44 % من التلاميذ تعرضوا للتحرش، يا للفظاعة الوطنية!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
الثعبان النائم في محفظة الدراسة
الرقم مهول
والصمت حوله أكثر هولا..
الرقم المقصود هنا هو رقم التلاميذ الذين تعرضوا للتحرش..
لاشك أن الأرقام كلها فظيعة:
النسبة الهزيلة لفهم النصوص
كما النسبة الضعيفة في التحصيل الرياضي؛
كما النسبة العالية في التكرار
إلخ إلخ إلخ..
لكن رقم التحرش فظيع ورهيب ويتجاوز غيره…
تقول نتائج دراسة جديدة عبارة عن تقرير وطني للبرنامج الدولي «PISA 2018»، الذي أعده المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بتعاون مع الوكالة الأمريكية لتحدي الألفية، إن 44٪ من التلاميذ المغاربة صرحوا أنهم كانوا ضحايا تحرش جسدي أو لفظي أو علائقي، مرة واحدة في الشهر على الأقل.
هذه دراسة حديثة شارك فيها 7 آلاف و218 تلميذة وتلميذا، يبلغون 15 سنة، وموزعين على 180 مؤسسة تعليمية.
وعليه فإن نتيجتها، من وجهة نظر النجاعة والصدقية، ذات أهمية بالغة، كما أن العينات التي شملتها الدراسة تعطي فكرة واسعة وجلية عن الانتشار والتنوع المطلوبين في مثل هذه الدراسات، توخيا للمصداقية.
ومصداقية الرقم المقدَّم رهيبةُ ومفزعة وقاتلة حتى..
فنحن شعب يمكن أن نقيم الدنيا ولا نقعدها بسبب صورة موحية على سيلوفان التعبئة في حلوى «ميريندينا»، أو بسبب جملة «ماركوتينغ» طافحة بمشاعر المودة، بين صورتين متباعدتين؛
ننفخ في روح البنت وفي روح الولد على شعار الحلوى، ولا نهتم لماهوأفظع!
ولا نعتبر بأن 44 ٪ من التلاميذ تعرضوا للتحرش، موضوع يجب أن يطرح على كل الموائد و»البلاطوهات» والجرائد والمنصات الإلكترونية والندوات والبرامج التلفزية، وفي كل لجن الطفولة والتربية وعلى كل المنابر والإذاعات..
إنه نصف عدد التلاميذ يا أيها الناس ..
يتعرضون كل شهر ….مرة للتحرش بهم
بطفولتهم وطفولتهن
بأجسادهن وبأجسادهم
بأرواحهن وأرواحهم
وبتوازنهم وتوازنهن النفسي والعقلي؛
الرقم مهول ولكن تفاصيله تحت الكتمان وفي طي النوايا: إذ أننا لا نعرف من الدراسة تفاصيل هذا التحرش:
لا نعرف مصدره ولا مكانه:
هل هو القسم، المدرسة أو الشارع
هل هو المدرس أو الزميل في المقعد أو البواب أو العابر بالقرب من المدرسة..
في انتظار التفاصيل، علينا أن نشعر وندرك بأن الرقم يديننا جميعا: أسرا، ومؤسسة ومجتمعا عاما..
يمكن أن نستل السيوف لأن «ميريندينا» تحرشت بنا في شهر فبراير
ولكن نمر مرور الكرام على رقم مهول، صادر عن دراسة جادة، تقبلنا كل نتائجها لكننا وضعنا تحت الحصير رقما رهيبا
دسسناه كما يدس الغبار والرماد والسخام تحت الحصير .
لِنُعد الرقم مرارا: 44 ٪ من التلاميذ كانواضحايا التحرش مرة واحدة على الأقل في الشهر
وليس في السنة؛
بمعنى 12 مرة في السنة
طيلة الاثنتي عشر شهرا الأخيرة
المعدل «المتسامح معه» في المنطقة المعنية بالدراسة، والتي تصدر التقرير أي في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، البالغ عددها 79 دولة، هو 30 ٪ ومعنى ذلك أننا، نحن في بلاد المغرب، نزيد عنهم بقرابة النصف..
