الجزائر أمام امتحان اسمه…دي ميستورا

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

بدأ المبعوث الأممي للصحراء المغربية جولة في المنطقة بدأت من الرباط، يوم 12 يناير، ومن المنتظر أن تتواصل إلى 19 منه حيث ستختتم في نواكشوط.
وإذا كان مبتدأ الجولة بالمغرب ومنتهاه بموريتانيا لا يطرحان أي مشكلة، من حيث الاستعداد للتعاون معه في المهمة التي كلفه بها مجلس الأمن بمقتضى القرار 2602، فإن الذي ينتظره المراقبون وأعضاء مجلس الأمن هو موقف الجزائر والبوليساريو من الزيارة، بعد أن أعلنا رسميا مقاطعة مهمة الإيطالي السويسري دي ميستورا.
المغرب جدد التزامه استئناف العملية السياسية لحل النزاع، على أساس مقترح الحكم الذاتي تحت سيادته و»بحضور الأطراف الأربعة»، كما أعاد إلى الأذهان التشديد على أسس الموقف المغربي .
وهي تقتضي:
– التزام المغرب استئناف العملية السياسية.
-الرعاية الحصرية لهيئة الأمم المتحدة.
– حل سياسي على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
– مسلسل الموائد المستديرة، كأسلوب ناضج والحاصل على شبه إجماع دولي.
-حضور الأطراف الأربعة، وهي المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا.
الجزائر وتابعتها المسلحة، راهنت في بداية الأمر على جعل تعيين المبعوث الأممي للصحراء ورقة ضد المغرب، بمحاولة التوهيم أن المغرب يعارض هذا التعيين، بل ذهبت حد اعتبار موقف الخارجية الأمريكية في أول بلاغ رسمي للإدارة الجديدة طعنة للمغرب!!!
بعد تعيينه، حاولت التملص من مهمته بالتصريح أن «التعيين ليس مهما في ذاته»، وهو ما اعتبر أن دولة الجزائر تريد تعيينا بمهمة واحدة هي التي تحددها !
لقد كانت تطمع في تعيين يصاحبه قرار لمجلس الأمن يميل إلى أطروحاتها أو على الأقل يبحث عن «توازن» ما في مقتضياته.
وقد أسقط في يدها، فانتقلت، في مرحلة ثالثة، إلى المطالبة بالعودة إلى قرارات مضى عليها عقد من الزمن، أي إلى قرارات 1991 ،ومعناه إلغاء ثلاثين سنة من البحث الدولي عن حل سياسي مقبول من جميع الأطراف.
ولم تقتصر على المطالبة الديبلوماسية الدولية، ومحاولة إقناع العالم بالعودة إلى زمن الحرب الباردة والاتحاد السوفياتي وتوازنات الرعب فيه، بل حاولت التأثير عبر إعلان التحلل من اتفاق إطلاق النار، ثم دعوة المغرب إلى ما قبل 13 نونبر 2020 عند تطهير معبر الكركارات لفائدة السلام والتجارة الدولية واحترام وقف إطلاق النار…
توالي الانكسارات، أدى بها، مباشرة بعد صدور القرار الأممي، وانحياز الولايات المتحدة المعلن والرسمي إلى مقترح الحكم الذاتي، دفعاها إلى الجنون والقفز في المجهول.
وقد أعلنت الجزائر «رفضها العودة إلى طاولة المحادثات رفضا رسميا لا رجعة فيه»، أما جبهة البوليساريو فاعتبرت القرار «أجهض مهمة المبعوث الأممي الجديد قبل بدايتها».
والواضح أن الجزائر وضعت نفسها في مواجهة المنتظم الدولي ممثلا في دول مجلس الأمن ال13 ، ومنها القوى الدولية الكبرى، من خلال رفضها لمنظومة الشرعية الدولية المتوصل إليها.
وعقب ذلك، تريد أن توحي بوجود طبول الحرب، وتزيد من أجواء التوتر عبر التهجمات على المغرب والرفع من درجة الشحن الحربي في تحركاتها وإعلامها واتهاماتها التي بلغت حدا غير مسبوق من العبث والجنون!
لقد اتضح للمجتمع الدولي أن المغرب يملك رؤية سلمية للنزاع، بجدول أعمال واضح وبعرض متكامل للانتقال إلى زمن السلم والبناء، في المقابل لا تملك الجزائر سوى التشنج والنزعة العدائية ومناهضة إرادة المجتمع الدولي.. وهذا الفارق الشاسع ليس فرقا واضحا بين الحق والباطل ولا بين الشرعية والعدوان بل هو أيضا فارق كبير في الإرادة في بناء مضاد إقليمي وقاري للسلام والاستقرار، في شمال إفريقيا وفي غرب المتوسط وفي إفريقيا جنوب الصحراء.
وتحتمي قيادة الجيش الجزائري بتراثها العدائي بالعمل بمقومين، الأول ديبلوماسي، يتمثل في محاولة إفشال الوساطة التي شرع فيها «دي ميستورا،» والثاني عسكري والمتمثل في اختلاق حرب يومية ببياناتها المتتالية، وعبر التأزيم المقصود للمناخ العام في المنطقة..
وهذا معناه أنها عجزت عن الانتقال إلى زمن جديد مبني على تعاقدات إقليمية وجيواستراتيجية هدفها الرفاه، وظلت تجتر أشباحها ووساوسها التي تعود إلى زمن المواجهات، كما عجزت عن فهم التوجهات الدولية في المنطقة، وسجنت نخبتها وعسكرياتها في زنزانة الحقد المعلن للمغرب.
وهل تملك قوة وساوسها؟ هل تملك بالفعل شجاعة أحقادها وتعلن للعالم أنها ستخرج من المسلسل السياسي ضدا عن إرادته وقراراته؟
هل تملك بالفعل مقومات مناهضة الإرادة الدولية في الحل؟
هذا سؤال الامتحان الكبير، واسمه امتحان دي ميستورا !

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 15/01/2022