السجال السياسي‮ ‬بين‮ ‬«يوتيوب» وخامنئي!‮‬ 1

عبد الحميد جماهري

يمكن لمن‮ ‬يجتهد في‮ ‬العناوين،‮ ‬يُلخِّص بها مشاهداته‮ ‬في‮ ‬السياسة‮‬،‮ ‬أن تُغريه ‬مُجريات‮ ‬الواقع المغربي‮ ‬اليوم، بأن‮ ‬يسجّل أنها تتراوح بين القطبين،‮ ‬الافتراضي ‬والإيراني‮، ‬حتى أن عنوانا‮ً ‬من قبيل‮ «‬السجال السياسي ‬بطابعه الشيعي‮ ‬ـ الافتراضي‮»‬،‮ ‬يصلح‮ ‬أن‮ ‬يجمع بين القطب الأول،‮ ‬أي‮ ‬ظلال إيران في المشهد السياسي‮، ‬والقطب الثاني،‮ ‬الافتراضي،‮ ‬بما هو كناية عن اختيار «يوتيوب» ساحةً للمنازعات، في‮ ‬محاولة فهم ما‮ ‬يجري‮. وإذا كان‮ ‬العنصر الخارجي‮ ‬يحضر‮ ‬بقوة في‮ ‬السجال ‬السياسي‬،‮ ‬على الأقل‮ّ ‬بالنسبة لجزء من الطبقة السياسية‮، ‬سواء من باب الانتماء التاريخي‬،‮ ‬كما في‮ ‬قضايا القومية والدين، أو من باب التأثّر المتبادل،‮ ‬كما في‮ ‬مواسم التحوّل الجارف‮ (‬الفترة القومية،‮ ‬فترات الإسلام السياسي‮ أو في‮ ‬الفترات الاشتراكية،‮ ‬والربيع العربي‮…)، ‬وفي‮ ‬فترات الحروب‮ (‬حرب الخليج‮ ‬الأولى والدورة الحربية التي‮ ‬تلتها إذا اقتصرنا على ما بعد سقوط جدار برلين‮)، ‬فإن ‬هذا الحضور‮ ‬يتكرّر حالياً،‮ ‬بغير قليل من الكوميديا،‮ ‬كما تشاء ‬الجدلية الهيغلية التي‮ ‬ترى أن التاريخ‮ ‬يعيد نفسه،‮ ‬تراجيدياً أولاً ثمّ كوميدياً ثانياً. ‬
في‮ ‬المقابل‬،‮ ‬يحضر «يوتيوب» (وتقنيات النقل المباشر)‮ ‬وسيلةً في‮ ‬التواصل السياسي‮، ‬ويثبت دوره باعتباره عنصراً قوياً في‮ ‬التأثير‮، ‬بل إن الوسيلة هنا تتحوّل بذاتها ‬موضوعا،‮ ‬والدال‮ ‬يتحوّل دليلاً، والشكل مضموناً، وقد‮ ‬يصير المبنى‮ ‬في‮ ‬مقاربة الإشكالية هو المعنى ذاته،‮ ‬وقد‮ ‬يعوّضُ‮ ‬الحزب الإلكتروني، مجسّداً في‮ ‬صورة ‬شخص واحد‮‬ وصوته،‮ ‬الحزب‮ ‬الواقعي‮ ‬بما هو أحد أرقى أشكال التنظيم السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬التي‮ ‬أبدعتها الإنسانية. ‬وفي‮ ‬اللحظة التي‮ ‬رافقت المواجهة بين إيران وإسرائيل،‮ ‬كاد الداخل‮ ‬يذوب‮ ‬في‮ ‬سؤال الخارج‮‬،‮ ‬نظراً إلى طرفي‮ ‬المواجهة‮. ‬وبات واضحاً أن الحرب‮ ‬لم تعد ببداهتها المعهودة،‮ ‬أي‮ ‬أن إسرائيل‮ ‬هي‮ ‬العدو المطلق،‮ ‬وكلّ عدو قبله أو بعده قد‮ ‬يصير صديقاً، ‬بل كان واضحا أن ‬موقف إيران‮ ‬من قضية المغرب الأولى،‮ ‬قضية الأقاليم الجنوبية،‮ ‬أسقطت هاته البداهة المعتادة‮ ‬عند جزء من الشارع المغربي‮، ‬ونخبة المغرب،‮ ‬لأن طهران‮ ‬دخلت الحرب،‮ ‬وهي‮ ‬في‮ ‬قطيعة مع المغرب،‮ ‬على قاعدة دعمها ومساندتها انفصاليي‮ «بوليساريو»‮. ‬والمغرب قطع‮ العلاقة مع إيران في‮ 2018، ‬بسبب توفيرها الدعم العسكري‮ ‬والمالي‮ ‬لجبهة البوليساريو‮.‬
