الحكم الذاتي: من الإقناع إلى التفاوض إلى التطبيق ..
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com
التأمين والتحيين معا: الانتقال من التدبير إلى التغيير إلى التدبير مجددا
1ـ يقول الأستاذ عبد الله العروي (ص 132 من دفاتر كوفيد): «في إطار البيعة، تم وضع تصور مخطط الحكم الذاتي واقتراحه بدون إثارة معارضة من طرف الأحزاب الوطنية».
وهي ربما إحالة على الاستفتاء سنة 1981 الذي قوبل برفض الاتحاد وقيادة الاتحاد في حينه، ويذهب بعيدا في القول بأن «حكمًا ذاتيا في الريف أو في سوس في حكم الوارد تصوره على المدى البعيد، وفي الإطار الدستوري الحالي».
في الواقع نعرف بأن عبد الله العروي ليس من هواة الخيال السياسي، بل هو ينقب في الممكنات السياسية والترابية التي يمكن للمغرب أن يتعامل معها، في إطار الحكم الذاتي، ودون عُقد وبدون هواجس غير متحكم فيها، مع الحفاظ على قوة الدولة غير اليعقوبية الممركزة ولا البيسماركية المهيمنة، دولة قادرة على التفاوض مع المتطلبات الترابية التي تفرزها المرحلة الجديدة.
ولعلها من علمنا التفكير من داخل منطق الدولة والدفاع عن «تقرير المصير من منطلق تقدمي» ضد التجزيء والتفكيك والانفصال.
ولعل في هذه الفكرة نفسها إحالة على التدبير السياسي المطلوب اليوم، في تدقيق مبادرة الحكم الذاتي وقواعدها التي حددها خطاب 31 أكتوبر 2025، تدبير يجمع بين ثوابت البيعة ومتغيرات المشاورات السياسية والأممية لقضية ذات أهمية قصوى ذات علاقة بالسيادة.
وتتمثل اليوم في «الحكم الذاتي كمقترح مفتوح على كل التطورات»، كما نفهم من مضامين القرار الأممي نفسه.
لكن معطيات 2025، التي ستتحكم في التحيين (انظر مقال البارحة حول مرتكزات هذا التحيين على قاعدة المكتسبات التي تحققت)، لا يمكن أن تلغي البعد التاريخي في «التنظيم الخاص» الذي تمتعت به الصحراء تاريخيا.
إن استحضار التاريخ هنا قدر أكثر منه اختيارا، والمقصود به هو صعوبة الإفلات من التاريخ حتى ولو قررنا ذلك بناء على الأفق الأممي للمبادرة المغربية أو بناء على محاولة تذويب التاريخ في مفهوم أوسع هو فلسفة الدولة الحديثة.
2ـ لا شك أن عبارة «الحكم الذاتي الحقيقي» قد أعادت إلى الأذهان عبارة سبق استعمالها في الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي حول الصحراء، وهي عبارة «تطبيق مبدأ تقرير المصير بواسطة التعبير الحر والحقيقي عن إرادة سكان التراب»، وهي العبارة التي كانت مدخلًا لمحاولة الالتفاف على الاعتراف بالسيادة المغربية، ووصلت إلى درجة أن تم «ترسيم» الاستفتاء كطريق وحيد لتقرير المصير، بالرغم من أنه لا يرد بتاتا في الرأي الاستشاري.
والحال أنه لا يمكن معرفة ما هو الحقيقي من غير الحقيقي إلا بعد التطبيق.
على كل حال، نحن لسنا أمام قضاة محكمة العدل في لاهاي، بل أمام أطراف دولية: الأمم المتحدة وما تطلع عليه بناء على مقارناتها ومدبريها للحكم الذاتي في مناطق العالم وقيادتها لوثائق الملف المتعلق بالصحراء، وأخرى دولتية (أي الدولتان موريتانيا والجزائر كما وردا في القرار)، وثالثة مجرد واجهة (البوليساريو).
ولكن في الخمسين سنة التي مضت في معركة تأويل القرار الاستشاري الواضح، درس في تدبير الزمن: لقد قضينا وقتا غير يسير، مدته 18 سنة في الإقناع بالحكم الذاتي، وحصل حوله توافق دولي، ثم انتقلنا إلى التفاوض حوله وبه مع أطراف عديدة وداخل الأمم المتحدة، حتى تم تبنيه.
وإذا كان تدبير التفاوض ناجحا، فإن الانتقال إلى التطبيق يستوجب أن يتوفر على قوة الإقناع ومهارة التفاوض من جديد، ثم تأمين التنزيل.
ومن عناصر التأمين: احترام الشرعية التي كسبناها إلى جانبنا، توفير شروط الوطني القوي حول الخطة المغربية، استحضار عناصر الملف كلها، والإعداد الثقافي والسيكولوجي الضروري في أوساط الشعب المغربي لما سيحدثه التطبيق العملي من تغيرات في تصور المغاربة لأنفسهم ولبلادهم ولوحدتهم.
3ـ نحن في المنطق الملكي نفسه مع مرحلة جديدة: الانتقال من التدبير إلى التغيير إلى التدبير مجددا.
ولا يمكن أن نستبعد وجود عراقيل كثيرة ورموز مستعصية ستعترض الانتقال إلى التطبيق: مشاكل في حضور المفاوضات، وهي تهم الجهة التي أصدرت القرار، والتي عليها تأمين تنفيذه من خلال الإجبار على المشاركة في المسلسل السياسي؛ مشاكل تنجم عن العيش طوال نصف قرن ضمن فكرة الانشقاق والانفصال، ثم التردد في القبول بالقرار وحيثياته، ومشاكل الخاسرين غير النزهاء الذين لن يستسيغوا ما يرونه هزيمة، حتى ولو كان ملك البلاد قد تجنب الإعلان عن الانتصار وتكتم أخلاقيا في التعبير عنه.
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com - بتاريخ : 13/11/2025