الشك في الداء وفي الدواء.. والحل هو التعجيل باللقاح!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

في كل أطوار الجائحة، نتمرن على الشك، كما لو أننا أمام سؤال وجودي، لا لكي نكتشف هشاشة الأقدار التي تقودنا إلى مخفر لأسئلة المقلقة أو الأجوبة العتيقة، بل لأن المجهول يجتهد كثيرا في ترتيب خيالاتنا، وتكون النتيجة، في الكثير من الأذهان، ضلال العقل عن ظروف الحياة…
في الفترة الأولى، كان علينا أن نقنع بعضنا بأن الداء الوبائي موجود،
وأن الموت يليه، وليس أجوبة على استنكارات الصدف والتقارير الاستخباراتية وأوهام المتنطعين من المشككين.
كان علينا، في الفترة تلك، أن نجد لقاحا ذهنيا قبل أي لقاح طبي، حتى تستقيم الأذهان لوجود هذا الوباء.
كان الوباء قد عقد صفقته النهائية مع الموت، في تسفيرنا الواحد تلو الآخر، بكل لغات العالم وطقوس الغياب، ونحن في الشك نتساءل: هل حقا هي مزحة الفناء تطل من جديد بوجهها الصيني المجعد، وهل سنصدق بأننا سنموت بهواء عليل؟
في البدء، آمن قطاع من الرأي العام المغربي بأن الداء لا وجود له، تارة
أو أنه مؤامرة دينية تستهدف المسلمين وإغلاق المساجد، وأن الله قد يكون، في محكم قدرته، قد قرر أن يرسل الجنود اللامرئيين، كآخر فوج من أسلحته ضد عباده الذين يحبهم، من أجل معاقبتهم، من أجل أن يستريح الدعاة في مساحة الخيال الواسع للجحيم العام….
وتارة ثالثة، كانوا يرون في الوباء ورشا إمبرياليا، يريد أن يفتح أبوابه ليأجوج ومأجوج جدد، وينتظر رصد مواقف ما بين الجنون والشك الذاتي، والغريب أن الذي يصدق بأن الماء الساخن قد يصيب الجن بالعمى، ما فوق الرابعة وبعد العصر، هو الذي لا يصدق بأن الوباء موجود وأن الدول تعدم وسائلها، في فتراته الأولى، لمواجهته.
وبعد أن أثبت الوباء وجوده، بآلاف الجثث وخسائر فظيعة في الروح والجسد، وأقام الدليل على أنه يستطيع أن يقتل الذي يؤمن به والذي يشك فيه، على حد سواء، وبعد أن أثبت بأنه غير بريء، ولا حاجة للبحث عن مؤامرات في كواكب بعيده لإثبات ذلك..أصبح علينا من جديد أن نقيم الدليل بأن اللقاح …بريء!
قطاعات واسعة، ترفض باسم الدين أو باسم الشك، باسم الله أو بالخوف من الرجيم ،أن تسلم بأن اللقاح بريء وأنه للعلاج وليس للتعقيم الذي يخصي البشرية ويحرمها من الإنجاب…
الذين فهموا التعقيم من العقم، هم الذين ينتصرون الآن في الجانب المظلم من الحرب ضد الوباء..
قضينا مدة غير قصيرة، نعالج الآلاف من الناس، ونحارب شكوكا لا ضرورة لها، سوى ما تزرعه مؤامرات وهمية من خوف في العقول والنفوس.
وانتقلنا الآن إلى معركة إثبات أن اللقاح، إنجاز علمي، وليس وصفة سحرية جاء بها ساحر…
والعالم يقترب من إنتاج لقاح، بعد عام فقط من ظهور هذا المرض الجديد، علينا أن نحيي العلماء في العالم والمتطوعين للتجارب، ومنهم مغاربة كثر، على نتيجة جاءت «بهدف تحقق بفضل أبحاث خيضت بسرعة قياسية، على الرغم من أن العديد من نقاط الاستفهام لا تزال قائمة«.
دول كثيرة قطعت أشواطا كبيرة نحو التلقيح ونحو تعميمه، والأسئلة التي تشغل العقول البشرية الحية، المحبة للعقل وللانتصار به وبواسطته على ما عداه ، غير التي تشغل بعضنا..
* المساواة بين الدول الفقيرة والغنية في الحصول على اللقاح.
*لم تكشف الأرقام إلا في بيانات صحافية، ومن دون نشر بيانات علمية مفصلة.
* الفعالية ليست كل ما يؤخذ بعين الاعتبار، بل الأثمنة أيضا وأساسا…
وبحسب تصريحات خبراء من منظمة الصحة العالمية وخبراء الفيروسيات أنفسهم فإن أسئلة كثيرة لا تزال معلقة.
– السؤال الأهم : مدى فاعلية اللقاح على المدى الطويل، وذلك لأن الحسابات الصادرة أعدت فقط بعد أسبوعين من تلقي المتطوعين للجرعة الأخيرة.
وتتساءل الخبيرة البريطانية بيني وارد من جامعة الملك في لندن، كما نقل عنها مركز الإعلام العلمي «كم من الوقت تدوم الحماية؟ هل سيتمكن الفيروس من التحول للتهرب من اللقاح، وهو ما سيحد بالتالي من فاعلية التطعيم؟».
سؤال آخر أساسي يطرح نفسه: ليس واضحا بعد ما إذا كان اللقاح يتفاعل بالطريقة نفسها مع فئة السكان الأكثر عرضة للخطر، بدءا من الأشخاص الكبار في السن الذين يملكون نظاما مناعيا ضعيفا، وهؤلاء أكثر عرضة للإصابة بشكل خطير من أشكال المرض، ولذلك من المهم أن يكون اللقاح مفيدا لهم.
السؤال الأخير يتعلق بمعرفة ما إذا كان اللقاح يمنع نقل العدوى، بالإضافة إلى التقليل من شدة المرض لدى الذين تلقوه.
إن الذي سيعطي الحجة أكبر هو اللقاح ذاته، كما كان الوباء هو حجتنا في وجوده!
اليوم، الذي يريد أن يمنع الناس باسم الله والدين ومخططات سماوية، سيعرف بعد التلقيح أنه كان يدعو الناس إلى الانتحار …
والانتحار حرام في ديننا، ولن نحتاج إلى أن نذكره بأن كل لقاحات الأرض كانت في البداية عرضة للتشويش والتشهير والتشكيك، لا لشيء إلا الجهل المتعالم، والجهل المركب الذي لا يعرف أنه جهل..
لا بد من تعجيل التلقيح، لأسباب إضافية غير هذا الإفحام، بل لكي تتنفس بلادنا جوا آخر ونخرج من احتمالات الداء إلى احتمالات الدواء…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 01/12/2020