3 زوايا لقراءة المنتدى العربي الروسي بمراكش..

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

كان أول رجل دولة يتحدث عن صفقة القرن.قبل دونالد ترامب بخصوص الشرق الأوسط هو .. المرحوم الحسن الثاني! وكان ذلك، على ما تحتفظ به ذاكرة العبد الفقير لرحمة ربه، بخصوص اتفاق لبيع الفوسفاط للاتحاد السوفياتي وقتها، في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، جوابا على موقف أمريكي سلبي من طلبات المغرب لتسليح نفسه أمام هجمات الجارة الشرقية وفلول الانفصال في عز الحرب الشرسة على بلادنا..
ولعل التاريخ الماضي جعل للمغرب مكانة خاصة لدى الروس، كما أن الحاضر ينصف البلدين باعتبار قائديهما جلالة الملك والرئيس الروسي من المتشبثين بالسيادة الوطنية وعودتها في تحديد القرار الوطني، والاتكاء العقلاني على التاريخ المشرف والعميق للدولة في كل بلد على حدة. من أجل وضع بوصلة علاقاتهما عربيا وقاريا وثنائيا..
وعليه فإن قراءة انعقاد المنتدى الروسي العربي الحالي بمراكش لا تكتمل إلا إذا نحن عالجناها من ثلاث زوايا إجبارية :
أولها، الزاوية العربية الروسية بطبيعة الحال، وما يتأسس عليها من رسائل ومواقف في لحظة يتوافق الجميع على اعتبارها لحظة مفصلية وظرفية استثنائية، ليس أقل عناصرها الحرب الروسية الأوكرانية، مع تباين المواقف العربية منها، ولعل وجود القمة في ظرفية دولية خاصة، بموافقة معلنة من روسيا يعني أن الموقف المغربي المتوازن من الحرب في غرب أوروبا كان حكيما واستطاع أن يحافظ على علاقاته مع الأطراف بالرغم من حالة التناحر الحربي الموجودة …
إضافة إلى الحرب على غزة والتموقعات الدولية بهذا الخصوص، وما يعرفه مجلس الأمن والأمم المتحدة من تقاطعات ينتظر أن تفرز إعادة النظر في منظومة القرار الدولي، كما تريد ذلك المجموعة العربية.
بالنسبة لزاوية المعالجة العربية، يكون اختيار المغرب قائما على تقديرين أساسيين :
أولهما، كونه البلد الذي يحظى، في الوسط العربي، بمكانة خاصة ومتميزة في مجمل مقارباته: فهو يملك علاقة قوية مع المجموعة الخليجية، باعتبارها من الدوائر المؤثرة في القرار العربي، وقد نجح في بناء علاقات استثنائية تجعل مصير المغرب ومصير الخليج مرتبطا، وهو في الوقت ذاته يرأس الدورة 160 لمجلس الجامعة العربية على مستوى الوزراء، إضافة إلى أن قضاياه المركزية التي يبني عليها شراكاته(مُسلَّمة النظارات) تحظى بإجماع عربي.
إلى ذلك لم يكن عفويا أن يقوم المندوبون الدائمون لدى الجامعة العربية، من خلال اجتماع تنسيقي للمنتدى بالقاهرة، ترأسه المغرب في 5 دجنبر الجاري، بما يشبه التفويض في تدبير القمة، عبر تثمين جهود المملكة ووضع سقف انتصاراتهم منها، وذلك بالتعبير « عن تطلعهم لأن يشكل اجتماع مراكش فرصة لدفع التعاون العربي- الروسي المشترك إلى آفاق أكثر رحابة»…
وهذا المنتدى، المنتظر حضور الرجل القوي في نظام فلاديمير بوتين، وزير خارجيته سيرغي لافروف، فيه هو في حد ذاته تصنيف ضمني للمغرب باعتباره «دولة لها هيبتها ووزنها وبطبيعة الحال، موقفها على الساحة الدولية»، سواء تعلق بالبريكس وقتها أو بالعلاقات المتعددة الأطراف في الراهن !
ومن هذه الزاوية، ينتظر ترصيد ما تم ووضع أفق جديد للمرحلة الحالية من الشراكة العربية الروسية، باعتبار أن المنتدى الذي تم إطلاقه عام 2013، استنادا إلى مذكرة التعاون الموقعة بين وزير خارجية روسيا وأمين عام جامعة الدول العربية عام 2009، حقق نتائج إيجابية ومثمرة خلال دوراته، لعل أهمها الحفاظ على انعقاده بالرغم من متغيرات الساحة الدولية.
على مستوى أكثر دقة أمام القمة قضايا الأسواق المشتركة والعلاقات المبنية على مواجهة تحديات الطاقة والتغذية والتطور التكنولوجي، وبطبيعة الحال الموقع الدولي وادوار روسيا في المنطقة العربية.
في المستوى القاري، تتداخل الدائرة العربية مع الدائرة الإفريقية، وعليه لا يمكن أن نقرأ القمة بدون الزاوية الروسية الإفريقية باعتبار أن المغرب هو حلقة تلاقي بين الإقليم العربي والقارة الإفريقية، على مستويات عدة، فمكانته كفاعل عربي لا تقل أهمية عن مكانته كمخاطب إفريقي ولاعب مؤثر للغاية في مجالات الحياة الإفريقية، وهو من أهم الدول التي تقدر مواقع روسيا في القارة وتعرف مجال نفوذها وتحركاتها، والأهم أن الروس يأتون إلى المغرب وسيجدون على طاولة المنتدى استراتيجية متكاملة الأطراف عند المغرب تهم القارة ومساهمة العرب فيها (اتفاق الممرات أهم حدث في هذا الأفق )، وقد عرض ملك البلاد مشروعا متكاملا للقارة، وليس بعيدا الغرب أطلسي!
ووجود المغرب كمُخاطَب عتبة ضرورية، لعل ما أبرزها، منذ أيام قليلة، هو حضوره الفاعل، الهادئ والمتعقل، في القمة الروسية الإفريقية، ويكفي للبرهنة على هذا الحضور، أن روسيا لم تلتفت إلى رد فعل الجزائر عندما غيبت موسكو صنيعتها، وعلى مستوى أعمق كان ذلك متناغما مع المعركة التي خاضها المغرب لمنع حضور الانفصاليين ضمن لائحة الدول الإفريقية في العلاقات الثنائية مع الدول الفاعلة ـ وهو الاتفاق الثنائي، الذي كانت جنوب إفريقية والجزائر تدفعان على أن يُمثَّل الجميع في القمم التي تنعقد في القارة تحت يافطة الاتحاد الإفريقي، بدعوى عضوية جمهورية الوهم فيه..
حضور المغرب له وزنه الجيوستراتيجي من حيث بناء الكثير من الشراكات الاقتصادية والأمنية، كما أنه ممر إجباري في قطاعات بعينها ومنها الأبناك والطاقات المتجددة والمشاريع المهيكلة كالأنبوب النيجيري المغربي…علاوة على حضوره في تغذية إفريقيا من خلال مشاريع الأسمدة والزراعة واستثمارات الفوسفاط والعمل على إطعام إفريقيا وتحويلها إلى مصدر غذائي للعالم، وهي نقطة تلاقي مع روسيا بذاتها في جوانب عدة. ..

