20 يونيو: لغة الخشب. يحرقها لهيب الأسعار !
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
نتصفح الجريدة البعيدة بدون ألوان، من سطح عمارة زمنية طولها واحد وأربعون سنة.
هنا تقاس البنايات بالساعات والأيام والشهور ..
جزء من تلك الأحداث التي تبدو بعيدة صار في عداد السرديات الوطنية القاسية، وبعضها تلخص في تلك الظهيرة الحارقة التي تسببت فيها قرارات اقتصادية ضاقت بها قدرة التحمل عند الناس..
لا أحد يريد أن تعود أطلال وظلال الزمن الذي دفناه في أوراق المصالحات الكبرى، وعلى مرأى مسمع من العالم ، وكنا نكشف عن جثامين الذي قتلوا ودفنوا سرا على هامش حفلة الرصاص الرهيب..
يصبح 20 يونيو لحظة تأمل هادئة أكثر منها فزاعة بالرغم من الفزع، وقد ترتاح لغة الجنائز وتعطي بلاغتها للغة ترافق القدرة على تحمل وحشية السلطة وقت مواجهتها وتفهم إكراهاتها في الوقت نفسه، عندما يحين وقت التصالح معها..
ما زال الخيال خصبا ومازالت السرديات يانعة، عند الحديث عن تلك المأساة البعيدة، لكن اللغة السياسية المرافقة تفضل الحديث المتفائل وتحية الذين رحلوا وكانوا حطب المرحلة أو كانوا جيادها الأصيلة.. ولا تريد أن تحيي الأحاسيس الحارقة.
مغرب آخر انبنى
لكن الغلاء هو الغلاء
وأحيانا لا تفهم الحكومات أنها يجب أن تتوقف عن الاستثمار في الأزمات:
البارحة في التقويم الهيكلي
وفي التسعينيات في الحرب العراقية
واليوم في الحرب الأوكرانية الروسية.
الدولة كما تريدها الحكومة، لا يليق بها أن تكون »ثرية حرب!» يَحْسُن بها أن تجعل الحرب الحالية سببا تقدح به قدرتها على الإبداع وطمأنة المغاربة…
بل فرصة أن يطمئنوا معها، أكثر مما يطمئنون ضدها..
هو ذا الذي يُطلب من الحكومات في لحظة الغلاء الفاحش الناجم عن الأوضاع الحارقة..
واذا لم تحسن الانصات الى حرقة المغاربة ستتداعى شرعيتها التي تتحدى باسم صناديقها الناس والمعارضين. ويصبح من الواجب اخلاقيا أن تعود الى المغاربة لكي تعرض عليهم الثقة فيها..وتعلن صراحة بأنها لا تملك حظوظا في ايجاد الحلول وأن هناك شيئا آخر غير تبرير التبرير في الحديث إليهم ….!
لا يمكن لأي حكومة أن تعتبر أنها على حق لأن الحرب أشعلت الأسعار، ولا أن تعتبر بأن حجتها الحربية كبيرة وتفحم أشد المعارضين، وعليه فهي في مأمن من غضب المغاربة ..
المغاربة أبانوا من مدة طويلة أن صبرهم طوييييل البال.
وأنه حين ينفد يفسح المجال لغضب لا يقل طولا.. وغضب طويل في الزمن والمكان وتنتشر موجاته على سواحل وجوده كلها..
لا بد من الكلام الهادئ عن وضع مشتعل مع ذلك.
المغاربة يحبون بلادهم، وقد يعطونها أرواحهم كما قد يعطونها صبرهم، وما هو حاصل اليوم هو دليل على الدرجة العالية في نضجهم، بعد أن كانت دولتهم ناضجة جدا في تدبيرها لمحنة وبائهم. ومواجهتها لحدة الوباء وتداعياته.
المغاربة يرون الجميل، جميل دولتهم، ويحبون أن يحافظوا عليه إرثا وطنيا عبر العصور..
هي غريزة الأوطان التي ترضع أبناءها طوال قرون من ثدي الصبر والتحمل والنضج .. وقد ترضعهم أيضا الغضب العاقل، والذي يعبر عن نفسه عندما تقرر الحكومات الصمم العمدي…
الوضع الاجتماعي القاسي للناس، الحكومة بنفسها تعرفه ولا تتنكر له، لكنها تضعه على حساب الوضع القادم من الخارج: الفاتورة تعرف سبب رفعها ولكن تعتبر بأنها غير معنية بها.
الحرب ليست سببا وجيها في الهروب من الحلول للأشكال المستعصية..
ولهذا توجد معارضة ويوجد نواب وتوجد نقابات وتوجد تعبيرات مدنية، تنقل الغضب من أرواح الناس الملسوعة ومن جيوبهم ومن أوضاعهم اليومية إلى المؤسسات..
وليس من النضج أن تكون الأسعار. بهذا الالتهاب وتجد الحكومة ما يكفي من اللغة الباردة للرد..
ولغة الخشب قد تحرقها الحرب، ولهيب الأسعار!
لقد جرب المغاربة لغة الخشب عندما تصل إلى درجة الاحتقار (شهداء كوميرا) ونتائج ذلك، وجربوا فسحة التاريخ الناضج الذي يفتح أمامهم »حالة حضارية جديدة«، مع العهد الجديد.. يريدون أن يتفرغوا لمستقبلهم مع الجميع، كما أنهم يدركون أن وضع بلادهم ومشاريعها المستقبلية..يستوجبان نضجا أكبر منهم ومن حكومتهم ويعرفون أن المساهمة من موقع القرار هي المساهمة التي تجد الحلول وليست التي تجد المبررات الخارجية…. سواء في التمويل المالي للخزينة.. أو المبررات الخارجية في تفسير غضب الناس وتلجيمهم!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 21/06/2022