22 أكتوبر 1956 – 22 أكتوبر 2023 عندما عرض محمد الخامس ابنه الحسن الثاني رهينة لافتداء قادة الثورة الجزائرية المخطوفين

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
ليس في سجل التضامن العالمي بين الدول والشعوب فعل مماثل لما قام به ملك المغرب محمد الخامس، طيب لله ثراه، مع قادة الثورة الجزائرية الخمسة، الذين اختطفت قوات الاستعمار الفرنسي طائرتهم، في يوم 22 أكتوبر 1956، وهم يتوجهون من المغرب إلى تونس، القصة، كما نحكيها في الصفحة الخامسة من هذا العدد …
ويجب، بدون مبالغة ولا وطنية عرقية، البحث عن نظيره في سيرة الأولياء وفي السجل السماوي للأنبياء، في إحدى أسمى الأفعال الثورية: محمد الخامس، قام بعرض ابنه رهينة لافتداء قادة الثورة الجزائرية، الحدث البارز الذي يستوجب منا الذكرى والتذكر، في المناخ العام الذي يسود اليوم في العالم العربي، يتعلق باختطاف الطائرة المغربية من طرف الطيران العسكري الاستعماري الفرنسي، وإجبارها على الهبوط بالقوة في مطار الجزائر العاصمة وقتها المحتلة، ولم يكن الركاب سوى أحمد بن بلة، أول رئيس ستعرفه الجزائر بعد استقلالها، ومحمد خيدر ومحمد بوضياف، ورابح بيطاط والحسين ايت احمد الذي قدم الشهادة التي عنونا بها المقال.
وقتها لم يكن قد مضى أزيد من سنتين على انطلاق الثورة في القطر الشرقي الشقيق، وكان المغرب حديث العهد بالحرية وملكه بالكاد عاد من المنفى، وكان تحديد الأهداف ووضع الإخراج في تمام الدقة ضد البلدين معا…
وبالرغم من حداثة العهد بالاستقلال فإن ملك المغرب، محمد الخامس، ارتقى في الرد إلى ما لم يسبقه إليه أي ملك شرقا أو غربا…
لم يسجل تاريخيا أن ملكا ما، أخرج بلاده للتو من نير الاستعمار كما تعودنا القول، عرض ولي العهد على الدولة التي كانت تستعمره من أجل تحرير قادة ثورة في بلاد جارة، ما زالت تبحث عن سبل استقلالها…
الذين اختطفتهم قوات الاستعمار، وحررهم محمد الخامس من الاختطاف صار »مستقبلهم» من بعد معروفا…
القادة التاريخيون كلهم أرسلوا إلى الآخرة والسجن الطويل،
وجزء ثالث منهم طوحوا به إلى المنافي البعيدة، والذين تولوا السلطة في ما بعد ثابروا بجد مثير للشبهة من أجل محو ذكراهم من تاريخ بلادهم، كما يفعلون بالتاريخ الأخوي العميق بين الشعبين، وكما يفعلون بكل تضحيات المغرب الجليلة.
والذين ورثوا السلطة في الجزائر باسم الثورة، فقد قادوها ضد المغرب كما قادوها ضد الثورة الحقيقية في الجزائر وتاريخها الذي اشترك مع المغرب، ليس فقط في بناء الذات المغاربية المجاهدة والموحدة بل اشترك المغرب في بنائه ماديا(مصانع الأسلحة واستيرادها، ومعسكرات التدريب والمنازل والتغطية السياسية والاحتضان السياسي والشعبي والرسمي، وكل مقومات المساندة التي تنتظر الثورات والحكومات التحررية نفسها من دول الجوار ولا تنساه أبدا….)
الذي حدث من بعد، انسجام مع المستعمر الإسباني، طوال تاريخ الصراع من أجل استرجاع الصحراء
وأثناء استرجاعها
وبعد استرجاعها…
وعندما تحول المستعمر السابق للصحراء إلى صديق وتخلى عن الإرث الفاشي في المنطقة، غضب الثوار الجدد وعادوا إلى حضن الاستعمار، الذي اختطف طائرة الثورة للعمل معه من جديد ضد المغرب وضد حفيد محمد الخامس، الذي لم يفكر في العرش ولا في البلاد التي كانت لا تزال تحبو وعمرها الاستقلالي أقل من سنتين فوق التراب المحرر.. بل فكر في مستقبل الثورة…
وتلك الثورة التي اختطفها من بعد جيش الحدود كما كان هواري بومدين يسمي ميليشياته، ذلك الجيش الذي «حارب» … من بعد الاستقلال.!..
في المثال الديني الشعبي، لا أحد حمل ابنه ليعرضه على المجهول، وقد يكون على شكل النهاية الحتمية، سوى نبي أو صالح، يمتثل إلى رؤيا ربه.
وبطبيعة الحال هذه الروح هي التي جعلت المغاربة يضعون محمد الخامس في الأعلى في السماء، لما لمسوه فيه من قدسية إنسانية.. وتمادوا مع أحلامهم الرفيعة في شخصه…
لم يكن المصدر الذي كشف عن العرض الملكي من طرف الملك العائد من المنفى مغربي، بل كان هو القيادي ايت احمد ، الذي كان أول ثائر ضد نظام بوخروبة، حيث انشق عن جبهة التحرير الوطني، وأسس جبهة القوى الاشتراكية في شتنبر 1963، وهي التي قادت انتفاضة منطقة القبائل التي استمرت عدة أشهر وسقط خلالها مئات القتلى، وبعد أن أطاح قائد أركان الجيش هواري بومدين بنظام بن بلة، تم اعتقاله عام 1966 وصدر بحقه حكم بالإعدام قبل أن ينجح في الفرار والاستقرار في مدينة لوزان السويسرية…
ولطالما زار المغرب والتقي بساسته، اعترافا وامتنانا بما قدمه له المغرب العظيم…
عشت بلادي، ولكم أشعر بالاعتزاز في أجواء هذا المناخ الذي يتطلب أرقى أشكال التضامن ونكران الذات والعمل الميداني، وكم أنا شاعر بالافتخار بالعمل الذي يجعل ملكا يضحي بولي العهد !
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 21/10/2023