وتزيد الدراسة في دق المسمار في يد المصلوب عندما تقول إن التلاميذ الذين تعرضوا للتحرش «حصلوا على معدلات أقل من زملائهم بفارق 43 نقطة في فهم النصوص و30 نقطة في الرياضيات و31 نقطة في العلوم».
وبلغةأكثر فجاجة،التحرش لم يعط المتحرش ما يريد، فأضاف إلى التحرش.. العقاب
التحرش زائد العقاب
والمتحرش يستعمل العقاب لمضاعفة المعاناة وإشعار المتحرش به بالقسوة التي تنتظره إن هو تكلم..
أو هو فكر في التبليغ عن ما حدث له..
قد يكون العقاب مباشرة من الذي قام بفعل التحرش، كما قد يكون نتيجة للإعاقة النفسية التي تحدث جراء ذلك..
ما العمل؟
الدراسة نفسها تقدم الجواب الأولي، فهي «أداة لتتبع وضعية المنظومة التربوية، تتيح إمكانية تقييم جودة المدرسة المغربية ووضع برامج كفيلة بتجاوز النواقص ومعالجتها، عند الاقتضاء»، في «ارتباط بالعوامل ذات الصلة بالسياق، لاسيما تلك المتعلقة بالمحيط الأسري والمدرسي».
والسياق هنا لا يقف عند الأرقام الباردة والجافة حول ضعف التحصيل وعجز المنظومة عن توفير شروط الاستخدام الجيد للكفاءات والمهارات المحصل عليها، بل السياق هو تجاوز الترقيع إلى الفعل الأعمق.
وقبل “تقييم كفايات التلاميذ البالغين من العمر 15 سنة في ثلاثة مجالات أساسية، وهي فهم النصوص المكتوبة والرياضيات والعلوم”، لا بد من الوقوف بجرأة على المشكل الذي يشل تفكير ونفسية نصف التلاميذ.
لنكرر الرقم:إنهم فتية بالغة أعمارهم 15 سنة، يمثلون 44 ٪ من تلامذتنا تعرضوا 12 مرة للتحرش
يا للهول الكبير…
لا أريد بأي حال الإحالة على قضية التحرش: الجنس مقابل النقط؛
ولا قضية التحرش مقابل حقوق الإنسان، التي كانت موضوع بلاغ من لدن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لأن الأمر في المحصلة بين راشدين قادرين على الدفاع عن أنفسهم إن نووا بالرغم من حساسية الموضوع.
أما في راهن القضية التعليمية، فإن نصف جيل بكامله معرض للضياع والعقد النفسية والإعاقة العملية..
ولا أريد أن أحيل على دراسة التحرش عبر الأنترنيت التي بينت أن 31 في المئة من الأطفال سبق لهم أن توصلوا برسائل وعبارات جارحة على الإنترنت، حسب المعطيات التي نشرها المركز المغربي للأبحاث متعدد التقنيات والابتكار.
أن يستر المتحرش عيوبه، فذاك أمر منطقي..
أن نتستر جميعا وكأننا لا نريد أن ننظـر إلى اللوحة من كل جوانبها، فهذا أمر لا بد أن يثير غريزة البقاء والحقيقة التي تحمي فلذات الأكباد..
هذه الحقيقة الباردة مثل سكين في مطبخ أو في مطعم المدرسة أو في محطة، لا يمكن أن نسكت عنها.. ولا يمكن تسويغها بأية أهداف أخرى ترمي إليها الدراسة. إنها مجزرة تربوية رهيبة… اللهم إذا كان الرقم خاطئا، مانتمناه فعلا…أما والحال أنها دراسة نشرتها جهة رسمية مسؤولة، فالفظاعة كبيرة .. كبيرة لا تقاس بحجم، تكاد الأفئدة تفطَّرن منها، وتخِرُّ الجبال هدَّا…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 12/02/2022