الرسالة، الدرس، المثال
عبد الحميد جماهري
صورة ملك البلاد وهو يتلقى الجرعة الأولى للتلقيح ضد كوفيد 19 تبين بالصورة كدليل أن التصرف كملك هو أيضا التصرف كمواطن يثق في العلم ويسلك السلوك المثالي في الامتنان للعلماء، عبر منحهم حياته ليحصنوها.
ولأن السلوك كان سلوكا مواطنا مثاليا، كما طالب به الملك نفسه في خطاب ثورة الملك والشعب، فقد تلقاه بالفعل ملايين المغاربة، بما يجب من الاحتفاء.
للخبير في الصورة أن يشرح تَناسُب العفوية والاختيار، وتناسب الدلالة والمدلول فيها، لكن المغربي «العام«، الذي يشعر بأنه ليس في حاجة إلى قاموس في علم الوسائط و»الميديولوجيا«، لكي يفهم، يرى أن ملكه، ليس أول زعيم إفريقي يتلقى الجرعة الأولى من لقاح وصل إلى بلاده، فقط، بل هو أيضا، أول مغربي، يتم تلقيحه أمام باقي المغاربة…
كثيرة هي الحالات، لا تعد ولا تحصى، التي تصرف فيها الملك محمد السادس بتقديم النموذج وإعطاء المثال للشعب، وهذه مرة أخرى يعطي فيها النموذج …
سيكتب التاريخ بأن الملك محمد السادس حَكَم..
بالقدوة
وبالنموذج
والأسوة الحسنة…
ولم يحكم بالقوة…بل كقائد يرى بأن قوة الدولة، في الكثير من مغازيها، تكمن في إعطاء المثل الذي سيصير سنَّة مواطِنة.
في السلوك المتلفز، الذي خلق موجة عمق عارمة، تتويج ووفاء تام للسلوك الملكي، منذ بداية الجائحة..
رآه المواطنون نموذجا وأسوة حسنة في ارتداء الكمامات، عند أول ظهور ملكي رسمي، عقب إعلان حالات الوباء في بلادنا، واتفاق رجال الصحة العمومية ورجال القانون على ضرورة الالتزام بها، كاحتراز ضروري في الحرب على الكوفيد، ثم تلتها صور عديدة، تكلمت من تلقاء نفسها عندما ظهر الملك وهو يستجيب لتعليمات الأطباء بالتزام التباعد الاجتماعي، عند أداء مهام دستورية أوترؤس اجتماعات مؤسساتية.
وتزامن ذلك مع فرض إجبارية الاحترازات الصحية الخاصة بالوقاية، فكان التزاما بالقانون…
ورأينا ملك البلاد وهو يلغي احتفالات تتطلب تجمعات بشرية معتبرة، أو يعطل بروتوكولات لها عشرات السنين من أجل أن تكون هناك دوما رسالة في طيات القرار الملكي…
تم ذلك ببلاغ صادر عن الديوان الملكي، عندما أعلنت وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة في المغرب، » تأجيل جميع الأنشطة والاحتفالات التي كان مرتقبا أن تقام بمناسبة عيد العرش، نظرا لتدابير الوقاية من فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19).
وقرر حينها تأجيل حفل الاستقبال الذي يترأسه الملك وحفل أداء القسم للضباط المتخرجين الجدد من مختلف المدارس والمعاهد العسكرية وشبه العسكرية والمدنية وحفل تقديم الولاء…
وتكون رسالة
ويكون درس
وتكون قدوة..
قال ملك البلاد في الخطاب المشار إليه أعلاه إنه » بدون سلوك وطني مثالي ومسؤول، من طرف الجميع، لا يمكن الخروج من هذا الوضع، ولا رفع تحدي محاربة هذا الوباء «.
من المحقق، أن المواطنات والمواطنين، سيقتدون بملكهم، وهم في هذا على طريقه، ولعل من الانتظارات التي يودون معرفتها هي: هل سيقوم المسؤولون، في كل أسلاك البنيات الدستورية والإدارية، من وزراء وغيرهم، بما قام به الملك مثلا، أم سنرى ما رأيناه سابقا، عندما وضع هو الكمامة في حين لم يرتدوها، واحترم التباعد وهم لم يحترموه وخرقوا الحظر الليلي، هل سيعملون على امتداد هذا السلوك في الفضاء المعتبر للدولة أم أنهم سيختبئون في وضع اعتباري مفرغ من كل حمولة دلالية ؟
يعرف فقهاء اللغة والجماليات، أن طريق العبارة طويل، والخطاب يلزمه فصول لكي يزهر، في حين تعطي الصورة، عندما تعني القدوة والمثال، طريقا سالكا وسريعا، وتعطي أكلها في الحين، وقد لا نتعلم الكثير من الكلام، في حين نتعلم كل شيء من الصورة، عندما تترجم القدوة والمثال، بصدق والتزام دؤوبين.
لقد سبق للملك أن رد بوضوح على الذين شككوا في وجود المرض في الخطاب المذكور، ودفع إلى القناعة العامة حول خطورته، بعد أن كانت دعوات غزيرة تريد أن تجد في كل ما يقع نظرية للمؤامرة.
وهو اليوم، يعيد نفس الرسالة بخصوص التلقيح، الذي طالته أيضا الاستشباحات العصابية، والنظريات الضبابية، والتعالم الأجوف.
الملك أعطى الانطلاقة…من جسده، ووضع روحه كدليل على ثقته في العلم، وأيضا لدحض فقهاء التفاهات!
وللملوك، كما يقول البلاغيون، جسدان: واحد سياسي والآخر طبيعي بيولوجي..
واحد عام، الثاني خاص..
وفي الصورة الخاصة بالحملة الوطنية للتلقيح التقى الجسدان في بلاغة واحدة، وفي رسالة واحدة، لأن القدر الخاص في قضية جائحة، هو بالضرورة ، ذو أبعاد عامة ويُعْطف على أقدار عامة…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 30/01/2021