هامش على تقرير المجلس الأعلى للحسابات

عبد الحميد جماهري

منذ أيام قليلة مضت، احتلت خلاصات التقرير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات، صدارة الاهتمام الإعلامي، بعد أن سلط الأضواء عل عديد اختلالات مست ممارسة المسؤولية في قطاعات عديدة في المجتمع والدولة…
وبعده سقط في الحركية العادية وتوارت خلاصاته وراء اليومي والراهن.. واليوم : ماذا بعد إصدار تقرير المجلس الأعلى للحسابات؟
هو السؤال الذي يبدو أنه سينتقل من سجل التقرير إلى سجل المحضر بإحالة عشرين ملفا للمسؤولين على الجهات المختصة!
وقد يسير اتجاه الأشياء نحو نوع من «التطبيع» مع نشر تقرير مجلس صار من مقومات الهندسة الدستورية الجديدة، التي تفعل المراقبة من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة.
فالمجلس هو بحد ذاته تعريف دستوري للمسؤولية، والحساب هنا قد يعني التقييم كتمرين حيوي للديموقراطية وليس بالضرورة العقاب.
وبعيدا عن المفهوم المأساوي للمسؤولية ولتقديم الحساب، يحسن بالمغاربة أن يدمجوا العملية في ثقافاتهم السياسية، سواء أكانوا أفرادا أو مؤسسات.
الإصلاح الدستوري حول المسؤولية أعاد تأسيس المفهوم على قاعدة دستورية أكثر تقدما… وصار من واجب الحكومة أن تقدم جوابها عن الأسئلة المتعلقة بها…
كما قال صديقنا محمد الطوزي، فإن التقدير الجديد للمسؤولية دستوريا لم يكن تكتيكا سياسيا لاحتواء الضغط الاجتماعي بقدر ما كانت في جوهرها طرح العلاقة السياسية بين المجتمع والدولة موضع سؤال هذا الرابط السياسي الذي يعني الطريقة التي مارس بها السياسة..
وإذا كان دستور 2011 يربط، في مادته الأولى وانطلاقا منها! بين المسؤولية والمحاسبة، فلعل المرحلة الأكثر بروزا في تاريخ المجلس الأعلى للحسابات هي سنة 2017، عندما كلفه الملك بالنظر في الاختلالات في منارة الحسيمة، وقتها ساهم في خلق الزلزال السياسي الذي توقعه جلالة الملك في خطابه الصريح أمام البرلمان، يوم الجمعة 13 أكتوبر2017، على خلفية مشاريع المنارة الحسيمة وما ارتبط بها من حراك. وفي سياقه كان البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، يوم 23 أكتوبر، من نفس السنة، قد أرسى كلمة الزلزال كمفردة في القاموس السياسي والإعلامي المغربي.. بعد وضع نهاية للمهام لدى بعض الوزراء، وبطبيعة ما راكمه من الخبرة في تقييم السياسات العمومية وطبيعة الأشخاص الذين يتولون دواليب المؤسسة أمكن الوصول إلى ما تم الوصول إليه.
البعض من الذين شملتهم التحقيقات كانوا منذورين لأقصى العقوبات وهي «الموت السياسي» البعد.
ولنا أن نتساءل اليوم: كم امتد «الموت السياسي» لمن مستهم العقوبات الحكومية في إبانها؟ أو بعدها؟
وليس مهما الجواب في الواقع بعد أن عاد بعضهم «بواسطة السيادة الديموقراطية» لتنظيماتهم.. واحترمت المؤسسة الضابطة لسير باقي المؤسسات مجال التخصص في هذا الباب.. الذي نذكره هو الاحترام لمقتضيات الدستور، بعد تفعيل بندها الأساسي ربط المسؤولية بالمحاسبة..
الملك نفسه كان قد علل قراراته بالمقتضى الدستوري كما ظل احترام حدود سلطته في النازلة..
نحن لسنا بصدد وضع شبكة قراءة دستورانية لعلاقات السلطة في أعلى هرم الدولة ولا عن المسؤولية الدستورية للأفراد والحكومات عن مشاكل لا تدخل في دائرة المجال المحفوظ ولا توزيع المسؤولية..بل حول التداعيات العملية لتقرير فريد يمكن للمغاربة ان يعيدوا بناء الثقة بالاستناد عليه..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 15/03/2023

التعليقات مغلقة.