السيد بوريطة أغفل الحديث عن الموضوع أو لم يثره مع بلينكن، الذي تناول بلاغه قضايا العلاقات مع إسرائيل، والشرق الأوسط، وما رافقها، دون أن يضع المغرب نقطة نظام في المحادثات تخص موضوع قضيته الرئيسية..!
3/ وكان لافتا، في السياق ذاته، أن تسترعي الانتباه عبارة وردت في تغطية موقع (اكسيوس) حول عدم التراجع عن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء.
وهذه العبارة تضع سقفا زمنيا، وإن كان غير محدد لاستمرار الاعتراف بالقول إن «الولايات المتحدة لن تتراجع عن قرار السيادة،« على الأقل في الوقت الحالي«.
وهي عبارة تشبه وضع ذبابة في كأس اللبن الصافي، أو كما يقول الفرنسيون لا تخلو من حشر القمل في الأذن«.
فهل معناه أن استمرار الاعتراف مرهون بسقف زمني معين، بشروط يجب استكمالها، أو بتوازنات دولية وإقليمية قد تتحكم في الموضوع؟
كل الأسئلة مشروعة،عندما يتعلق الأمر بحياتنا الوطنية .
وهو ما قد يقودنا إلى النظر بعين أخرى إلى نقط سبقت في البلاغ تتعلق بمواصلة الإصلاحات و«تجديد الالتزام» بحقوق الإنسان،
وكان لافتا أيضا في هذا الباب أن بلاغ الأمريكيين ذكر أن »كاتب الدولة شجع المغرب على مواصلة تنفيذ هذه الإصلاحات، التي وصفها «بالهامة.»
في المقابل، لا نجد أي ذكر للإصلاحات أو الدعوة إلى القيام بها في بلاغ أمريكا -الجزائر المشترك!
فالبلاد الذي يخرج شعبها إلى الشارع، ودخل نشطاؤه بالعشرات إلى السجن، والتي لم تبادر إلى أي إصلاح، لا حديث معها عن القضية الإصلاحية، ولا دعوة إلى التزام جديد بقضايا حقوق الإنسان.
في المقابل، يبدو الخطاب الأمريكي، بما فيه من إشادة، كما لو أنه يستكمل استمارة إصلاحية تخص المغرب، من حقنا أن نسأل هل لها علاقة بعبارة »على الأقل في الوقت الحالي«!! ؟
4 /لا يمكن أن نتناول المو ضوع بالفعل دون أن ننظر مليا في عبارة وردت في البلاغ في القضايا المعلن عنها، تركيز على قضايا السلام في ليبيا ومالي. وهنا فإن التزامن في الديبلوماسية شرط للفهم.
فقد تصادف أن المكالمة يومي 29-30 أبريل الماضي حول الموضوع، تزامنت مع اجتماع مجلس الأمن حول ليبيا والساحل.
في هذا الباب، كانت اللغة متباينة، بالنسبة للجزائر قال وزير الخارجية الأمريكية: ناقشنا رغبتنا في رؤية الاستقرار والازدهار في ليبيا ومنطقة الساحل«..
وهو كلام قريب إلى التمني منه إلى تقدير وضع قائم.
في حين كانت اللغة في البيان الخاص بالمغرب أكثر إفصاحاعندما شدد بلينكن في هذا الصدد على«الدور المحوري للمغرب في تعزيز الاستقرار في منطقة الساحل وليبيا«.
5/في القضايا الثنائية، والإقليمية والقارية نلاحظ ان اللغة الغالبة هي اللغة العمومية في ما يتعلق ببلاغ الجزائر / أمريكا.
حيث أكدت الخارجية الأمريكية أن الاتصال،بين بلينكن وبوكادوم شكل مناسبة »لبحث « فرص زيادة التعاون في إفريقيا لتعزيز الرخاء الاقتصادي والاستقرار الإقليمي .
وأنه تم خلاله التطرق إلى سبل »إحياء « وتقوية الشراكة الإستراتيجية بين الجزائر والولايات المتحدة الأميركية في مختلف المجالات .
أما في مجال الاصلاحات البنيوية فلم تكن هناك أدنىإشارة تذكر ،باستثناء
الاشادة بجهود الجزائر في »تنويع« الاقتصاد والطاقة، و»رغبتها« في جذب المزيد من الشركات الأمريكية«.
والحال أن جهود التنويع أمر صار من النصائح الاولية المتجاوزة في العالم، ولم تعد تشكل موضوع نصيحة في الوقت الراهن!
مقابل ذلك، نجد في البلاغ الخاص بالمغرب استبيانا طويلا حول ما هو متحقق، واقعا لا يتطلب إحياء ولا تنويعا.
بحيث أبرز وزير الخارجية الأمريكي، بمناسبة الاتصال مع بوريطة، «العلاقة الثنائية العريقة وذات المنفعة المتبادلة والقائمة على القيم والمصالح المشتركة في مجال السلم والأمن والازدهار الإقليمي «، كما تحدث عن »الشراكة الإستراتيجية العريقة« وعن «العلاقة الشخصية القائمة بين جلالة الملك محمد السادس وفخامة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي من شأنها إعطاء دفعة قوية لهذه الشراكة« ..

( بما أن المناسبة شرط، والمناسبة هنا هي ما يحدث بين الرباط وواشنطن، فإني أعتذر للقراء الاعزاء،عن الجزء الثاني من عمود نهاية الاسبوع،حول » برشمان الزمن السياسي …! نسج الدولة السلطانية والدولة الوطنية في المغرب« ، والذي سينشر في عدد الغد، مع فائق التقدير على تفهمكم)

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 03/05/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *