هوامش على بلاغ النكسة الجزائرية في … مراكش!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

 

كان من الممكن اعتبار أن البلاغَ الصادرَ عن وزارة الخارجية الجزائرية عقب اجتماع التحالف الدولي ضد داعش، تنويعٌ بسيط على عقدة مُحكمَة، أو تَوشِيةٌ سياسية إضافية على العبث الأخرق الذي أصبح يتراءى للعالم كله في سياسة الجوار المقرفة.
لكن شيئا ما في المجهود اللغوي الذي بذله سادة الصياغة الرسمية للعدوان الدائم، تجعل منه مادة دسمة للتفكير السياسي الآسف في الموقف الجزائري..
أولا: يَعتبر البلاغ أن المؤتمر حولته الرباط إلى «منصة للمساومة»، بشأن الموقف من الوحدة الترابية.
ولا يحدد الميزان السياسي في تحديد الكَيْل عند الجيران ، ما الذي «ساومت» به الرباط، إن كان لديهم ما يثبت هذه المساومة؟
ولماذا تقتنع 80 دولة بالانحياز إلى المغرب، في قضيته الوطنية، إذا لم يكن في حُجَّته ما يقنعها؟
وأي دولة جأرت بالشكوى للجزائريين، بوقوعها في المساومة، إذا كانت حريصة على العِصْمة الأخلاقية للدول المشاركة، في مجهود دولي لمحاربة الإرهاب وضمان السلام العالمي، يقتضي أول ما يقتضيها الشجاعة والنزاهة الفكريين؟
وهما سؤالان وغيرهما كثير، لكن الدولة الجزائرية أهانت، عن عمد وسبق إصرار، كل الدول المشاركة باتهامها بأنها خضعت للمساومة، وهي تنوي أن تشتم المغرب في ذلك…!
ثانيا: المؤتمر في البيان الجزائري «أثار ضجة، بسبب بيانات من إنتاج البلد المضيف»، وعليه فإن الجزائر تريد أن تقول إن الدول ، كل الدول، كانت قاصرة في الدفاع عن نفسها بالرفض والاحتجاج والخروج من المؤتمر بل ومغادرته حتى لما تبين لها ما تبين لوزارة «رمطان لعمامرة » من وجود بيانات ينتجها ناصر بوريطة وبلاده ويفرضانها عليها!!!!!
نحن لا نفهم هذا الامتثال الدولي ، اللهم إلا إذا كانت الدول الحاضرة رهينة تتصرف كما يتصرف الرهائن في فيديوهات داعش (لماذا لا) عندما يقرأون بيانات حررها محتجزوهم!
ولعله الذكاء المستجد لدى وزارة لعمامرة الذي حوَّل من يحاربون «داعش»… إلى رهائن يشبهون رهائنها!!!!
ثالثا: اعتبر البلاغ أن «الحكم الذاتي صيغة ميتة»، وأنه «شبح زائف »، والسؤال الذي لايخلو من سخرية: هل الرسميون الجزائريون «ميتون بالخوف» إلى هذه الدرجة التي تخيفهم فيها صيغة ميتة؟ هل هم من الهشاشة النفسية والسياسية والديبلوماسية بأن يصل بهم الزبى والسيل إلى أن يحاربوا بما أوتوا من بيانات وقوة لغوية لاإخلاقية…. شبحا زائفا؟
نترك للعمامرة التفكير في صيغة لغته التي سيواصل بها حماقاته.
رابعا: يقول البلاغ أن ما سبق من «حيل معهودة» كشف «تضليل عدد من المشاركين» و«سلط الضوء على تناقضات البعض منهم»..
طيب نحن أمام الملاحظات التالية:
= هي حيل معهودة، كما في برنامج ترفيهي عشية يوم سيرك، والدول المشاركة لم تفطن إلى أن الحيل المعهودة تنال منها وتنطلي عليها، لولا أن حبانا لله بدولة الجوار الشقي التي كشفت اللعبة! إذن كيف يتسنى للمغرب أن يمرر نفس الحيل المعهودة في مؤتمر… غير معهود، وهو الأول في أرض إفريقية، وهو الأول بالقرب من المناطق الملتهبة في دول الساحل وإفريقيا جنوب الصحراء؟
‫=‬ الجزائر كررت إهانتها للمشاركين من الدول، فبعد أن وصفتها بالكيانات القابلة للتضليل، انتقلت إلى اتهام البعض من الأعضاء المشاركين بالتناقض.. وهي في ذلك لا تعفي أي دولة من قاموسها التحقيري البائد الذي يكشف انحطاط ديبلوماسيتها وتعاليها…. على قاعدة الفراغ والضحالة المؤسسين… لِمَن تُسمي نفسها القوة الضاربة!
= وعليه فالخلاصة المنطقية هي أن الدول المشاركة، إما أنها قبلت اللعبة المعهودة، وإما أنها دول ساذجة بل قل صبيانية يسهُل تضليلها، أو أنها في وضعية الرهينة التي تعاني من «متلازمة ستكهولم» التي تجعل الرهينة تقع في حب المحتجِز الخاطِف، أو أنها دول متناقضة، وبلغة الفقهاء منافقة وغير ثابتة على موقف أو أنها بكل بساطة دول لا تفقه في القانون الدولي وفي محاربة الإرهاب.. وهي أوصاف تحيل دولة الجوار الشقي على جدول أعمال الموتمرات الدولية للاضطرابات النفسية، أكثر من اجتماعات التعامل الدولي التي تتطلب الرزانة والصالح العام والعروض الجيوستراتيجية المقنعة.
