هل يقرأ رئيس الوزراء الإسباني «بيدرو سانشيز» تاريخ بلاده؟

عبد الحميد جماهري

قد يكون مثول الانفصالي إبراهيم غالي أمام المحكمة، (ومحاكمته من بعد لم لا؟) بوابة لخروج إسبانيا وحكومتها، من الضائقة الأخلاقية والسياسية، التي وضعت نفسها فيها، باستقبال رجل حرب وانتهاكات جسيمة مطلوب للعدالة في بلادها. وهي بوابة بدورها صغيرة، محدودة، وقطرها ضئيل ستخلف، ولا شك، ضيقا آخر إضافيا،على بيدرو سانشيز أن يدبره من بعد وهو في وضع متأزم.
والوقت غير مناسب، مع الهزيمة التي مني بها في مدريد لكي ينحاز إلى التفكير الهادئ والعقلاني، إذ عليه تدبير انتكاسة حقيقية، تضاف إلى انتكاسة ديبلوماسية مع المغرب بسبب هذا الاستقبال الحامل لرسائل عديدة، تفجرت في ما يبدو بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه..
لقد تغيرت إسبانيا كثيرا بعد الاعتراف، في وقت كان خط سلوكها مستقيما، وتقديراتها، للتموقعات الإقليمية والأورومتوسطية، تقديرا إيجابيا يعطي المغرب حقه.
وكنا تابعنا نضج وتطور الموقف الإسباني في التعامل مع الجار الجنوبي- نحن – في قضاياه الحيوية.
وسجلنا في حينه مواقف جديرة بالتسجيل، في لحظات كان سياقها سياق توتر وتأزيم..
هذا النضج هو الذي دفعنا إلى أن نقترح على أشقائنا الجزائريين أن يحذوا حذوها وينضجوا موقفهم …مثلها.
فإسبانيا هي التي دعت، قبل الاعتراف الأمريكي بأيام قليلة، مواطنيها بعدم السفر إلى تندوف، هذه الإسبانيا« هي التي استقبلت قائد بوليس تندوف وزعيم دولة الاحتجاز والمخاوف إلى بلادها ووضعته بين أيادي أطبائها.. ودخلت التاريخ الساخر للمهزلة باستقبال رئيس “دولة” بلَقبٍ مجهول واسم مستعار!
كنا »نتفهم« إسبانيا الفاشية، التي تحالفت مع أشقائنا الثوريين في جزائر السبعينيات، أولئك الذين وضعوا لينين في خدمة فرانكو!
إسبانيا، التي كانت دولة الاحتلال في الجنوب، كما في الشمال، عندما بدأت قضية الصحراء المغربية تعرض على المجتمع الدولي، وقفت غاضبة مزمجرة، تهدد المغرب! ولما أصدرت محكمة العدل الدولية في أكتوبر 1975 قرارها الذي يقر بوجود علاقات بيعة (سيادة بالمصطلح الحديث) بين المنطقة والملكية المغربية، سعت إسبانيا الفرانكوية وقتها إلى تأويل معاكس للمغرب، بل هددت المغرب الذي أعلن عن تنظيم المسيرة الخضراء، بأنها قد تلجأ إلى الرد العسكري..
مندوبها الدائم وقتها في الأمم المتحدة، سخر في البداية من المسيرة وسماها »العبث«، ثم انتقل إلى تهديد المغرب إن هو أقدم عليها..
كانت إسبانيا تقول بأن المسيرة تهديد للشعب الصحراوي، وتكلمت عن هذا الشعب، باعتباره من رعاياها الذين تولت قضيتهم!
ثم تولت الجزائر بعض المواقف الإسبانية في العهد القديم..وكما قال ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس في مذكراته:مواقف الجزائر سرعان ما أصبحت مواقف البوليزاريو..ايييه …وليس العكس، وتحولت إسبانيا جذريا عن الملف وفي الملف وبخصوص الملف..
أصبحت إسبانيا تدعو أبناءها ألا يسافروا إلى تندوف »عاصمة« دولة الوهم!
إسبانيا التي أصبحت تعرف ثمن الانفصال، لم تتردد في الضرب بيد من حديد في صفوف الداعين إليه، سواء بالحق والقانون أو بالقوة..
وقبيل الاعتراف الأمريكي، اختارت وزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسبانية، أرانشا غونزاليز لايا، المغرب في أول محطة ضمن زياراتها للخارج بعد تعيينها في منصب رئيسة دبلوماسية بلدها، وكانت أول رسالة، لأول زيارة، بعد مصادقة البرلمان المغربي على قانوني بسط الولاية، هي أن إسبانيا الحاكمة ليس لها أي رهان قوة مع المغرب.
وذكرت بأن موقف إسبانيا بشأن قضية الصحراء هو »موقف دولة، وليس رهينا بتغير الحكومات أو التحالفات»، ومعنى ذلك، فإن الذين راهنوا على أن يجعلوا من تحالف الاشتراكي العمالي مع بوديموس المناصر لأعداء وحدتنا، نقطة قوة ضدنا، عليهم أن يعودوا إلى التفكير من داخل منطق الدولة الإسبانية، الحامية لمصالحها مع المغرب، كما أن الذين يراهنون على جعل المواقف تتغير مع تغير الحكومات أن يقرأوا السجل من صفحاته الواقعية…
الوزيرة نفسها ذكرت بموقف واضح لرئيس حكومتها من القضية الوطنية، وجددت التأكيد على الموقف الذي عبر عنه رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث لم يتطرق لمسألة تقرير المصير.
مالذي وقع لكي يحصل كل هذا اللغط والتردد والالتباس والنرفزة؟
الجزائر؟
على بيدرو سانشيز أن يعيد قراءة تاريخ بلاده مع الحركة الانفصالية، “ايتا”. عليه أن يعيد قراءة ما كتبته الصحيفة القريبة من حزبه، «الباييس»، حول الموضوع في ثمانينيات القرن الماضي، ثم إلى حدود 2004 من قرن الناس هذا!
وسنسعفه بالأرشيف الخاص ببلاده الإعلامي، (انظر الصفحة 3) والذي تؤكد فيه الصحيفة إياها أن منظمة “إيتا” تلقت تدريبات على حرب العصابات في الجزائر من عام 1976..وكان عمرة وقتها أربع سنوات فقط، إلى عام 1980….وكان قد بلغ من العمر ثمان سنوات …
وهي الفترة التي كانت فيها فلول الانفصال تتسلح من الجزائر وتخوض الحرب ضد بلادنا انطلاقا من ترابها!
رفيقنا سانشيز، يحسن به أن يفك الارتباط بتاريخ بلاده الفاشي، وألا يشعر أنه مسؤول عن استمرار ماضيها الاستعماري وعقدها المغربية!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 06/05/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *