محمد الحلوي: السيرة التي لا تدفن مع صاحبها..(2)

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

تولى الفقيد محمد الحلوي مسؤولية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، بعد حملة الاعتقالات التي طالت الاتحاديين في يوليوز 1963، وبعد خروج حميد برادة إلى الخارج وإصدار حكم بإعدامه.
في المؤتمر التاسع ل»أوطم» بالرباط ، سيصبح رسميا رئيس المنظمة الطلابية، في شتنبر 1964، سيعتقل كما سبق وأن كتبنا، وفي السجن ستتدهور صحته وتصدر اللجنة التنفيذية ل»أوطم» بلاغا يتحدث عن وصول »بعض الأخبار مفادها أن صحة الرفيق محمد الحلوي رئيس «أوطم» ازدادت خطورة على الخصوص مما أدى إلى إجراء عملية فحص طبي لشرايين القلب.
وذكر أن محمد الحلوي قد اعتقل منذ 14 شتنبر 1964 وأنه قد نقل من السجن إلى المستشفى منذ 28 أكتوبر، وأن المحكمة العسكرية سبق لها أن رفضت السراح المؤقت الذي تقدم به الدفاع سابقا وأخيرا فإن محاميه قد قاموا بتقديم طلب جديد، لم يتوصلوا بجواب عليه، وكان واضحا أن الجامعة المغربية ضربتها موجة من التوتر والغضب…، وهو ما جعل المنظمة الطلابية مهددة بعدما اتجهت وزارة الداخلية نحو التصعيد، سواء من خلال منع الارتباط التنظيمي مع قطاع تلاميذ الثانويات، أو عبر المطالبة بحلها.
وكتب موريس بوتان في كتابه المشار إليه سابقا، يقول : »خلال الستة أشهر الأولى من سنة 1964 توالت التجمعات الاحتجاجية والإضرابات في الجامعات ومظاهرات تلامذة الثانويات بالرباط والدار البيضاء وفاس وغيرها من المدن المغربية، أعقبتها موجة من الاعتقالات في صفوف الطلبة، وأغلقت بعض مقرات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في كثير من المدن، واحتلت الشرطة البعض الآخر، ومع ذلك ظلت المنظمة قوية ثابتة في وجه القمع، ولم تتوان غداة صدور أحكام الإدانة في مؤامرة يوليوز عن التنديد بالمحاكمة الجائرة مجددة تضامنها مع أبطال المقاومة الفقيه البصري ورفاقه، وفي فاتح ماي، تظاهروا إلى جانب العمال احتفالا بعيدهم السنوي، رافعين شعارات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين وعودة رئيسهم ولكن دون جدوى«.
غير أن محمد الحلوي، سيواجه، هو الذي ورث المنظمة بكل حرارتها وحرقتها، مصير المنظمة، بعد أن صارت الدولة نحو حلها، عبر المحكمة.
وهي تفاصيل عاشها المحامي الفرنسي موريس بوتان شخصيا ودونها بتفاصيلها التي نورد منها سياق تحريك مسطرة الحل القانوني للمنظمة.
وفي الوقت الذي جمعت فيه الدولة سلاحي الاعتقال والحل،» تحريك مسطرة الحل ضد الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» لم تشف المتابعات القضائية ضد رئيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب غليل الحسن الثاني، خاصة وأن هذه القضية الجديدة لم تعمل سوى على تأجيج تحركات الطلبة، لهذا قرر نزع صفة الجمعية ذات النفع العام عن المنظمة الطلابية، قبل أن يعطي الأمر لوكيل الملك برفع دعوى مدنية بحلها لعدم توافق نظامها الداخلي مع القانون، وهكذا بعد شهر على اعتقال رئيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الحلوي، وثمانية أشهر على محاكمة الضالعين في مؤامرة يوليوز رفعت دعوى قضائية مزدوجة ضد رئيس المنظمة الطلابية التي يعتبرها القصر تقدمية إلى حد لا يطاق، خاصة وأنها مرتبطة بعدوه الأول المهدي بن بركة.
انطلقت المحاكمة في 21 أكتوبر 1964 ويؤكد وكيل الملك في مطلبه أن نظام المنظمة الداخلي يخالف ظهير 21 يونيو 1963 الذي يحصر صفة الطالب في فئة من يتابع دراسته في التعليم العالي، وأجلت المحاكمة مرتين لتمكين هيئة دفاع المنظمة من تقديم ملاحظاتها على صك الاتهام، وحضر المحاكمة مجموعة من المراقبين الأجانب تعبيرا عن تضامنهم، يتعلق الأمر بوفد عن الجمعية الدولية للحقوقيين الديمقراطيين، وعن الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا، وبممثلين عن الطلبة الجزائريين والتونسيين.
قدمنا مجموعة من الملاحظات البسيطة، منطلقين أولا من خطأ وقعت يه النيابة العامة، سهوا أو عمدا، حيث نسيت التحقق من الأوامر الصادرة من السلطات العليا، قبل تحريك المتابعة، والحال أن نظام المنظمة الطلابية الأساسي وقع تغييره بعد صدور القانون المذكور في فصله الرابع، وسلم بانتظام إلى النيابة العامة بالمحكمة وإلى مفوضية الشرطة، سواء بعد المؤتمر الثامن المنعقد بالدار البيضاء قبل بضعة أيام من صدور القانون الجديد للمنظمة أو بعد مؤتمرها التاسع المنعقد بالرباط، وينص الفصل الجديد بوضوح على أن الأعضاء النشيطين للاتحاد الوطني لطلبة المغرب هم: الطلبة المغاربة الذين يتابعون دراستهم العليا بالمغرب وفي الخارج، والطلبة الأجانب الذين يتابعون دراستهم العليا بالمغرب.