‬حيثيات هاته العلاقة‮، ‬التي‮ ‬طبعها المدّ والجزر‮ ‬منذ وصول الخميني‮ ‬إلى السلطة ومعه حكم‮ «‬اللاهوت الدستوري» ‮(‬انظر للكاتب: «إيران وحدود اللاهوت الدستوري‮ ‬في‮ ‬المصالحة مع المغرب»، «العربي‮ ‬الجديد»، 9/7/2024)… ‬عادت حيثيات هذه العلاقة إلى الواجهة‮ ‬بعد إعلان الأمين العام (الجديد القديم) لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، دعمه طهران في‮ ‬حربها مع إسرائيل‮. ‬وتهمّنا هنا حالة الرجل الأول في‮ ‬حزب‮ ‬العدالة والتنمية، ‬الذي‮ ‬قاد الحكومة عشر سنوات متتالية بعد «الربيع العربي»، ‬وهو نفسه كان رئيس الحكومة خمس سنوات تحت مظلّة الدستور الجديد. ‬ولذلك أثار ‬أسئلة كثيرة حول أولوياته الوطنية، عندما تعلّق الأمر بإيران،‮ ‬للظروف التي‮ ‬سبق ذكرها‮. ‬والملاحظة الأساسية في‮ ‬هذا السجال، الذي‮ ‬دخله بنكيران،‮ ‬أنه لم‮ ‬يجد مخاطباً له ليدخل معه في‮ ‬السجال،‮ ‬لا من الطبقة السياسية في‮ ‬الحكومة،‮ ‬ولا من الجانب الرسمي،‮ ‬ولا حتى من الخصوم السياسيين في‮ ‬البلاد. ‬‬لم‮ ‬يجد الأمين العام ‬الخصومَ «التقليديّين» ‬يردّون على دفاعه المستميت‮ ‬عن إيران‬،‮ ‬سيّما أن المواجهة لم تطل، وإيران لم تربط بين حربها والحرب على‮ ‬غزّة،‮ ‬وهذا موضوع آخر. فكان أن تحوّل هجومه دفاعاً لتبرير موقفه.‬
‮‬ومن باب المقارنة،‮ ‬فإن ‬الذين‮ ‬يذكرون حرب المواجهة الغربية العراقية،‮ ‬أيام ‬صدّام حسين،‮ ‬يذكرون التقاطب السياسي‮ ‬الحادّ والكبير في‮ ‬المغرب،‮ ‬عندما واجه الملك الراحل‮ ‬الحسن الثاني‮ ‬طبقةً‮ ‬سياسيةً‮ ‬موحّدةً‮ ‬في‮ «‬الكتلة الديموقراطية»، التي‮ ‬جمعت كلّ المعارضة التاريخية،‮ ‬بأعلامها ووجوهها وسياسييها ومثقفيها.‮.. إلخ، ‬منهم عبد الرحيم بوعبيد ومحمّد بوستّة وعلي‮ ‬يعتة وعبد الله إبراهيم ومحمّد بنسعيد آيت‮ ‬يدر، وغيرهم من وجوه الفعل الوطني‮ ‬السياسي،‮ ‬وقادة المقاومة وجيش التحرير ورموز الصراع‮، الذين دعوا إلى الخروج إلي‮ ‬الشارع‮‬،‮ ‬بالرغم من المنع‮. ويذكرون كذلك أن الملك الراحل وجد من الضروري‮ ‬أن‮ ‬يتوجّه إلى الشارع مباشرة للحديث عن أُخوَّته صدّام حسين، ونصحه له بالخروج من‮ ‬الكويت ‬ليمنع الكارثة. ولعلّ الموقف‮ ‬المغربي‮ ‬الشعبي‮ ‬والحزبي‮ ‬المساند لعراق صدّام‮ حسين ‬كان محكوماً‮‬،‮ ‬في‮ ‬جزء كبير منه، بموقف حسين الوطني‮ ‬الثابت إلى جانب‮ ‬وحدة المغرب الترابية‮‬،‮ ‬بالرغم من خلافه مع النظام الملكي‮ ‬في‮ ‬مواقف عديدة‮.‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 10/07/2025