ألمانيا ونحن… الوطن دائما على حق..! 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

الواضح أن المغرب أرادها نقطة نظام قوية، موجهة لألمانيا، تقف فيها أمام جدار السيادة الديبلوماسي والسياسي والترابي، فالمبادلات الاقتصادية مهما كانت قوية لا يمكنها أن تستقيم مع المس بأسس السيادة والمصالح العليا للبلد الشريك.
والواضح أيضا أن المغرب لا يسعى إلى قطيعة معلنة نقطة اللاعودة، كما يتبين من خلال التصريحات المنسوبة إلى دبلوماسيين مغاربة، حيث يطالب هؤلاء بالوضوح في قضايا المغرب الأساسية..
وهي ساعة الحقيقة المنطقية، أليس مؤسس علم المنطق هو هيغل الألماني؟
كي لا تذهب برلين ضحية مكر العقل والجيو-سياسة، كان لا بد من إعادة ضبط عقارب الساعة..
في انتظار الخلاصات التي ستفرض نفسها، نسجل ما يلي:
1 / كثيرون منا علقوا بغير قليل من الارتعاش أننا لسنا في حاجة إلى خصومة مع ألمانيا، بل قرأنا من اعتبر أننا نغامر بمصارعة دولة هي قلب أوروبا اليوم، والنموذج الأكبر للقوة، حتى أن هناك ميلا إلى رفع القوة الألمانية إلى سقفها الهيجيلي الذي يجعل منها«تجسيدا للإرادة الكلية».
حقيقة الأمر أن المغرب كانت له مواقف مع دول كبرى سابقا لا تقل حدة، وربما أكثر حدة، عندما تعلق الأمر بالمقومات الذاتية للسيادة، سواء عند عتبة الوحدة الترابية أو عند غيرها من عناوين السيادة.
* نحن نذكر خطاب المسيرة في سنة 2014، في الذكرى التاسعة والثلاثين، والذي تضمن رسائل قوية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بخصوص موقف إدارتها من قضية الصحراء.
كانت العبارات واضحة لا لبس فيها وقوية بأن تنتقد غموض الموقف الأمريكي.. وربما كانت تلك بداية لما ستعرفه هذه المواقف من تطورات، تذكرنا بما قاله الشاعر العربي:
وَأَوَّلُ ما قادَ المَوَدَّةَ بَينَنا
بِوادي بَغيضٍ يا بُثَينَ سِبابُ
وَقُلنا لَها قَولاً فَجاءَت بِمِثلِهِ
لِكُلِّ كَلامٍ يا بُثَينَ جَوابُ
وعبارات الانتقاد ما زالت حاضرة في الأذهان، بقوتها وصراحتها، وسيادتها إذا جاز لنا القول «في الوقت الذي يؤكدون أن المغرب نموذج للتطور الديمقراطي، وبلد فاعل في ضمان الأمن والاستقرار بالمنطقة، وشريك في محاربة الإرهاب، فإنهم في المقابل، يتعاملون بنوع من الغموض، مع قضية وحدته الترابية».
وسجل الملك أن المغرب عندما فتح باب التفاوض، من أجل إيجاد حل نهائي للنزاع، فإن ذلك لن يكون أبدا حول سيادته ووحدته الترابية، مشيرا إلى أن «اختيار المغرب للتعاون مع جميع الأطراف، بصدق وحسن نية، لا ينبغي فهمه على أنه ضعف، أو اتخاذه كدافع لطلب المزيد من التنازلات».
وقد كان السفير الأمريكي الأسبق، إدوارد غابرييل، قد وجد العبارات المناسبة وقتها في التعليق على الحدث عندما قال بالحرف «رسائل العاهل المغربي سيتردد صداها في مختلف مراكز القرار في العاصمة واشنطن، مثل البيت الأبيض والكونغرس ووزارة الخارجية»..