حدد تاريخ 16 دجنبر لتقديم المرافعات، واكتظت قاعة المحكمة بالطلبة الذين حضروا للتعبير عن تشبثهم بمنظمتهم، أعطيت الكلمة أولا لوكيل الملك، وأعلن، كما كان متوقعا، أن مطالبته بحل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لم تعد تستند إلى الجوهر، بل إلى الشكل، إذ أن المنظمة حسب زعمه لم تودع النظام الداخلي لدى النيابة العامة، وأكد النقيب ايف بايسير محامي القصر والدولة المغربية ما جاء على لسان وكيل الملك.
كان أحمد بلحاج أول متدخل من هيئة الدفاع عن المنظمة الطلابية وقد سعى إلى تبيان أن حل المنظمة يعد مسا بإحدى الحريات الأساسية التي اكتسبها الشعب المغربي بفضل نضاله من أجل نيل الاستقلال، وعالج دانييل ليفي القضية من منظور قانوني، معترضا على التأويل الذي قدمته النيابة العامة.«…
وقتها كان القضاء المغربي ما زال يضم قضاة فرنسيين، ومنهم قاض نزيه، حسب المحامي، هو فرانسيس فرانسيسي، الذي كان آخر القضاة، قبل تعريب القضاء ومغربته ابتداء من يناير 1965.
القاضي والمحكمة معه اعتبرا أن ما تقوله النيابة العامة لا أساس قانوني له، وهو ما دفع «ليبراسيون» المغربية إلى أن تعنون على صدر صفحاتها الأولى : «»اوطم» يحقق انتصارا في محاكمة الرباط«….
وكان واضحا أن السيناريو اقتضى اعتقال الرئيس، واتهامه بتهمة تقود إلى الإعدام، بالقانون، في الوقت الذي كان الاتحاد أيضا سيعدم بالقانون…
سيظل الفقيد الحلوي في السجن من يوم اعتقاله في 18 شتنبر 1964 ومتابعته بالمس بأمن الدولة الخارجي، ومطالبة النيابة بالحكم عليه بالإعدام ، إلى أن صدر في أبريل 1965 قرار إطلاق سراحه بمقتضى أمر بالسراح المؤقت صادر عن قاضي التحقيق.…
ولقد وقعت أحداث 23 مارس من نفس السنة وهو في السجن ، لكن ستكون لها آثارها عليه من بعد خروجه.
وبالرغم من أن الأجواء تغيرت قليلا، حسب شهادة للدكتور فتح الله ولعلو نشرتها وثائق مركز بن سعيد ايت يدر، فسرعان ما تدهورت.
لقد كتب فتح الله ولعلو يقول في شهادته عن الاتحاد »، بعد أحداث 23 مارس 1965 سيخلق جو انفتاح، سيمكن من عقد المؤتمر والذي سيعيد انتخاب محمد الحلوي كرئيس، غير أن الأمور سرعان ما ستتطور في اتجاه مخالف على إثر عملية اختطاف المهدي بنبركة في باريس 29 أكتوبر 1965…
هذا الجرح الغائر، كان على محمد الحلوي، الذي ارتبط كثيرا عبر رئاسة المنظمة بالشهيد المهدي بنبركة، أن يواجهه كل يوم.
وقد كتب المناضل والقيادي الاتحادي أطال الله عمره عبد القادر باينه ، أستاذ الأجيال، عن أكتوبر 65 ومهام الفقيد الكبير بالقول: وفي أكتوبر 1965 انعقد بالرباط المؤتمر الوطني 10 (أوطم) وأثناء المؤتمر راجت الأخبار باختطاف الشهيد المهدي بن بركة من قلب العاصمة الفرنسية، وانتهى المؤتمر بإصدار مقرراته وبياناته وتجديد الثقة في الأخ محمد الحلوي ليستمر في رئاسة المنظمة، ومشاركة الأخت بديعة الصقلي في اللجنة التنفيذية، وبعد المؤتمر انطلق البحث عن الحقيقة في اختطاف الشهيد المهدي بن بركة، تلك الحقيقة التي مازالت منشودة….»
الحياة المليئة لم تكن تثنيه عن الالتزامات الإنسانية، كما يستفاد من شهادة إسماعيل العلوي، أحد أطر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والأمين العام السابق للتقدم والاشتراكية، الذي قال في شهادته»:
«ثم لابد لي من أن أذكر لحظات أخرى ضمتني والأخ الكريم والصديق العزيز السي محمد الحلوي، أتذكر عندما زارني في بيت الأسرة بمعية صديقي الكبير والرفيق الكريم السي عمر الفاسي، لمواساتي بعد وفاة الوالد في شهر ماي من سنة 1965.
وما كان يثير تقديري للسي محمد الحلوي هو حرصه على أن يبقى وفيا للقيم التي آمن بها والربط الدائم بين الفكر والفعل، من دون أن يبالي بالعواقب، وكنا نجد سلوكه هذا لدى العديد من الإخوة ولدى الأخوات، على قلتهن آنذاك بين صفوف مناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وأستسمح إن ذكرت بعض الأسماء كالسي محمد الفاروقي والسي محمد الاخصاصي والسي عبد اللطيف المنوني، والأخت بديعة الصقلي، على سبيل المثال«…
يتبع

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 29/07/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *