إيران والمغرب بين الحرب والسلم 1-

عبد الحميد جماهري

قبل الخوض في الوضع الحالي، على ضوء ما يتوفر من معادلات منذ 7 اكتوبر 2023 مرورا بحروب لبنان واليمن وسوريا ووصولا إلى المواجهات القوية حاليا، ارتأيت التكسير بمقتطفات من مقالات كتبتها على مدى سنين، منذ توترت العلاقة مع طهران وقبل اندلاع المواجهة مع اسرائيل والولايات المتحدة. وفي ذلك تقدير يريد أن يضع مقدمات لما سيتغير من رؤية أو يستمر من ثوابت.
والملاحظ،أن المغرب الديبلوماسي، وإلى حدود كتابة هاته السطور ما زال لم يقدم أي قراءة تعلل مواقفا جديدة للرباط إزاء ما يجري. وهو موقف لا شك أن له مسوغاته ، تكتيكية أو اسراتيجية، لم يمنع من أن يعرب المغرب ضمن مواقف عربية من خلال الجامعة العربية أو من خلال اجتماعات مجلس التعاون الاسلامي، وهما موقعان له حضور حاسم فيهما..
==
تاريخياً، تكون الفترات الأقل توتراً بين الرباط وطهران هي اللحظات التي يصل فيها الإصلاحيون إلى الحكم، كما كان الأمر مع الرئيس الأسبق محمد خاتمي، الذي قاده التيّار الإصلاحي إلى الرئاسة. وقد تابعت النُخْبَة المغربية الانتخابات التي أوصلت الإصلاحي مسعود بزشكيان إلى سُدّة الرئاسة، باعتبارها ثاني أرفع منصب في الجمهورية الإسلامية، ومن يشغل كُرسيّها يصبح مُؤثّراً في السياستين الداخلية والخارجية، في وقتٍ تعرف العلاقات بين البلدين (إيران والمغرب) قطيعةً تامة، حدثت على أثر تحرّكات إيرانية مناهضة للمغرب. ومن هذا الجانب، نُذكّر بأنّ السبب المباشر لقطع العلاقات كان ما توفّر للمغرب من حُجج ووثائق ودلائل عن تورّط سفارة إيران في الجارة الشرقية للمغرب، ومدّ الجبهة الانفصالية (بوليساريو) بالأسلحة المُتطوّرة، وتأكيد الديبلوماسية المغربية أنّ قادةً في حزب الله، أبرزهم المسؤول عن العمليات الخارجية في الحزب، والمستشار العسكري في التنظيم نفسه، والمسؤول عن التكوين العسكري واللوجستي، «تنقّلوا في مناسبات عدّة إلى تندوف منذ مارس 7102 من أجل لقاء المسؤولين في البوليساريو، والإشراف على دورات تدريبية». وممّا زاد التوتّر التصريحاتُ التي أطلقتها قيادة «بوليساريو» بحصولها على المسيّرات الإيرانية المُتطوّرة، وتهديدها باستعمالها ضدّ المغرب. وقد تزامن الجدل بشأن الموضوع مع مناقشة قضية الصحراء أمام مجلس الأمن في أكتوبر/ تشرين الأول 2202، ما دفع السفير المغربي لدى الأمم المتّحدة، عمر هلال، إلى تأكيد ذلك تحت القُبَّة الأممية، فذكر امتلاك جبهة بوليساريو مُسيّرات إيرانية الصنع، وتدريب عناصر الجبهة على يد قوّات إيرانية، وأخرى تابعة لحزب الله. وممّا زاد من تزكية التصريحات المغربية ما جاء على لسان عضو الأمانة العامة للجبهة الانفصالية، عمر منصور، حين قال، خلال زيارته في سبتمبر/ أيلول 2202 موريتانيا، إنّ «بوليساريو تعتزم استعمال طائرات مُسيّرة مُسلّحة ضدّ الجيش المغربي المرابط على طول الجدار الأمني».
ولعلّ القراءة التي يمكن من خلالها تحليل تطوّرات الموضوع بالنسبة إلى المغرب، في قضية مصيرية هي قضية الصحراء، بناء على ما سبق، هي الإجابة عن السؤال المركزي: إلى أيّ حدّ يكون الإصلاح نهجاً في عقلنة التوجهات الديبلوماسية لطهران، وتهدئة طموحاتها التي تبنيها في حالة المغرب، على التشويش على وحدته الترابية. والعودة إلى عقلانية محمد خاتمي؟… في نازلةٍ أخرى، عللت إيران قطع المغرب علاقته معها بوجود توجّه سعودي أمريكي تحريضيّ ضدّها، في محاولة لتبرئة نفسها، وربط قرار الرباط بتحالفاته العربية والدولية. وبالرغم من تشديد المغرب على سياديّة قراره، يبدو من المُفيد حالياً أن يُطرح السؤال بشقَّين. الأول، بعد أن جرى تطبيع العلاقات مع السعودية، ما الذي يجعل إيران تتشبث بموقفها إزاء المغرب؟ والثاني، إذا كانت أمريكا في تقدير طهران من الدول التي دفعت باتجاه العلاقات المتوتّرة الحالية، إلى أيّ حدّ تبقى المعادلة قائمة وإيران تطلب المصالحة مع واشنطن، وإعادة تقدير العلاقات في أفق تطبيعها؟… سيكون الانتظار سيّد الموقف في الفترات المقبلة، وإلى حين تنجلي المواقف والمواقع يبقى الوضع المؤسّساتي حاسماً إلى حدّ ما، وهو المُتعلّق بما يمكن تسميته سقف «اللاهوت الدستوري» في تحديد إمكانية تحقيق السقف المُعلن لطموحات الرئيس (المقصود باللاهوت الدستوري هنا، المعنى الذي أعطاه إياه الفرنسي أوليفييه روا، أي سلطة دينية توجّه مؤسّسات الدولة، وتهيمن عليها، وتضع لها سقفاً زجاجياً لا يمكن تخطّيه، باعتماد الديمقراطية التمثيلية وسيلةً للوصل إلى ذلك).
ونضيف، تتمثل طموحات الرئيس الجديد، كما هو معروف، في علاقات بنّاءة مع واشنطن والدول الأوروبية، وإخراج إيران من عزلتها، وإحياء الاتفاق المبرم في العام 5102 بشأن البرنامج النووي الإيراني مع القوى الدولية. والحال أنّ صلاحياته تكاد تكون معدومة في ما يخصّ الجيش، والحرس الثوري للجمهورية الإسلامية، باعتباره الجيش الأيديولوجي للنظام، وهو المُتّهم هنا في قضية العلاقات المغربية الإيرانية.

