من أجل إفريقيا صامدة.. مُبادِرة وناطقة!
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
يبدو أن تتابع الظروف الصعبة على الدول المحدودة الدخل لم تترك لها من خيار سوى واحد من اثنين: أن تقترض بعد الأزمة أو تقترض قبلها .. والأزمة كانت وباء انتشر عالميا وتلته حرب تهز الأرض كلها والاقتصاديات كلها.
مع القوة القاهرة لسعر الفائدة والسياق المحيط بها، تشاء حكامة مالية دولية أن تمنع القارة الإفريقية من صوتها، ومبادرتها، وربما جرأتها في تحديد أولوياتها … وهذا ما يعطي لمبادرتين مغربيتين أهميتهما القصوى .
وفي هذا الوقت كان لا بد من إرادة سياسية نابعة من عمق هذا الانتماء لرفع الصوت بالبديل الموحد الذي تطالب به الدول الإفريقية في علاقتها بالممولين الدوليين والبنوك المتحكمة في المالية الدولية، وقد طلع الصوت الصادح بهذه الحقائق مرتين من المغرب، ترجمته الرسالتان الملكيتان:
المرة الأولى عند اجتماع الصناديق السيادية في الرباط، واختتم بماركة مسجلة في المجال، بعيدا عن التسويق الترابي للمملكة تحت مسمى »بلاغ الرباط، ومرة ثانية في لقاء وزراء المالية ومديري البنوك في القارة السمراء.
الحدثان معا، كلاهما تميز برسالة ملكية موضوعها الأساسي هو المالية القارية في مواجهة تحديات الإقلاع الاقتصادي والتماسك الاجتماعي بعد الوباء ثم في غضون الحرب.
لقد انعقد اجتماع التجمع الإفريقي لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية للدول الإفريقية الـ54 الأعضاء في البنك وصندوق النقد الدوليين، «التجمع الإفريقي»، تحت شعار: نحو إفريقيا صامدة، وأنصت الأفارقة إلى رسالة الملك وهي تضع خطوطا حمراء بارزة تحت معضلات الوضع الحالي، وجوهره دعوة واضحة إلى نظام اقتراضي جديد يتجاوز مثالب النظام القائم، المتميز بتزايد خدمة الديون بشكل حاد، كما ورد في الرسالة الملكية.. هذا النظام القائم على المزيد من التعاون الدولي مع القارة وتمكينها من تجاوز هشاشتها، ولا تقف مقومات نظام الاقتراض الجديد على ما تقدم به صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من إجراءات استثنائية إبان كوفيد ومع مطلع الحرب الحالية بل تتطلب الوصول إلى عمق الإشكالية، عبر «إصلاحات هيكلية ترفع من مردودية الأنظمة الجبائية، ومن نجاعة الإنفاق العمومي، وجاذبية الاستثمارات الخارجية، إضافة إلى تطوير آليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص…
وهذا دليل ثان على الوضوح الملكي في باب تعبئة القوة الإفريقية لفرض الحل الممكن، واللقاء بحد ذاته »كان دليلا جديدا على عزم القوى الحية في إفريقيا على أن تتولى بنفسها أمر تقدم القارة وتنميتها».
وأمام إفريقيا مسار صعب، ولكن تلزمه الإرادة المكافحة، والقدرة على أن »تغير نظرة بقية العالم إلى إفريقيا بصفة كلية«، أي لا حل إلا جذريا في العلاقة بين إفريقيا وبقية دول العالم، كما تقترح رسالة الملك إلى اجتماع الصناديق السيادية…
ولا يقف المغرب عند إنتاج الخطاب الراجح والحكيم والفاعل في مقاربة الأوضاع الإفريقية ماليا واستثماريا، وفي تأهيل أعمدة الاقتصاد، بل يقدم المغرب نفسه نموذجا في هذه المقاربات الناجحة لكن أيضا يضرب مثلا على ما يطمح إليه، ضمن «التعاون جنوب-جنوب باعتباره الطريق الأمثل للنهوض بالأوضاع الاقتصادية لبلدان القارة، وكما قال ملك البلاد فإن »للمغرب قناعات ثابتة وإنجازات هامة في هذا السياق، من خلال الالتزام المستمر والمشاريع المهيكلة، على غرار مشروع أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا، الذي يتوقع أن يساهم بشكل جذري في تعزيز الأمن الطاقي لعدد كبير من البلدان الإفريقية».
وقد ذكر هذا المشروع مرتين، في الحديث إلى أصحاب البنوك السيادية، وفي مخاطبة وزراء المالية في التجمع الإفريقي.
الرسائل الملكية لم تغفل الآثار الصعبة التي ترخي بظلالها على الدول والمجتمعات، ومنها المغرب، ونبهت إلى الآثار الاجتماعية الوخيمة التي تنتظر القارة في حالة لم تبادر وتقوم بالإصلاحات الواجبة وأيضا بالقرارات السليمة…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 09/07/2022