هل بدأ مغرب الحكم الذاتي؟ (2/1)
عبد الحميد جماهري
أيام قليلة تفصل المغاربة عن نهاية مرحلة ونزاع وملفّ. ولعلّ المناخ السائد طوال هاته السنة كان ترقّب الطيّ النهائي للنزاع حول قضية الصحراء. يتداول المغاربة مسوّدةً منسوبة إلى مجلس الأمن، الذي سيعقد جلسته السنوية لإصدار قراره حول الصحراء في نهاية أكتوبر الجاري. وتتضمّن المسوّدةُ الحكم الدولي الذي يتطلّع إليه المغرب منذ 50 سنة على اندلاع النزاع حول أقاليمه الجنوبية، وقرابة18سنة على تقديم مقترح الحكم الذاتي لحلّ النزاع وطيه.
صيغة القرار، كما راج بقوة في الأوساط الإعلامية والسياسية، تعمل في ترصيد التطوّرات التي حدثت طوال هاته المدّة،لا سيّما منها المنعطفات الكبرى مثل الاعتراف الواسع بالمقترح المغربي، من قرابة120دولة عضو في الأمم المتحدة،منها ثلاث دول عظمى تحوز عضوية دائمة في مجلس الأمن: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا. والتطورات أوردها القرار في فقرة خاصة، يحيط خلالها علماً «بالدعم الذي أعربت عنه الدول الأعضاء لمقترح الحكم الذاتي المغربي الجادّ والموثوق والواقعي، المقدّم في11أبريل2007 إلى الأمين العام، باعتباره الأساس الأكثر مصداقية لحلٍّ عادلٍ ودائمٍ للنزاع.
وإذ يؤكّد أن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية هو الحلّ الأكثر جدوى، وإذ يرحب بقيادة الرئيس ترامب لحلّ النزاع في الصحراء الغربية، وإذ يحيط علماً بدعوته الأطراف إلى الانخراط في مناقشات من دون تأخير باستخدام مقترح الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد للتفاوض على حلّ مقبول للطرفَين؛ وإذ يرحب كذلك بالتزام أعضاء المجلس بتسهيل التقدم…». ويخلص إلى العنصر الأهم بالنسبة إلى المغاربة ومناصريهم دولياً، بحيث «يدعو الطرفين إلى المشاركة في هذه المناقشات من دون تأخير أو شروط مسبقة،على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي، بهدف التوصّل – قبل انتهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية – إلى حلّ سياسي نهائي ومقبول من الطرفين، يضمن حكماً ذاتياً حقيقياً داخل الدولة المغربية، باعتباره الحلّ الأكثر جدوى، مع ضمان حقّ تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية».
كان المطلب المغربي دوماً أن يعتمد الحكم الذاتي شكلاً من تقرير المصير عوضاً عن الاستفتاء المفضي إلى الانفصال، على قاعدة أنه «الحلّ الوحيد»، ويشكّل نقطة البداية والنهاية للعملية التفاوضية الجديدة، مع ما يستتبع ذلك من تغيير لمهمّة «مينورسو»، من بعثة أممية لوقف إطلاق النار وتنظيم الاستفتاء إلى بعثة أممية من أجل موافقة الحكم الذاتي (مانساسو). تغيير الوظيفة هو الإعلان عن تدبير الملفّ من منطق الأزمة إلى المضي فيه بمنطق الحلّ النهائي.
سيجد مجلس الأمن، الذي سيستحضر المواقف المُعبَّر عنها رسمياً، نفسه أمام تنسيق قوي للثلاثي المساند للحقّ المغربي (بريطانيا أمريكا وفرنسا)، الذي سيدفع باتجاه اعتماد الحكم الذاتي قاعدةً صلبةً للحلّ، كما سيكون مدعوماً بالموقف الصيني،الذي تطوّر بشكل كبير خلال العقد الماضي، وهي جزء من الحاضنة الدولية لحلّ مبني على قرارات مجلس الأمن.
ولعلّ التطوّر اللافت هو الموقف الروسي الذي أحدث رجّة ملحوظةً خلال الأسبوع الذي ودعناه، ويتضح أن موسكو ستصنع الفرق المطلوب لاعتباراتٍ عديدةٍ، منها دورها في شمال إفريقيا ودول الساحل، ولعلاقتها التاريخية بأحد أطراف النزاع، وهي الجزائر التي تحتضن الجبهة الانفصالية (بوليساريو).
وفي هذا السياق، لا يُغفل أن الدبلوماسيتين الروسية والمغربية تعملان من أجل انخراط فعلي لموسكو في التحوّل الجاري، ولا سيّما أنها ظلّت تعتبر أن موقف الامتناع أو الحياد داخل مجلس الأمن موجّه ضدّ واشنطن، حاملة القلم في الملفّ، أكثر منه ضدّ صاحب الأرض.
والحال أن اللقاء أخيراً بين وزيري الخارجية الروسي سيرغيلافروف والمغربي ناصر بوريطة كشف أن المواقف الروسية المُعبَّر عنها بخصوص الوحدة الترابية للمغرب، سواء من الجانب الروسي وحده أو بعد زيارة بوريطة، والسياقات الدولية القارّية المرافقة لها، لا يمكن أن تغفلها عين المتتبّع للملفّ وللرأي العام المغربي، إذ كانت تصريحات لافروف، قبل وصول بوريطة، قد أثارت تعليقات عديدة، يقول فيها إن روسيا لن «تعارض حلّاً متّفقاً عليه، تحت مظلّة الأمم المتحدة والقانون الدولي».
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 25/10/2025