الزفزافي‮:‬‭ ‬سجين‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬سطح‮..‬‭ ‬الحرية‮!‬

عبد الحميد جماهري

ما‭ ‬تابعناه‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬عاصمة‭ ‬الريف،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬جنازة‭ ‬‮«‬عزيزي‭ ‬احمد‮»‬‭ ‬سابقة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الاعتقال‭ ‬في‭ ‬المغرب‮.‬‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬العالم.ذلك‭ ‬أن‭ ‬للريف‭ ‬طريقته‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬الزلازل‮:‬‭ ‬على‭ ‬سلم‭ ‬رايشتر‭ ‬السياسي‭ ‬وعلى‭ ‬سلم‭ ‬رايشتر‭ ‬العاطفي‮.‬
في‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬كان‭ ‬للسياسة‭ ‬اختناقاتها،‭ ‬وحساباتها‭ ‬ودهاليزها‭ ‬ومخططاتها،‭ ‬وعلاج‭ ‬الزلزال‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬أخرج‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬سكان‭ ‬الحسيمة،‭ ‬وأخرج‭ ‬من‭ ‬العمق‭ ‬الشعبي‭ ‬زعيما‭ ‬للحراك‭ ‬يقود‭ ‬الناس‭ ‬بلغة‭ ‬عربية‭ ‬فصيحة،‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬عربية‭ ‬القرآن‮..‬‭ ‬نحو‭ ‬آفاق‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‮..‬‭ ‬كان‭ ‬الزلزال‭ ‬السياسي‭ ‬‮..‬بدعوة‭ ‬من‭ ‬الملك،‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬هرم‭ ‬الدولة‭ ‬والسلطة‭ ‬والإدارة‭ ‬جاء‭ ‬الصوت‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬زلزال‭ ‬سياسي،‭ ‬والتطبيع‭ ‬مع‭ ‬الزلزال‭ ‬جراء‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬الحسيمة‮..‬وفي‭ ‬ارتباط‭ ‬مع‭ ‬الزفزافي‮.‬
في‭ ‬السلم‭ ‬الثاني‭ ‬جاء‭ ‬الزلزال‭ ‬العاطفي‭ ‬لسجين‭ ‬يغادر‭ ‬السجن‮(‬‭ ‬كثيرون‭ ‬تذكروا‭ ‬قصة‭ ‬أبي‭ ‬محجن‭ ‬الثقفي‭ ‬وخروجه‭ ‬للحرب‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬سجنه‮)..‬
تابعنا‭ ‬ناصر‭ ‬الزفزافي‭ ‬وهو‭ ‬يغادر‭ ‬السجن،‭ ‬بلا‭ ‬قيود‭ ‬ولا‭ ‬حراس،‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الأسرة‭ ‬لوداع‭ ‬عزيزي‭ ‬احمد‮:‬‭ ‬هو‭ ‬بذاته‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬رمز‭ ‬وصورة‭ ‬للما‭ ‬بعد‭ ‬الحراك‮..‬‭ ‬المؤتمن‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سيقع‮!‬
وفي‭ ‬الزلزال‭ ‬العاطفي‭ ‬اكتشفنا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نعتده‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الاعتقالات‭ ‬بالمغرب‮:‬‭ ‬ولعل‭ ‬ناصر‭ ‬الزفزافي‭ ‬أول‭ ‬سجين‭ ‬يخطب‭ ‬في‭ ‬الناس‮..‬حرا‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬خارج‭ ‬السجن‮…‬حرا‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬محكوما‮…‬يقول‭ ‬حبه‭ ‬لوطنه‮.‬‭ ‬ويرد‭ ‬عنه‭ ‬وعن‭ ‬رفاقه‭ ‬أحكاما‭ ‬وتهما‭ ‬جائرة‮…‬
وقلنا‭ ‬له‭ ‬‮:‬تليق‭ ‬بك‭ ‬الحرية‮!‬‭ ‬
ولم‭ ‬يسبق‭ ‬أن‭ ‬خطب‭ ‬سجين‭ ‬في‭ ‬الحشود‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬تودع‭ ‬أباه‭ ‬ووجدته‭ ‬بينها‮.‬‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬رهن‭ ‬الاعتقال،‭ ‬ولم‭ ‬يسبق‭ ‬أن‭ ‬خطب‭ ‬معتقل‭ ‬في‭ ‬الناس،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬بعد‭ ‬خطبته‭ ‬إلى‭ ‬زنزانته‮!‬
نعرف‭ ‬معتقلينا‭ ‬السابقين‮:‬‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬عليهم‭ ‬استقبالهم‭ ‬كانوا ما‭ ‬زالوا في‭ ‬المعتقل،‭ ‬وخلفهم،‭ ‬وآمنا‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬من‭ ‬يستقبلهم،‭ ‬بالأناشيد‭ ‬والياسمين‮..‬
