هل يموت العروي حقا؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

هل يموت عبد لله العروي حقا؟
هكذا همست لنفسي بالسؤال وأنا أقرأ وأتابع التراشق حول الخبر المفتعل المتعلق برحيله، بسرعة من كان ينتظر خبرا ذا وقع، وتحقيقا لسبق ما يكسر رتابة ما يطفو على سطح البلاد.
هل يموت عبد لله العروي حقا؟
هكذا همست لنفسي بالجواب، الفوري:
إذا كانت الدولة ترحل
فالعروي أيضا راحل
وإذا كانت الحرية تموت
فالعروي سيموت أيضا
وإذا كان التاريخ
والعقل..والإيديولوجيا ..يحتملون النعي، فالعروي أيضا سيتوارى بعد غيابهم…
فكل المفاهيم التي نحتها عبد لله العروي، بواسطة إزميل الفكر ومطرقة السؤال، ستظل مقرونة به في عقلنا الجماعي..
بطبيعة الحال البشري، فإن العروي الإنسان يموت.
بدليل الديالكتيك الأرسطي القديم، الذي جعله شمعةَ وعيِه:
كل إنسان فانٍ
العروي إنسان
إذن العروي فان!
تماما كسقراط
وكهيجل
وكاسيرير
وماركس
وابن خلدون..
لكن العروي الذي عبر له آلاف المغاربة عن حب كبير وواسع، وعن محبات، لا تقدر بكم ولا بكيف.. العروي الذي مرَّن العقل الجماعي المغربي على جدلية حاشدة، جرَّت في طياتها عقل الدولة، في عهد الراحل الحسن الثاني وعهد رجالاته ، وجرت، كما نهر حُطَّ من عل، عقل المثقفين وعقل المناضلين.
هذا العروي يستعصي على الرتابة التي تميل إليها الصحافة في توزيع الموت على المشاهير بضربات النرد!
كان من الممكن أن نميل،عن صواب، إلى تحكيم سُلَّم قيم المهنية، وأدب الأخلاقيات، في تدقيق الخبر قبل نشره والتحري، وكل مسلمات المهنة،
كان من الممكن حتى أن نتفكه بخبر لا تفكه فيه، ونقول: ما دمتم تتسرعون في خبر وفاته، فإليكم رثاء قبل الأوان..!
غير أن المناسبة، ربما صالحة لكي نذكر بهذا الهرم العالي في تاريخ العقل المغربي والفكر المغربي والبحث المغربي، وفي السياسة المغربية أيضا..
فكل الأسئلة التي طرحها العروي ما زالت قائمة، إما كَعَتبات للبحث عن أسئلة المجتمع، أو كأسئلة تجدها النخبة أمامها في كل منعطف.
لنأخذ مثلا منطق الدولة:
ما زال كل تشكيل سياسي، منذ اليسار الوطني، ثم اليسار الراديكالي ثم غيره، يواجه الاستعصاء نفسه، هل يفكر من داخل منطق الدولة أو ضدها أو بالتأرجح بين الموقعين؟
إنه الإبدال نفسه الذي تواجهه نخبة مغايرة، بلباسها الديني والمستجد، والتي تحاور وتفاوض الدولة الحديثة من زاوية مختلفة، لكنها تجد نفسها أمام سؤال الدولة، وسؤال تاريخانيتها، كما فهمها العروي وأقنع بها الكثيرين…
وما زال الكبير عبد لله العروي يخلق الحدث الحي في العقل الجماعي المغربي، حتى وهو يصرح في آخر درس افتتاحي له، بجامعة الدار البيضاء،بأنه لم يعد له ما يصرح به، وكل شيء موجود في كتبه لمن أراد بحثا ودراسة وتفكرا في شؤون المغرب…
في الواقع، ما زال كتابه عن المغرب والحسن الثاني، يثير شهية القراءة والعودة الندية إلى ما فيه من أبعاد وأسلوب في التقييم السياسي.
ولقد انتبه الإعلامي خليل الهاشمي الإدريسي، أيام كان مسؤولا في يومية «اوجوردوي لوماروك»، في عمود له وقتها، إلى أن الكتاب يتجاوز «المغرب والحسن الثاني» إلى «الحسن الثاني والعروي«، ولعل العبارات القوية التي وردت في قراءته للكتاب، هو توصيفه للعملية التدوينية برمتها في الكتاب، ما كتبه عن «الأستاذ الذي يصحح ورقة امتحان التاريخ لتلميذه النجيب، ولكن تعتور تحليله ثغرات واضحة».
العروي الذي وضع الإصبع على عناوين الفشل المغربي، بدقة، لا سيما الفشل في التحديث في مواجهة إحياء التقليدانية في المغرب المستقل، أو عند فشل التناوب الستيني مع اليسار… العروي وهو يراقب المغرب الذي ورثناه كجيل العهد الجديد، من مجاورته للمهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد ومجاورته للحسن الثاني أساسا ورضا اكديره، هذا العروي، نحتاجه في كل لحظة لفهم المغرب الآن، والمغرب غدا..
ويعود بقوة في الوقت الراهن، لأنه فهم بأن الذي يريد أن يفهم المغرب ووضعه عليه أن يضع الخارطة بين يديه ويتأمل شرقنا وجنوبنا وغربنا وشمالنا.. لكي تتحدد «فيزيونوميا» الدولة وما تتطلبه من منطق متجدد.. ..
إن جواره الطويل مع المؤرخين هيجل ورفاقه والمنظرين، ماركسيين وغيرهم ورجال سياسة والأدب.. جعل منه مفكر الدولة الكبير، بكل تاريخانيتها المتعددة، فكريا وجدليا وعمليا.
ورفقته للتاريخ تجعله حيا ما دام الحي تاريخي والتاريخي حي…
ولعل السؤال هو من يخلف العروي اليوم في عقلنا المغربي أو العربي/ الإسلامي؟
نسأل ونحن نسمع أزيز السلاح، والتفجيرات، نسأل ونحن نسمع الأصوات التكفيرية وشيوخ التهويل، نسأل ونحن نطلب للعقل المغربي عمرا مديدا في شخص العروي…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 23/03/2021