من أجل التفكه الحزين لا غير: اليسار والانضباط البرلماني..

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

أعلنها منذ بداية السطر الأول: أحب اليسار ولا أحب تأديبه، ولي قسط غير يسير مما سأكتب عنه من شاعرية الانزياح والفوضى !
مع ذلك، هناك أشياء طريفة كثيرة تحدث في البرلمان، تغفر في الواقع للديموقراطية المغربية كل ما فعله المال، الحلال منه والحرام وولد الحلال وولد الحرام معا، في حقها. أشياء طريفة لا من باب القدرة على استثارة التفكه والمرح، الذي لا يحدث في الغالب للديموقراطيات الجدية إلا نادرا، بل. طريفة لأن فيها ما لم يسبق في عنفوان السياسة المغربية أن وقع في جهة اليسار.
ففي الأدبيات المستجدة التي رافقت الفيروس المستجد المتعارف عليه دوليا بالابن البار لكورونا 19، استجدت أشياء هامة في الطرف اليساري من الممارسة السياسية البرلمانية .
فمن الطريف حقا أن تمنع قيادية يسارية من الدخول إلى البرلمان، يحدث معها تضامن واسع وتصبح بدون علمها الراية السياسية الراديكالية لكل الشعبويات العالمية في محاربة التلقيح، لا لأنها على خطأ بل لأنها على صواب في غير محله!
ومن الطريف حقا، أن السيدة محترمة، لأنها تقود حزبا جد محترم نال احترامه بتاريخه الطويل في مقارعة الاستبداد والنزعة الإصلاحية وفي الطوباويات البرجوازية الصغرى، وبما يمثله رمزه السياسي في وجدان المغاربة، من قيم وثبات ونزوع صوفي إلى وراثة الماركسية اللينينية والحفاظ على زواجها البهي مع القيم العميقة للمغرب العميق الصوفي الروحي، ومع ذلك تجد نفسها في كماشة القانون التنظيمي للبرلمان، الذي يرأسه شخص يجد الكثير من الحيوانيات السياسية مع خصومه الآخرين…والطريف أن يكون الرئيس في موقع صواب مؤسساتنا وخطـأ سياسيا، وهو يبني قراره على موقف لسيدة محترمة لا تحترم القانون الداخلي لمجلس النواب، وذنبها، هذا المؤلم في الطريف، أن الانضباط يبدو في موقفها قيمة برجوازية مشكوك في صلاحيتها عندما يتعلق الأمر باليسار.
بل يكون من الموقف الجدي أن يتم التعريض به. وكأن لينين لم يقل في ذات انتباه مؤسساتي أنه لا حقيقة خارج السلطة التي تمارس القوانين..
الطريف أيضا أن يكون زعيم حزب، محترم ، الزعيم والحزب معا، ويمتلك كل الوداعة الإخلاقية الممكنة في البشر يساريا كان أو يمينيا، عرضة لقرار. نفس الرئيس، الذي، نذكره مرة أخرى، يرى أن السياسة لا يمكن أن تمارس بدون حكايات الجدات عن الغابة والذئاب ..وكأن الانضباط المهني هو في العمق تنازل للبرجوازية الصغرى التي تحب أن تجر المناضلين إلى فصول التأديب غير المقبول جدليا ودياليكتيكيا..
أحد اليساريين، ولا يسعفني قلبي أبدا في أن انتقدهم وفي البلاد شيكات على بياض الديموقراطية.وفي البلاد رجعيات معلنة لها رصيدها في الليبرالية وعلاقة زواج عرفي مع الرأسمال، ولا ترى غضاضة في الريع إذا سبقه التيمم!!!!
وأقولها بصراحة كبيرة أنني أحب أهلي من اليسار ولا أحب أن يؤدبه أحد..
لاسيما من لدي معهم علاقة شخصية قوامها المحبة..
لهذا اعتبر أن من نوادر الديموقراطية في البلاد. أن يتعرض القادة اليساريون إلى التوبيخ الديموقراطي والمهني، وهم يحلمون وأن يفاجئهم ليبرالي غير متنور وهم يحلمون بالكومونة ولا ينضبطون للمؤسسات التي يعتبرون دخولها دخولا تكتيكيا في انتظار المساءات الشاسعة للثورة.
لقد غير البرلمان التجربة اليسارية في المغرب رأسا على عقب، إذا كنا هيجيليين ونرى العالم يمشي على رأسه أو عقبا على رأس، إذا كنا ماركسيين ونرى التاريخ يمشي على قدمين بعد مجهود غير بسيط في تقويم اعوجاجه..
ولم ينجح اليسار البرلماني في الكثير من تجارب العالم، اللهم إلا في التجارب الجدية التي كان البرلمان فيها واجهة نضالية، وتلك أحجية حنين ما زال يراود الكثير منا، لاسيما الذين يفشلون في الفوز في المقاعد كما حدث لعبد ربه في انتخابين كان المطلوب فيهما أن يصل الفبرايريون إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، ثم كان المطلوب فيها أن يرحلوا عبر صناديق الصراع، وكان على اليسار. أن يكون الكبش الوطني الرائع لنجاح الديموقراطية بمساعدة الرأسمال..
على كل، لن يستسيغ الرفاق في اليسار هذا النكير والمنكر في عمود عابر في صحافة عابرة.
وطبعا مرة ثانية لن يقبل رفاقي في الضفة التي يوجد فيها القلب أن أركز على هذه الرأفة تجاه الديموقراطية البرلمانية المغربية من زاوية تثير الشبهة، وأنا أعترف بذلك..
لكن من الطريف ولا شك أن يكون القانون المطبق في البرلمان لا ضحية له إلا اليساريين أو الذين وضعتهم الاقتراعات (كان اليوسفي رحمه الله قد أدخل الاستحقاقات كتعبير عنها) في محيط الديموقراطية الانتخابية…
وبالرغم من أن اليسار قدس في مرحلة من المراحل المركزية الديموقراطية كاسلوب لينيني صارم في تدبير التنظيمات اليسارية، فإنه مع ذلك لم يكن يحبذ النزوع نحوها في الحياة المهنية، وكان يعتبر الفوضى خلاقة كلما كانت في بلاد تحارب من أجل الديموقراطية ورفعها في الكثير من الحالات إلى سقف القداسة.
كانت الفوضى طريقتنا في الابتهال إلى التاريخ لكي يجعلنا شهداء أو غزاة!
وكان القادة يبذلون مجهودا خارقا في إقناعنا بأن التاريخ هو أكبر درس في الانضباط وألا شيء يسير بطريقة عفوية أو عمدا وأن البلاد لن تنجح إذا هي لم تضبط مواعيدها معه، ابتداء من ضبط مواعيد القطار والدخول إلى مكاتب العمل، (أقساما مدرسية كانت أو معملا أو ورشة أو مقاولة ولو حزبية)..
أعترف أنني أفكر في هذا الموضوع بمرارة منقطعة النظير والنظارات..
وأشعر أني لو كنت مكان رفاقي لكنت ضدي!
وقد بقينا ردحا من الزمن نتقاتل حول معنى السلطة، تارة ننظر إليها من زاوية ما يجب أن يزول، ونستدل بكل ثوار العالم وبناته ونسعف الماركسية العجوز بتغريدات دولوز وماركيوز وتارة نعتبرها نتاجا برجوازيا لا يصل إليها إلا من يجنح إلى تعطيل الثورة ونسميه الانحرافية والانتصار إلى أطروحات مثالية برجوازية، أو التحريفية وقد اصيبت بلوثة» الان تورين«، الذي كان يعتبر. عن حق أنه لا يمكن الدخول إلى التاريخ. بدون ضوابط السلطة والدولة تحديدا..