وهو ما يُفسّر كذلك عجز الديبلوماسية الإيرانية، رغم قدرة الرئيس على التأثير فيها، عن التجاوب مع خطوات المغرب، قبل قطعه علاقاته معها. ومن مستلزمات تنفيذ الخطّة الجديدة للرئيس الإصلاحي، تراجع نفوذ الحرس الثوري في تصدير الثورة الإيرانية، وتغيير عقيدة البلاد الديبلوماسية في تدبير الجوار القريب والبعيد، القائم على زرع بؤر التفكّك (كما هي حالة العراق واليمن وسورية، وجزء من لبنان القتيل). وهو هدف رهين بموازين القوى الداخلية، وهو ما لم يُعطِ تقدّماً كبيراً للرئيس (حصل بزشكيان على 6.35% من الأصوات فيما حصل منافسه على 3.44 بحسب النتائج النهائية التي أعلنتها السلطات الانتخابية).
من مقال ـيران وحدود اللاهوت الدستوري في المصالحة مع المغرب الصادر يوم 09 يوليو 2024)
===
لا أحد يمكنه أن ينتظر الأمل من تحرّكات طهران في المغرب الكبير. ولعلّ الحقيقة الجغرافية أنّ سياسة إيران لا تتغيّر من ناحية أنّها لا تجد تربة خصبة لها إلا في الفضاءات الجيوسياسية التي تكون الدولة فيها منهارة أو منعدمة أو في حالة حربٍ أو في طور التشكل المهزوز، ولنا في الشرق الأوسط خريطة واضحة للطريق الشاقّة التي تريدها إيران. ولعلّ التوجه نحو تونس، الموجودة في حالة احتضار مؤسّساتي واضحة، وعسر في التنفّس الاقتصادي، هو في الواقع بداية لانهيارها، ولكن بالنسبة لطهران، وبالخصوص روّادها في تصدير الآثار المدمّرة للثورة، هي فرصة لتضع قدمها علانية في دولة مغاربية والتحرّك لمناكفة الدول التي تعاديها، كما هو حال المغرب، وللضغط على موريتانيا لإيجاد موطئ قدم في مشارف الساحل وجنوب الصحراء. وليس من شأن نشاطها في التراب التونسي أو في التراب الجزائري مثلاً أن يطمئن الجيران المغاربيين الآخرين، ولا يمكن تصوّر تطور إيجابي بحضور هذه المعادلة في العلاقات المغاربية.
(من مقال رياح طهران وباريس وبريتوريا والسفينة المغاربية الصدر في العربي الجديد يوم 25 يونيو 2024)
===
ليس خفيّاً أنّ جزءاً من الحرب في الشرق الأوسط يجد صداه في المغرب الكبير. ولهذا، حشرت إيران نفسها في الصراع بين الجارتين الشقيقتين في الغرب الإسلامي من زاوية دعم الأطروحة الانفصالية في المنطقة. ولعلّ النقطة التي رفعت من درجة التوتّر التصريحات التي سبق أن أدلت بها قيادات من «بوليساريو» بشأن توصلّها بمُسيّرات إيرانية، تم تجريبها في الحرب الأوكرانية الروسية بنجاح. وإلى ذلك، نشطت الرباط داخل اللجنة الرباعية التابعة لجامعة الدول العربية، المكلّفة بكلّ ما له علاقة بالتدخّلات الأجنبية في الشؤون العربية، ونجحت في إصدار مواقف عربية مساندة للمغرب في «رفض التدخّلات الأجنبية، واستهداف الوحدة الترابية لكلّ البلدان العربية»، وظلّ الموقف نفسه حتّى إبّان القمّة التي احتضنتها الرياض، في تزامن مع المصالحة السعودية الإيرانية. ويبدو أنّ الموقف الثابت هو الحفاظ على دعم الوحدة الترابية للمغرب ضدّ إيران، وغيرها من الدول، التي تسير في أفقها الاستراتيجي.
(من مقال 28 مايو 2024- إيران: المغرب الكبير ومعادلة الفراغ الثلاثي)

 

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 24/06/2025