* في نفس السنة، عرف العالم بغضب المغرب من حليفته التاريخية فرنسا، إذ وقع حادثان ساعتها أديا إلى رد فعل مغربي رسمي، عندما ألغى المغرب زيارة «نيكولا هيلو»، مبعوث الرئيس الفرنسي، ردا على شكوى أمام القضاء الفرنسي في حق مدير المخابرات المغربية.
وكتبت«لاماب» أن الإلغاء «جاء بطلب من الرباط في انتظار توضيحات بخصوص وضع شكاية من طرف منظمة غير حكومية فرنسية ضد رئيس المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني حول تورطه المزعوم في ممارسة التعذيب بالمغرب».
الحدث الثاني تمثل في تصريحات السفير الفرنسي بواشنطن وصف فيها المغرب شريك فرنسا وحليفها التقليدي “بالعشيقة التي لا نغرم بها ولكن لا يمكن الاستغناء عنها.”
وشجبت الحكومة المغربية بشدة هذه «التصريحات الجارحة والعبارات المهينة»، وطالبت فرنسا «بإصلاح الأذى الذي لحق جميع المغاربة من هذه التصريحات».
فما يحدث اليوم مع ألمانيا لا يخرج عن الموقف السيادي الذي يعتمده المغرب كلما تم المس بشعوره الوطني أو مصالحه الاستراتيجية…
* القرار المغربي، جاء عقب الدعوة التي وجهتها ديبلوماسيته إلى الاتحاد الأوروبي في التعامل الناضج مع الدول الجنوبمتوسطية، وطرح الأستاذية التي تطبع هذا التبادل بين ضفتي المتوسط.
وألمانيا المعروفة بجديتها وعقلانيتها، كان من الممكن أن تدفع نحو استنساخ تجربتها مع فرنسا في صناعة محرك مغاربي يسير نحو التكتل، عوض البحث عن حبل من الحبلين المغاربيين للدخول إلى إفريقيا.
نحن ننظر بإعجاب كبير إلى نجاحها، رفقة فرنسا، في تجاوز الإرث الحربي والعدائي العميق، وصناعة هوية أوروبية، نستشعر الحاجة إلى استلهامها في بناء فضاء مغاربي.. وهي التي وضعت إطارا لسياستها الإفريقية «دعم الاستقرار والسلام، وتنمية الديموقراطية وحقوق الإنسان والعمل من أجل انحياز واضح لعولمة مستدامة وعادلة ونظام عالمي متوازن»، تعرف الدول المغاربية التي يمكن أن تبني معها هذا الإطار المعلن رسميا في وثائق استراتيجياتها الديبلوماسية..

 

وفي وثيقتها الرسمية، الخطوط الموجهة للسياسة الإفريقية، التي تم نشرها في ماي 2014، هناك إلحاح خاص على أجندة واضحة في مجال الأمن والتنمية، وهو ما يطرح التساؤل بخصوص المدخل »الترابي» لهذا التوجه، إن لم يكن المغرب؟
وبالرغم من الانتقادات التي توجه إلى ألمانيا بسبب نقص الوضوح في سياستها الإفريقية، وغياب تحديد أولويات دقيقة،(حوار هانز ستارك، وجان لويس جورجي، السياسة الإفريقية لألمانيا بين مبادئ الأخلاق والمصالج الاقتصادية.. الصادر في ألمانيا اليوم)، فإن ألمانيا تعمل من أجل تقوية وإعداد اللوجستيك الضروري والتركيبة المالية من أجل السلام ومحاصرة بؤر التوتر..
لقد سبق للرئيس الألماني، والذي تولى مسؤولية بعثة الأمانة العامة في ملف صحرائنا الوطنية، هورست كوهلر، أن صرح في حفل تنصيبه 2004 «بالنسبة لي، أن البشرية في عالمنا ستقاس على ضوء القدر الإفريقي».