يبقى‭ ‬الأهم‭ ‬‮:‬‭ ‬الريف‭ ‬كان‭ ‬وراء‭ ‬زلزال‭ ‬العهد‭ ‬الجديد،‭ ‬أطول‭ ‬حراك‭ ‬يدوم،‭ ‬كما‭ ‬دام‭ ‬حراك جرادة‮.. ‬‭ ‬حراك‭ ‬يظهر‭ ‬بجلاء‭ ‬تعب‭ ‬الأرض‭ ‬والإجهاد‭ ‬الذي‭ ‬يصيب‭ ‬التراب‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬المغرب‮.‬
ويأتينا‭ ‬صوت‭ ‬الملك‭ ‬مجددا‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬السرعتين،‭ ‬وتجاوز‭ ‬البطء‭ ‬وعدم‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية‮..‬‭ ‬ويحدث‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يتجدد‭ ‬فيه‭ ‬الخطاب‭ ‬عن‭ ‬مغرب‭ ‬السرعتين‭ ‬‮.‬
أتذكر‭ ‬بأن‭ ‬الريف‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬حرك‭ ‬موضوع‭ ‬الوساطة‭ ‬المؤسساتية‭ ‬ووهنَ‮ ‬التنظيمات‭ ‬الوسيطة،‭ ‬وحرك‭ ‬أيضا‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬مشاكل‭ ‬بدورها‮!‬
ونتذكر‭ ‬أن‭ ‬القراءات‭ ‬المتسرعة،‭ ‬القراءات‭ ‬المرتعشة،‭ ‬والتي‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬ويل‭ ‬للمصلين‭ ‬وتدفع‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬الزنازين،‭ ‬قراءات‭ ‬قاصرة‭ ‬ولا‭ ‬تطول‭ ‬في‭ ‬الزمن،‭ ‬وأن‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬نحن‭ ‬أمامها‭ ‬هي‮:‬‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تغير،‭ ‬ولماذا‭ ‬المغرب‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬بسرعتين؟
نتأكد‭ ‬بأن‭ ‬الزفزافي‭ ‬تفاعل‭ ‬كثيرا‭ ‬مع‭ ‬خطابات‭ ‬ملكية‭ ‬سابقة،‭ ‬كما‭ ‬قدم‭ ‬صورة‭ ‬مشرفة‭ ‬لم‭ ‬تجعل‭ ‬منه‭ ‬سجينا‭ ‬يحقد‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬حاكمه،‭ ‬بل‭ ‬رجلا‭ ‬يتطلع‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الوطن‮:‬‭ ‬حريته‭ ‬ومصلحته‭ ‬وعزته‮.‬
من‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الحرية‭ ‬تحدث‭ ‬وهو‭ ‬قيد‭ ‬‮..‬‭ ‬الاعتقال‮!‬
لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬التدفق‭ ‬الإنساني‭ ‬بهاءه،‭ ‬ولهذا‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أشرح‭ ‬بمنطق‭ ‬الصفقة،‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬جميل‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يكتمل‮.‬‭ ‬نقطة‭ ‬إلى‭ ‬‮..‬‭ ‬الخارج‮.‬‭ ‬وإلى‭ ‬الحرية‮!:‬
‮–‬
الآن‭ ‬
وقد‭ ‬ودع‭ ‬ناصر‭ ‬والده
يجب‭ ‬أن‭ ‬يودع‭ ‬قيده
الآن‭ ‬
وقد‭ ‬عانق‭ ‬أمه‮..‬
وجب‭ ‬أن‭ ‬يعانق‭ ‬الحرية‮..‬‭ ‬
‮–‬‭ ‬
ما‭ ‬يثير‭ ‬حقا‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نغفله‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الزفزافي‭ ‬لم‭ ‬يفقد‭ ‬ولو‭ ‬نقطة‭ ‬من‭ ‬شعبيته،‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬يحرسها‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬زنزانته‭ ‬بالوفاء‭ ‬والصدق‭ ‬والوطنية‭ ‬المعبر‭ ‬عنها‭ ‬بلا‭ ‬شروط‮:‬‭ ‬والذين‭ ‬سيغضبون‭ ‬هم‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يشهر‭ ‬سيف‭ ‬ثأره‭ ‬ويرفعه‭ ‬ثم‮ …‬يرفعه‮…‬‭ ‬حتى‭ ‬يثقب‭ ‬سقف‭ ‬المرحلة‮.‬‭ ‬والذين‭ ‬يخشون‭ ‬أن‮ ‬يفقدوا‭ ‬بطلا‭ ‬حقيقيا‮ ‬يوظفونه‭ ‬في‮ ‬حروبهم‭ ‬الدونكيشوتية،‭ ‬والذين‭ ‬لا‭ ‬تهمهم‭ ‬الحرية‭ ‬إلا‭ ‬بالمقدار‭ ‬الذي‭ ‬تستعمل‭ ‬ضد‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬بفعل‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬أو‭ ‬عسر‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬التاريخ‮..‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 08/09/2025