يصعب‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أعارض‭ ‬رئاسة‭ ‬البرلمان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وألا‭ ‬أعتبر‭ ‬قراريها‭ ‬صائبين‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬باليسار،‭ ‬ولكن‭ ‬يصعب‭ ‬علي‭ ‬حقا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬اليسار‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬قيادييه‭ ‬عرضة‭ ‬لتمرينات‭ ‬الانضباط‭ ‬المؤسساتي‮..‬
لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬الطالبي‭ ‬العلمي‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬صواب‮..‬‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬ضد‭ ‬اليسار‮ ‬‭!‬
ها‭ ‬أنا‭ ‬أفشيت‭ ‬سري‭ ‬وبحت‭ ‬بنزوعاتي‭ ‬اليسراوية‭ ‬الطفولية‭ ‬وأرضيت‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬كنته‭ ‬‮..‬‭ ‬
كان‭ ‬اليسار‭ ‬يعتبر‭ ‬السجن‭ ‬نفسه‭ ‬مدرسة،‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬ينضبط‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بكرامته‭ ‬فيعلن‭ ‬الغضب‭ ‬والإضراب،‭ ‬ولو‭ ‬قاده‭ ‬إلى‭ ‬سرير‭ ‬الانعاش‭ ‬أو‭ ‬التابوت‮..‬
وكان‭ ‬اليسار‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬اليسار‭ ‬الانضباط،‭ ‬وأن‭ ‬المركزية‭ ‬الديموقراطية وجدت له خصيصا‮ ‬،‮ ‬وكانت عبارته‭ ‬الشهيرة‭ ‬في‭ ‬الحلقات‭ ‬وفي‭ ‬اجتماعات‭ ‬الخلايا،‭ ‬انضبط أيها الرفيق‮ ‬‭!‬
‭ ‬وأصدقكم‭ ‬القول‭ ‬أني‭ ‬لا‭ ‬أعير‭ ‬أدنى‭ ‬اهتمام‭ ‬لـ«دوماليي‮»‬‭ ‬كبير‭ ‬لا‭ ‬ينضبط‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬يحتقر‭ ‬الغرفة‭ ‬نفسها‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬مخفورا‭ ‬بالشرطة‭ ‬والورثة‭ ‬
ولا‭ ‬أعير‭ ‬أدنى‭ ‬انتباه‭ ‬لليبرالي‭ ‬غير‭ ‬متنور‭ ‬وليبرالي‭ ‬كل‭ ‬همه‭ ‬في‭ ‬الليبررالية‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يخلق‭ ‬به‭ ‬‮«‬الشناقة‮»‬‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬يملك‭ ‬كل‭ ‬المنشآت‭ ‬والمنابر‭ ‬والمقاعد‭ ‬والأغلبيات‮..‬
لكن‭ ‬أشعر‭ ‬بالفعل‭ ‬بغير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الكآبة‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬قارون ما‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬‮..‬‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬اليساريين
أشعر‭ ‬بأنها‭ ‬محاكمة‭ ‬غير‭ ‬عادلة‭ ‬وغير‭ ‬موثوقة،‭ ‬ولكنها‭ ‬تملك‭ ‬سندا‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الحجج‭ ‬والحيثيات‮..‬
لهذا‭ ‬أشعر‭ ‬بالتفكه‭ ‬المشوب‭ ‬بالحزن،‭ ‬والذي‭ ‬وَخَطَه‮ ‬الغضب،،عندما‭ ‬يكون‭ ‬يساري‮ ‬،‭ ‬دوسوشde souche‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬متحورا،‭ ‬موضع‭ ‬مساءلة‮..‬
أشعر‭ ‬بالفعل‭ ‬بالغضب‭ ‬لاسيما‭ ‬وأننا‭ ‬صرنا‭ ‬أقلية‮..‬في‭ ‬قلب‭ ‬سياسة‭ ‬متغولة‮.‬
مثلي‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬اليساريين‭ ‬أشعر‭ ‬بغبن‭ ‬كبير‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬الانضباط‭ ‬الديموقراطي‭ ‬في‭ ‬غالبيتهم‭ ‬شرعانيين‮ ‬فيهم‭ ‬الشك،‭ ‬و‮ ‬‭ ‬يتحدثون‭ ‬بيقين‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬اليسار‭ ‬متهما‮..‬
ومثلي‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬اليساريين‭ ‬أكاد‭ ‬أكفر‭ ‬كلما‭ ‬حدث‭ ‬الذي‭ ‬يحدث،‭ ‬ووجد‭ ‬اليساريون‭ ‬المتنمرون‭ ‬برفاقهم‭ ‬الفرصة لصب جام‮ ‬الاديولوجيا‭ ‬على‭ ‬أرانب‭ ‬رؤوس‭ ‬رفاقهم‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‮..‬
ومثلي‭ ‬مثلهم‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬اليسار‭ ‬انضباط‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬‮ ‬وعمل‭ ‬‮..‬‭ ‬وليس‭ ‬كسلا‭ ‬ديمقراطيا‭ ‬مدفوع‭ ‬الأجر‮..‬
أو‮…‬كسلا‭ ‬ديموقراطيا‭ ‬يملك‭ ‬حصانة‭ ‬الفتوى‭ ‬بالفوضى ولست أعفي‮ ‬نفسي‮ ‬ها هنا من النقد الذاتي‮ ‬‭!‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 20/05/2022

التعليقات مغلقة.