وسبق لانجيلا ميركل، أن صرحت في 2015 بأن «تنمية إفريقيا هي أكبر رهان في عصرنا»، وهي وضعت ما صار يسمى «خطة مارشال » لإفريقيا، إحالة على خطة مارشال الأمريكية لفائدة أوروبا ما بعد الحرب، وفي قلبها القطاع الخاص واستثماراته في الطاقات المتجددة والمناخ والبيئة، وهي محاور ثلاثة يعرف فيها المغرب تقدما واضحا على كل منافسيه الشمال إفريقيين، وبالتالي لا يمكن أن تغفله العقلانية الألمانية.
في التعامل مع إفريقيا (مالي والصومال أو دول غرب إفريقيا)، لا يمكن لأي عقل – لا سيما إذا كان سليل العقل الهيجيلي – أن يقفز على الدور المغربي، الذي جعل من الرباط وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية ونخبتها الديبلوماسية ممرا إجباريا في الحديث إلى الأفارقة..
ألمانيا لها أفضليات، تتمركز في أربع دول: الجزائر، ليبيا، نيجيريا وجنوب إفريقيا.
والواضح أن المغرب الذي قد تتصوره برلين دولة منافسة نجح في:
التقدم في الملف الليبي.
تكسير المحور النيجيري- الجزائري -الجنوب إفريقي، بالتعاون مع نيجيريا حول أنبوب الغاز..
بيْدَ أن هذا لا يفسر العداء ومحاولة تعويض نيجيريا في هذا المحور بالالتحاق بالجزائر وجنوب إفريقيا واعتناق ديبلوماسية “تعويضية” معادية للمغرب..من زاوية قضيته الوطنية وتقويض ريادته الإقليمية.
2 – درجات التعاون الألماني المغربي ذات منسوب مرتفع، ومهم للغاية، وسبق أن وصفها ناصر بوريطة بالثنائية الممتازة، منذ أقل من شهر ونصف.. كما أن الجالية المغربية في ألمانيا هي الثانية من حيث العدد بعد الجالية التركية، والمبادلات تناهز الثلاث مليارات دولار بميزان تجاري يميل قليلا نحوها، ووجود قرابة 300 مقاولة ألمانية في بلادنا، والتبادل الثقافي مهم للغاية، والثقافة الألمانية لها معتنقون في المغرب، من هولدرلين إلى هيدجر، مرورا بنتشه وهرمان هيسه.. ولا أزيد.
والمغرب، للمفارقة، من بين 12دولة إفريقية وقعت مع ألمانيا اتفاقية Compact With Africa التي أطلقتها،سنة 2017، المستشارة الألمانية لتشجيع المبادلات التجارية، ودفع الشركات الألمانية إلى الاستثمار في القارة.. وهي مع ذلك متأخرة بالنسبة لفرنسا وأمريكا والصين مثلا …
غير أن الأوطان ليست أشعارا ولا شعارا، الأوطان شعور أيضا، يجب احترامه، بل تقديسه لدى الآخرين..
3 – الألمانيون لا يودون سياسة التأزيم، كما يبدو من ردود فعل منسوبة إلى مسؤوليهم في الخارجية، «بنظرنا، لا يوجد سبب لفرض قيود على العلاقات الدبلوماسية، ألمانيا والمغرب تعاونتا عن كثب منذ عدة عقود، وهذا بنظرنا في مصلحة البلدين،» والمسؤولون شددوا على أن «لا شيء تغير في سياسات ألمانيا تجاه المغرب»، ولا معنى لذلك سوى تبرئة الذات أمام موقف المغرب.. والحال أن بلادنا على حق عندما تضع احترام سيادتها شرطا في علاقات عادية وسلسة…
ولعل المسؤولين سيشرحون للسفيرة ما يرونه مبررات لسلوكهم، ويعطون التوضيحات التي ينتظرها المغرب، على حد قراءة اللغة الديبلوماسية في ردود ألمانيا…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 05/03/2021