وثبت أن الديمقراطية تستطيع قتل الدناصير
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
تذكرت، وأنا أمر بالقرب من الطرامواي بالدار البيضاء، رئيس تركيا، الطيب أردوغان!
فهو الذي قال ذات يوم إن «الديمقراطية مثلها مثل الطرامواي، لا بد أن ننزل منها عند نقطة الوصول»!
فهل وصل بالفعل إلى «التيرمينوس»، وقرر النزول من قطار الديمقراطية؟:
لا يستقيم السؤال سوى بالعودة إلى ما شعرنا به جميعا في ذلك اليوم الصيفي الصاعد من العصر الطباشوري القديم، عندما سمعنا وقع الخطوات العسكرية، وهي تذكرنا بخطوات الديناصورات …في عودة مهيبة للماضي :لم يعد العسكر، لكن تعود الدكتاتورية بمساعدة صناديق الاقتراع ..
البداية من البداية، أي من لحظة الانقلاب، كما كتب عنها العبد الفقير لرحمة ربه منذ سنة خلت، للذكرى وأيضا لبناء سؤال الحاضر….
اعتبر البعض أن الدرس الأول لتجاوز أردوغان لمحنة الانقلاب عليه، هو تصفية الانقلابيين المغاربة، الذين تم اكتشافهم على ضوء ذلك !!!
وذلك باستعمال الأنصار المغاربة «الأتراك»، ضدهم…
والحق أن هذا ليس طموح الرئيس التركي، ولا برنامجه المعلن، في ما يخص المغاربة، وقد تكون له -ولا شك- مخططات لما بعد الانقلاب مع الأتراك.
تفكير من قبيل تصفية الأعداء المغاربة، لا يوازيه، في نظر المقاربة التاريخية ، سوى التفكير من منطق الدولة الإمبراطورية التي تواجه المنشقين عنها في أقاليم المغرب الأقصى!!!!
الأمر ليس كله نوعا من المكبوت التاريخي الذي لن يسعف أصحابه – المسؤولون منهم هم المقصودون وليس كل من عبر عن رأيه – في الدفاع عن شرعية المؤسسات، بل هو أيضا نوع من تكرار «الرسملة» التي تمت في 2011. ولنتذكر وقتها أن مواقف اردوغان ضد شمعون بيريس في دافوس، ثم انسحابه غضبا على فلسطين وإرساله باخرة المساندة وما وقع لـ»مرمرة» الشهيرة، كانت مناسبة لدعم التيارات التي اقتفت طريقته في السياسة. وكانت الاستفادة واضحة، بما قد يفيد – وبعض الظن إثم- أن هناك من يعتبر أن التكرار، يمكن أن يفيد في نقل العداوة إلى داخل المغرب، ضد مغاربة غير أتراك أردوغانيين !
والحال أن أردوغان له ما سيفعله في تركيا بعد الانقلاب.
فنحن لن نتصور أنه سيطفئ أضواء القصر الجمهوري، ويذهب إلى النوم الديمقراطي السريع! بل سيشرع في تغيير موازين القوة نهائيا لفائدته.
1 – قد تم الإعلان، ، عن اعتقال 8 آلاف شخص، حيث أعلنت وزارة الداخلية انه تم إيقاف أكثر من 8 آلاف مسؤول، وأضافت الوزارة في بيان نقلته وكالة أنباء «الأناضول» التركية أنه تم فصل 8777 شخصا من خدماتهم من بينهم 30 محافظا و52 مفتشا مدنيا و16 مستشارا قانونيا. وتابع البيان أن السلطات ألقت القبض على أكثر من 6 آلاف مشتبه على صلة بمحاولة الانقلاب الفاشلة، التي نفذت مساء يوم الجمعة من بينهم شخصيات عسكرية وقضاة.
وهو ما يعني أن جزءا من العمل قامت به الدولة، في شخص مخابراتها التي بقيت مع الشرعية من قبل الانقلاب، وهو أداء استباقي يلقي بغير قليل من الأضواء على ما ينتظر هؤلاء وينتظر المساندين لهم.
2 – أوضح البيان أن «هؤلاء متهمون بأنهم على صلة بفتح لله غولن الذي يقيم في الولايات المتحدة، والمتهم بالتدبير للانقلاب». وقد تمت مطالبة الولايات المتحدة بتسليمه، وهذا له معنيان: الأول أن الصراع في نهاية المطاف بين فتح لله غولن الإسلامي، وبين أردوغان الإسلامي، وقد استعملت فيه وسائل الدولة وجيشها الذي تم اختراقه بشكل كبير من طرف أنصار فتح لله غولن.. وثانيهما، أن التلميح يعود صريحا بتورط أمريكا في القضية، ويجب امتحانها عن طريق …تسليم المتهم! خاصة وأن مصادر قضائية ذكرت» أن غولن هو المتهم الرئيسي في تحقيقين أطلقتهما النيابة العامة في اسطنبول بشأن علاقته بمحاولة الانقلاب الفاشلة…».
وليس هناك أي ربط بين العلمانيين وبين الانقلاب، كما لا يمكن تجاهل علاقة جزء من إسلاميي غولن والانقلاب!
وحتى الذين أخطأوا في مساندة حركة الانقلاب اللاشرعية بمحاولة تفسيرها كحركة للدفاع عن العلمانية، لم يحصدوا سوى الهباء في النهاية!
لقد شكلا ثنائيا ناجعا في الوصول إلى السلطة، وعرفت العلاقة بينهما صراعا أدى غولن ثمنه من حيث «تجفيف» تركيا من ينابيعه، في الفضاء المدني كله، وربما حان دور الفضاء الرسمي، أي الدولة ومفاصلها…(هل هي الدولة العميقة ممثلة في شخص الحليف اللدود؟)
وفي هذه الخطاطة لا تشذ تركيا عن قاعدة الصراع بين الأطراف القوية في أعالي الدولة أينما كانت.
نحن أمام سيناريو يفيد أن طرفين تتقارب قوتاهما لا يمكن أن يتعايشا تحت سقف واحد، لهذا حاول أحدهما ثقبه بالسيف ورد الآخر بنفس السيف…
3 – من الصعوبة بمكان الحديث عما بعد الانقلاب بدون بند القضية الحقوقية، لا من حيث ضمان المعاملة المطلوبة للانقلابيين (لا سحل في الشارع، ولا إهانة للجيش الذي تحتفظ ذاكرته دوما بالتعامل مع الانقلابيين .. والتاريخ الشاهد لا يغيب) ولا غيره.
والنقاش الدائر اليوم حول عودة الإعدام، فيه انحياز واضح لثقافة تبتعد عن شرعية الديمقراطية المؤسساتية والحقوقية، التي دفعت الرأي العام إلى رفض الانقلاب.
لا يمكن التذرع بالشرعية الإنسانية للدفاع عن أردوغان والتنكر لها في الدفاع عن حق الحياة للانقلابيين. هناك متن ديمقراطي واحد لا بد من الاحتكام إليه، لكي تظل الشرعية التي وقفت في وجه الانقلاب، شرعية واحدة غير منقوصة ولا مجزأة…
انتهى
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 21/07/2017