وروسيا تدرك بأن وجودها الإفريقي لن يقف عند الحضور العسكري وشبه العسكري، بل أن ترفع العلائق المغربية القارية إلى مستوى الاستجابة مع تطلعاتها الأطلسية، في غياب شريك قادر على إقناع القارة… مثل المغرب.. وأن وجودها الحتمي في صناعة خارطة التحالفات الدولية من داخل إفريقيا يقتضي وجود علاقة سلسة مع قوى أثبتت فعاليتها القارية، وهي الرباط.
الدائرة التي لا تقل أهمية، تتعلق بالعلاقات الثنائية، التي سمحت بهذه العلاقة المتداخلة الأبعاد.
يمكن اعتبار الزيارة التي قام بها جلالة الملك محمد السادس إلى موسكو في 2016، ضمن تصور جيوستراتيجي معلن عنه ينبني على تعددية الشراكات الاستراتيجية وعدم الارتهان إلى قوة دولية واحدة ووحيدة، كانت مناسبة لوضع الأسس العملية لما سماه قائدا البلدين « شراكة متقدمة « شملت كل مناطق النشاط الاقتصادي والتجاري والعلمي والسياحي والطاقي، وفي قلبه تطوير البرنامج النووي، والذي كان موضع شراكة مع موسكو على هامش القمة الإفريقية الروسية في يوليوز الماضي بسانت بيترسبورغ…. إلخ.
تجاريا دوما سبق للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن قالت إن العلاقات بين روسيا والمغرب “متميزة»، بحيث يوجد المغرب في المرتبة الثانية من حيث الصادرات والثالثة من حيث الواردات، علما أن التبادلات التجارية زادت بأكثر من 25 بالمئة منذ عام 2021.
على المستوى السياسي الدولي، هناك قاعدة الموقف من مغربية الصحراء، التي وضعها ملك البلاد كقاعدة في العلاقات الدولية، وموسكو تحترمها بالقدر الذي لا تعرقل الاتفاقات الدولية الواسعة من داخل مجلس الأمن حول قرارات الصحراء وتكتفي بالامتناع، ولم تفعِّل «الفيتو» أبدا ضد المغرب( ولعل المرة الوحيدة كانت عندما فعلته ضد توسيع صلاحيات المينورسو لما اقترحتها واشنطن أيام كوندوليزا رايس وسميتها ممثلة بلادها في مجلس الأمن ) ، وظل المغرب يفسر امتناع روسيا أنه عدم موافقة على مقترح أمريكا أكثر منه موجها ضده.. ويسعى المغرب إلى العمل على كسب التأييد الروسي لمقترح الحكم الذاتي مكتفيا بالحياد مع تطوير المناخ الثنائي بما يسمح بموقف أكثر تقدما.
العنصر الثاني، وله أهمية قصوى، هو ما عبرت عنه مواقف موسكو والرباط بمناسبة ذكرى تأسيس العلاقة بين البلدين من حيث «الطموح المشترك في تنسيق فعال في مجال السياسة الخارجية، بما يخدم الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي»، وهو موقف غير مسبوق في الواقع في أدبيات العلاقة بني البلدين ويشكل رسالة مزدوجة حول استقلالية قرار كل بلد عن حلفائه.
ولكن روسيا، لها نصيبها من مشاريع المسيرة الزرقاء الأطلسية باعتبار أن أحد مجالات الشراكة يشمل الصيد البحري وتحلية المياه والطاقات المتجددة، وهي مجالات لروسيا فيها تجربة عميقة.
الخلاصة أن المنتدى يكشف عن منحنى تصاعدي، في العلاقات المغربية الروسية، سواء ضمن شبكة علاقات عربية أو ضمن توجه قاري أو حسب المشترك الثنائي، في الاقتصاد كما في السياسة.. والقاعدة السيادية المعتمدة في بناء الشراكات تعطي كل الحظوظ لتطويرها والمزيد بها نحو آفاق أوسع، من العلاقات رابح ورابح التجارية إلى بناء شراكة جيوستراتيجية قوامها الأمن والاستقرار على مستوى شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وعلى مستوى العالم وضمنه إفريقيا!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 20/12/2023