ومن المفيد زن نشير، أن البلاغ لم يكشف عن نيته المجروحة سوى في نهايته، عندما احتفلت الجزائر بنفسها في محاربة الإرهاب!
وهي من مدحت نفسها وكان لسان حالها كمن يقول «أضاعوني في مراكش وأي دولة أضاعوا»، عندما لم يتمالك كاتب البلاغ نفسه وكال المديح لذاته بالقول  «إن الجزائر .. دفعت ثمنا باهظا في حربها ضد الإرهاب وتمكنت من الانتصار عليه!»..
وهو بيت من بيوت القصيد التي لا يمكن أن تغفلها عين المتابع بالأحرى الديبلوماسي المتمرس، كما هو حال الذين حضروا إلى مراكش من ممثلي الدول.
فالجزائر التي «عرضت» نفسها دوما كطرف في محور لا بديل عنه ضد الإرهاب، كانت قدمت نفسها بالفعل أنها الدولة التي عانت منه ودفعت ثمنا باهظا لمحاربته، لكن الذي وقع من بعد أن دول العالم ورثت عن عشرية الحرب القذرة تلك، آلاف القتلى والضحايا لا يُعرف من قتلهم بالتحديد، أهي العصابات الجهادية أم المليشيات الشبه النظامية التي رفعت شعار «تغيير معكسر الخوف»؟
الجزائر فشلت في أن تقدم عرضا مغريا للدولة الحاملة لمشروع محاربة الإرهاب، الولايات المتحدثة بعد 11 شتنبر 2001 في توثيق التعاون الأمني والسياسي والديبلوماسي والعسكري في محاربة الإرهاب، وتحويل المعركة إلى معركة دولية..
وماكان للعالم ألا ينصت بقوة إلى العرض المغربي في محاربة الإرهاب بعد كل ما قدمه من أدلة في معركته هو أولا ضد الوحش المتطرف، وما قدمه من مستويات متقدمة في التعاون الثنائي والجماعي، الإقليمي والقاري والدولي، أشادت به تقارير المنظمات المعنية، وشمل التصحيح الديني، والخبرة الامنية والمهارة الاستخباراتية والبعد التنموي وبدون التضحية بالاصلاح الديموقراطي…
ما يريد الرسميون في الجزائر ألا ينتبه إليه الرأي العام الداخلي، هو بالضبط ما انتبه إليه الرأي العام الدولي، أي أن المغرب»مانح للأمن والسلام»، وأن معركته ضد الإرهاب هي معركة وجودية، كما هي معركته ضد الانفصال، وما كان المغرب يدافع عنه كزاوية نظر خاصة به، تحول إلى قاعدة لدى الكثيرين، باعتبار أن الانفصال يتغذى من الإرهاب والإرهاب يتغذى من الانفصال.. وهذه الحقيقة تتكرس أكثر في إفريقيا، التي تعاني كل أنواع القتل والتشريد والهجرات والجريمة المنظمة وغير المنظمة وزعزعة الاستقرار …إلخ.
وفي الختام، هل تملك الجزائر الحق أن تعلق على مؤتمر دولي، حتى ولو أرادت، بدون إرادتها أن ترفع المغرب إلى المستوى الفاعل الحاسم والمتحكم في الشاذة والفادة فيه؟
هل يمكنها أن تلوم المغرب لأنه دافع عن نفسه وعن زاوية نظره الدولية وعن أطروحته التي يدعمها بالوثائق والخبرة والتعاون الدولي في أن الانفصال صنو للإرهاب، علما أن الجزائر هي الدولة التي لا تتردد في طرح ملف الانفصال حتى في .. اللقاءات الرياضية وفي مؤتمرات تفسير الأحلام، وأحيانا في مؤتمرات جدية كما هو حال مؤتمر القمة العربية الذي أعلنت أنه سيكون مؤتمرا للقضية الفلسطينية وقضية ..الصحراء؟
إن ما يوجع الجزائر ولاشك، هو حصول القناعة عند المؤتمر (انظر بلاغه الختامي) بحصول ترابط عضوي وبنيوي بين الإرهاب والانفصال في القارة السمراء، وهذه الرؤية هي رؤية المغاربة قاطبة.. ولم يعد المغرب في حاجة إلى دليل لتقديمه للعالم…من شدة ما صار الأمر بدهيا وواضحا..
وإذا أردنا أن نكون أكثر دقة في توصيف الاندحار البسيكوـديبلوماسي للجارة، فإن لها الحق في أن تخاف من أن يتحول رديفها الانفصالي «شبحا»، أو «صيغة ميتة» لـ«حيلة معهودة» اسمها أطروحة تصفية الاستعمار، أو يصبح الشبح ببساطة في قائمة المنظمات الإرهابية، بعد أن أصبح مختبرا لليائسين الباحثين عن وظيفة لدى جنرالات الدمويين ..
لقد استخفت الخارجية الجزائرية ببلدان ذات سيادة، كان ذنبها الوحيد هو مساندة أصحاب الحق في ملف الصحراء المغربية
وإذا شئنا أدلة أكثر، فإن يوم الاجتماع كان أطول يوم في محنة «رمطان لعمامرة»، لأن المغرب حصد فيه دعما كبيرا و علنيا ومسؤولا وموثقا، من العديد من وزراء الشؤون الخارجية…ولهذا الوضع الذي تعيشه خارجية لعمامرة اسمه المعروف: النكسة!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 13/05/2022

التعليقات مغلقة.