الحرب في عامها الأول: ما يحسب للمغرب والمغاربة

عبد الحميد جماهري

أسس المغرب لنفسه هوية استراتيجية في قضايا الشرق الأوسط، وفي قضية فلسطين بالخصوص. لا داعي للعودة إلى تفاصيلها، عبر التاريخ وفي لحظات التحول السابقة. نقتصر فقط على تدبير حرب غزة الطويلة التي صارت أطول حرب إسرائيلية- عربية، ويمكن أن تطول إذا ظل العالم يحابي بنيامين نتانياهو.
كان ألبير كامو، الروائي والمفكر الفرنسي، يقول بأن سوء تسمية العالم يزيد من بؤسه، ولعل العاهل المغربي عمل بهاته المقولة، من باب العارف بما يجري، منذ الوهلة الأولى للحرب.
كان العالم يميل كله، لاسيما الأصدقاء والحلفاء، إلى تجريم ما قامت به حماس صبيحة ذلك السبت سابع أكتوبر. كان الجميع يريد أن يوهم الجميع بأن الصراع بدأ في ذلك اليوم، وأن الدم لم يسل قبله!.فكان رد المغرب ، يتجاوز الطارئ في الجديد العسكري والسياسي حول غزة، إلى العمق:
لقد سمى الملك الأشياء بمسمياتها، عكس ما كان البعض هنا أو في الخارج يتوقع، بفعل الاتفاق الثلاثي الأمريكي الإسرائيلي المغربي. فَتَتالت الرسائل والمواقف، لعل أهمها الرسالتان إلى القمتين العربية الإسلامية في الرياض، وبعدها في المنامة، ثم رسالته القوية إلى الشيخ نيانغ رئيس اللجنة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. وتفردت الديبلوماسية الملكية باعتبارها. أن الانفجار الذي حصل ما كان له أن يكون إلا حتميا، بسبب انسداد الأفق السياسي وقتل احتمالات السلام، ومضاعفة الاستفزازات في القدس وفي غيرها، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في دولته المستقلة. وتبين بالفعل أن الهوية الاستراتيجية للمغرب قادرة على إثارة الإعجاب، كما أنها »معادلة بأرقام مغربية بحتة«، بحيث أن الذي يسعى الى تفسيرها حسب خطاطة جاهزة أو قالب محكوم بنمطية ما، سيجد نفسها مفاجأ.
وفي استقلالية واضحة عن شركائه في الغرب أساسا، اختار الملك الحقيقة .
الهوية الاستراتيجية تعالقت معها مصداقية استراتيجية، ميزتها الوضوح مع النفس والأصدقاء، وهو ما فتح، بله، الباب من أجل أن يقدم خدمات مباشرة واستثنائية، شخصية في الكثير من الأحيان، كما في حالتي المساعدات الطبية والغذائية في مارس ويوليوز 2024.. ونحن نذكر بأن المغرب كان الوحيد الذي سلك الطريق البري في معبر كرم أبو سالم، لكي تصل الشحنات إلى أهلنا. وهو بذلك ضاعف حضوره، إذا استحضرنا العمل الدؤوب والقوي والمستمر في القدس منذ ربع قرن، وأرقامه اليوم معروفة، وخارطة ما تثيره من عواطف ومشاعر إنسانية نبيلة لا تحتاج إلى دليل أو كاتالوغ.
النقطة المضيئة وسط هذا الخراب العظيم، هو قدرة الدولة المغربية على أن تفتح شارعها العام لكل المظاهر الإنسانية والشعبية في التعاطف، حتى أن المساعدات تكون في جزء منها، ترجمة لهذا الاندفاع الإنساني التليد ..
وقد تابعنا كيف أن المغرب، شعبيا، لم يتردد في التعبير عن انتمائه بما في الأفق الإنساني النبيل من معنى، ويعلن في كل مناسبة عن ذلك في كل شوارع المدن،على طول العام وقد كانت مسيرة أول البارحة درسا حقيقيا في خارطة العالم العربي الذي تآكلت مصداقية الكثير من حكامه بفعل الهوة بين الشعوب وتعبيراتها، والسلطات.
فلم يحصل أي تشويش أو حادثة يمكن أن تخدش الصورة الفريدة في التعبير عن المواقف.. علما أننا شعب يخرج بالآلاف كل أسبوع في مسيرات الدفاع الاجتماعي !
هو ذا شعب المغرب الذي يعبر عن مشاعره كما يعبر عن تنوعه واختلافه في قراءة ما يحدث.
في النهر البشري، تبين بأن السياسة تنضج وينضج معها التدبير الأمني والسياسي للتعبيرات الشعبية ..
هذا ما يحسب للمغرب والمغاربة في تدبير سنة من الجحيم الطويل!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 08/10/2024