أنا لن أنعيك أنا لن أنعيك، أنا سأمدحك كما يليق بقلب لا سَمِيَّ له!
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
إذن..
حدث وأن اخترت أن تسير إلى ربك وإلى جواره، ولم تلتفت إلي…
وإلى وعدك بأننا سنلتقي بعد عيد الأضحى مباشرة.
إذن لن أضع وجهي بين كفيك
تحضنه كحفنة دمع
ولا كفاكهة من شجرة محبتك الوارفة..
سأنعيك؟
لا، أبدا سأمدحك..
في المرة الأخيرة، بالقرب منك في سرير المصحة، لم يكن لي من يقين، سوى أنك لن تنهزم
لكني لم أكن أدرك أنك تريد أن تتمم الحياة، كما عاندتها دوما، أي أن تعيشها على حدود الألم الرفيع..
في الحدود بين قوة الإنسان على التحمل وقدرته على صناعة المعجزة..
استطعت ذلك، في كل الأقبية والمنافي والزنازن..
استطعت ذلك أيضا في جر الحياة إلى ضدها
وإجبارها على أن تكون معك..
لست متيقنا إن كنت أوجد الآن ضمن الحشود، التي تشاهدك وأنت في الأعالي تسير نحو أبواب السماء الأخيرة.
لكن يقيني هو أنني أضم روحي، مثل قبضة يد، من شدة الألم الذي أتوقعه، هنا في أرض لله الواسعة
بجانب سريرك الأبيض
وشراشفه البيضاء..
لا ساعة هناك سوى للبطولة يا بطل..
هناك تنام مع أسطورتك،
تلك البسيطة للغاية، لأنها إنسانية وفي المتناول لهذا بدت غير خارقة للكثيرين..
تلك البساطة هي أسطورتك،
ولن تكون جديدة سوى في صلابتها..
تتوالى القصص حولك وأنت تبتسم
إلى أن تفاجئني وأنت تتحدث: كان الفقيد الكبير العبدي، وهو يموت في الكوربيس بجانبي.
وهو ينازع الرمق الأخير حدثني عن اغتيال المساعدي وعن الشهيد المهدي.
وتنشر براءة الشهداء بحديث الشهداء وهم يفارقون الحياة..
تتوالى قصصك وتمعن في أن لا تسمعها إطراء.
تصحح بقلب أحمر دافق، معلوماتنا لأنك كنت القريب:
مرة تقول الحكاية، كنت مشدودا بنفس المينوط، نفس النيمورو خمسة، نفس الأغلال إلى معصم الشهيد عمر بن جلون.
تبتسم وتواصل..
لم تُنهككَ الضربات ولا شفرات الجحيم في الأقبية، بعدها واصلوا الحملة، بسكاكين في وبر التشهير.
ما إن رفضت ضغوط إدريس البصري، بمنح أبنائه
امتيازات استغلال الأكشاك أو الرمال في المحمدية
حتى بنت لك الإشاعة ضيعات
ومصانع لإنتاج الخمور
وفيللات في عرض البحر..
كنت تتألم عندما يصدق المناضلون دعاية غطت كل الآفاق
وتأمل بانتصار الحقيقة..
يتصاعد صدرك وينخفض بقدرة ما تنشق في زمن سابق من الهواء النقي..
كان الشاعر يمدحك، أنت بالضبط ، عندما كان يمدح شيخوخة رجل في قصيدته:
كان قد قال عنك:
وهو شاب كان جميلا، ولما صار كهلا كان كبيرا.
الكهل الذي يعود إلى الينابيع الأولى
يدخل الأيام الخالدة ويخرج من الأيام المتبدلة..
في عينيك الشابتين، كنا نرى لهب النيران
وفي عيني الكهل الذي صرته، نرى النور
نرى الضوء..
كنا بالقرب منك نمني النفس بأن تفتح عينيك..
قلت لك:
لا بد أن تفتح عينيك يا عبد الرحمان لترانا
قل،
لنرى أنفسنا بضوئهما: أينَ - نا؟
منَّ - نا؟
كيف -نا؟
***
كل مناضل مثلك هو بطل أغانيه
التي يغنيها الناس
وكم عشقتَ العود والشجى …
لأن عينيك تكتب في الظلام
وصوتك يرى
من عهد الزنازن والأقبية..
ما لا تراه سوى الاغنية!
لم تترك لي الفرصة لكي أقرأ أخطائي عليك
أخطاءنا عليك، كما وعدتك
كي آتيك بلائحة طويلة من الأمنيات، التي تصححها الواحدة تلو الأخرى
بحسك التاريخي وبما تراكم لديك من تجربة..
بيد أنه
من خيوط الضوء في عينيك كنت تحيك للتاريخ قميصا لا نحمله راية للبكاء
ولا لواء للثأر
بل منديلا للكبرياء..
كم تمنيت أن تتركني أمدحك في حياتك، كما كنت أحلم دوما :
بساطتك
وفاؤك
وأحيانا قساوتك ضدك..
وهذا المسار الحافل والرهيب الذي لم يسقط البسمة عن شفتيك
وأن أكتب بلا تدوير لغوي عن الأخطاء في حقك..
وعن الفشل في الوصول إلى كنوزك..
سيبقى لنا
هذا الهواء العليل،
الذي يعقب مرورك بالحياة
وهذا الامتنان لك
بأنك كنت هنا
منذ قليل
منذ تاريخ بكامله..
والاعتراف أنك من طينة لله التي لا تتغير..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 05/09/2019