…وأخيرا ، حَسُنتْ ليبِرالِيَّتكُم السيد الرئيس!

عبد الحميد جماهري

قد يرى البعض في الخبر حدثا عاديا، من النوع الذي ألفت الوكالات والمواقع الإخبارية والسياسية للأحزاب أن تعلن عنه على طول السنة.
والحال أن هذا العبد الفقير لرحمة ربه يرى أن الأمر يتعلق بخبر غير عاد، وان كان يحدث في سياق وطني عاد: يقول الخبر إن الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية، أي شبيبة حزب رئيس الحكومة، قد استقبلت شبيبة الحزب الشعبي الأوروبي، في إطار الاجتماع السنوي الذي يعقد لأول مرة خارج أوروبا!
وليس من باب الفضول الوطني فقط أن نهتم بهذا الموقع الهوياتي لشبيبة الحزب وللحزب .. لا، إن الخبر من النوع الذي لا يمكن إلا أن يثير الإعجاب.. بالنسبة لمن يريد للشباب المغربي أن يكون له امتداد دولي ومساهمة في الديبلوماسية الموازية، أو يثير الغبطة( أو الحسد حتى ) لمن يريد أن ينافس التجمع وشبيبته. الحمد لله، لهذا العبد الفقير لرحمة ربه شبيبة وحزب طبقت شهرتهما الآفاق الاشتراكية الديموقراطية الدولية، وعليه… فإن العبد الفقير لرحمة ربه رأى فيه ما هو أكبر من الإعجاب والغبطة .. إنه مناسبة للحزب وللشبيبة لطمأنة الرأي العام الوطني والدولي على من هو التجمع الوطني، وما طبيعة هويته الأيديولوجية ونوع انحيازه الفكري إذا شئنا.. وطنيا ودوليا!
وما كانت الهوية السياسية والانتماء الفكري تشغلنا لولا أمرين اثنين: أولهما كون الشبيبة التجمعية هي شبيبة الحزب الذي يرأس الحكومة. وعليه فإن ما يهم التجمع يهمنا من باب المسؤولية الوطنية أولا وأخيرا.
ثانيهما، إصراره، في بعض الأحيان، على إعلان هوية سياسية فكرية تبعث على الحيرة أو اللبس، كما وقع في بعض المناقشات العلنية للسيد رئيس الحكومة ورئيس الحزب..! بل صنف رئيس الحكومة برمتها أنها حكومة ديموقراطية اجتماعية !!( إلى حدود 11 يناير 2025 كانت هذه هي قناعتهَ!!)..
ومن هذه الزاوية، فإن إعلان التجمع لاحتضان عائلته الفكرية الدولية وإشهار هاته الهوية، فيه خير.. والله يشهد: ذلك أننا صرنا متيقنين من أن التجمع هو جزء من» الحزب الشعبي الأوروبي« الذي يعرِّف نفسه باعتباره »عائلة يمين الوسط السياسي«!
وبعد أن كان بعض اللبس قد تسلل إلى نظرتنا إليه واختلطت على المواطن ألوان الطيف السياسي، بعد أن ظل رئيس الحكومة يردد، بأنه حزب ديموقراطي اجتماعي بل اشتراكي ديموقراطي تارات أخرى حتى خلنا أنه عضو في … الأممية الاشتراكية بدون علمها وبدون علمنا!
ومن الصدف المتممة للنوايا أن حزب التجمع كان قد تأسس بدوره في سياق التيار الشعبي الأوروبي، إذا علمنا بأن الحزب الشعبي الأوروبي كهوية أوروبية جماعية تأسس في 1976..»من قبل الأحزاب الديمقراطية المسيحية، تم توسيع عضوية الحزب ليشمل أحزابا محافظة وأحزابا سياسية أخرى تنتمي إلى يمين الوسط. كما في مواقع الأنترنيت وأدبيات الأحزاب المؤسسة.
في بدايته كانت هويته مسيحية ديمقراطية ثم سرعان ما تعددت بانضمام تنظيمات الليبرالية المحافظة، وهو إلى ذلك يضم شخصيات أساسية وله مواقف إيجابية من قضايا المغرب( كان أكبر تجمع سياسي داخل البرلمان الأوروبي صوت ضد القرار الذي أصدره البرلمان الأوروبي ضد بلادنا في المرحلة السابقة للمصالحة المغربية الفرنسية .. وهذه شهادة للتاريخ وللحق) وهو يضم شخصيات دولية مهمة من قبيل رئيسة المفوضية الأوروبية حاليا السيدة أورسولا فون دير لين… علاوة على أن العديد من الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي ينتمون إلى الأحزاب التي شكلت في وقت لاحق حزب الشعب الأوروبي..
وإذا كنا نستحضر كل هاته المعلومات الدولية عن الحزب الشعبي الأوروبي فَلِكيْ نقول بأن الهوية المعلنة للتجمع ليس فيها ما يغيض أو.. ما يعيب!
ولا نفهم لماذا البحث عن هوية أخرى مثلا في صفوف تيارات سياسية مغايرة؟
ليس من العيب أن يجلس رئيس حكومتنا إلى جانب قادة «ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي» الألماني مثلا، أو جنبا إلى جنب مع قادة الجمهوريين في فرنسا أو «الحزب الديمقراطي المسيحي» الفلمنكي في بلجيكا أو «الحزب الشعبي «الإسباني …. أو «الحزب الليبرالي القومي» الروماني وحزب «فاين جيل» الإيرلندي وحزب «الائتلاف الوطني» الفنلندي وحزب «الديمقراطية الجديدة» اليوناني وحزب «»فورزا إيطاليا«« الإيطالي، والذي أسسه سيلفيو برلسكوني في يناير 1994..، وهو نموذج لبعض النخب المغربية القادمة من المال والإعلام.
وزاد من تكريس الهوية المعلنة أن النائبة الأولى لرئيس الحزب الشعبي الأوروبي، ماريا غابرييل، التقت رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، ودافعت عن هوية مشتركة في قضايا الأبيض المتوسط وغيرها. وهو ما يعني تحمل مسؤولية الشراكة الفكرية والسياسية والمؤسساتية بين الحزب الشعبي والتجمع الوطني..!
وسيكون من المفيد أن تكون أحزاب في المغرب ذات علاقات دولية على قاعدة هوية سياسية واضحة..
أحزاب يتجاوز حضورها المجال الوطني.. لكن بهوية واحدة وموحدة، وطنيا ودوليا، ماشي هوية مزدوجة : واحدة حدها بلاكة الربعين« ..وأخرى »تابعة للبوليس..« كما يقول السائقون!
هنيئا السيد الرئيس :لقد حَسُنتْ ليبراليتكم السيد الرئيس!
وهنيئا لنا بالوضوح الأيديولوجي والسياسي لحزب رئيس الحكومة..
والحكومة أيضا!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 03/02/2025