المغرب: المونديال، والبنك مونديال وصندوق النقد.. المونديال!
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
على عكس ما قد يتبادر إلى ذهن إنسان عاد، غير خبير لا بكرة القدم ولا بالأبناك، لا تعتبر صورة المقابلة التي جمعت لاعبين قادمين من ميدان كرة القدم، ومسؤولين في البنك الدولي، صورة لناس قادمين من كوكبين مختلفين ؟
فهي في الواقع تكاد تكون صورة عائلية، من حيث الواقع الحالي ومن حيث مكان احتضانها وهو المغرب، تنبهنا إلى ما تعلمه الاقتصاديون من الرياضيين وبعد ما كان الاقتصاديون يفسرون للرياضيين قواعد الاقتصاد الرياضي؟
لم تكن صورة المباراة الكروية، بين أعضاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وعلى رأسه كريستالينا جورجييفا ، مجرد صورا للطرافة المستعادة في مدينة مراكش، بل لعل ما تحيل عليه أكثر جدية، عندما نستحضر العديد من النظريات الاقتصادية التي استخلصت قوانينها من اللعبة الأكثر شعبية في العالم.
كانت الصورة، ولا شك، رسالة حب ومودة وسعادة باحتضان المغرب لكأس العالم، في الوقت نفسه الذي يحتضن فيه اجتماع صناع هذا العالم، من رجال مال وأعمال واقتصاد، لكنها في الوقت ذاته أعادت إلى الأذهان مغامرات معرفية ومالية جدية، في محاولة استنباط قوانين الاقتصاد انطلاقا من كرة القدم: ذلك الرهان الذي خلده الاقتصادي المشهور اغناسيو بالاسيوس هويرتا في كتابه «تفسير الاقتصاد بواسطة كرة القدم»، أي دراسة الاقتصاد انطلاقا من كرة القدم، بعيدا عن ما اعتدناه من تفسير الكرة بالاقتصاد أوالاقتصاد الرياضي في ملاعب العشب الاصطناعي.
من المحقق أن اللاعبين في مباراة الترويج للمنتدى الدولي، من كبار الأسماء ومن صناع النهائيات الكبرى، لهم في كل يوم «مونديال» في البورصات وفي الوزارات والبنوك، وفي الأسر كما في قصور الحكم من مختلف الأنظمة.
مرة واحدة يمكن أن نجمع الاقتصاد وكرة القدم، وهي الرسالة الأعمق، هذا التزامن ترجمة عملية لما قد يكون مغامرة فكرية في علوم الاقتصاد، ولعل الرسالة الوحيدة هو لقاء العالم، كرويا وماليا واقتصاديا في مراكش الجميلة، التي روعها الزلزال وخرجت منه إلى عالمية أوسع.
وكما يحدث في المنافسات الرياضية، سيكون اللقاء، بلا شك، مناسبة سانحة للنظر والدراسة لبعض الأطروحات الاقتصادية الدولية، كما أن الاقتصاديين وأصحاب القرار أمثالهم يستحضرون روح اللاعبين باعتبار التنافسية الكبرى الموجودة، ووجود فاعلين تحدوهم روح النجاعة، ولهم كفاءات عالية، وينشطون ضمن قواعد لعب واضحة وصارمة وقارة لا تتغير بسهولة، والدليل أن الصندوق والبنك يعملان بحكامة دولية معروفة منذ مدة، لم تتغير بالرغم من مرور أزيد من ثمانين عاما على إرسائها بعد الحرب العالمية.
واليوم يتحرك البريكس من أجلها بكل قوته وما زال هذا طلبه، بل إن دول البريكس حاضرة بقوة في اجتماع مراكش…
وهنا نذكر بأن المغرب سيلعب الدور الأهم في احتضان النقاشات التي تريدها البريكس، باسم إفريقيا، بدلا من جنوب إفريقيا، التي سعت إلى ذلك بطرق ملتوية وخلفت الكثير من الأمواج، وقاطعها المغرب..
ونحن ندرك اليوم بأن النظام المالي العالمي ومعه البنك الذي يحرسه، يتحرك ضمن إنجازات جد موضوعية، وصارمة بلا لبس ولا دوران، تكون النتيجة المرقمة فيها هي ذات الدور الأكبر… كما هو حال كرة القدم..
وعليه: راقب زياش في الملعب وستجد وراء حركاته قوانين اقتصادية، وراقب قتالية امرابط وستكشف قوانين تخص سوق الشغل، ولعل ميسي ورونالدو أكثر قدرة على تفسير بروفايل المقاول الجديد من خلال صدات الكرة وترتيب الهجوم..
وفي الحدث، يبدأ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ أمس الاثنين أول اجتماعات سنوية في القارة الإفريقية المستقلة، وفيها يدرسان مسارات التحول الذي ينتظر حدوثه ولاسيما «ضغوط لاعتماد إصلاحات تتيح توفير مساعدة أفضل للدول الفقيرة المثقلة بالديون والرازحة تحت تداعيات التغير المناخي».
في الحدث ودوما، يعكس الاجتماع المركزي وما يتفرع عنه، الثقة الكبرى في المغرب، من لدن الفاعل الدولي، المالي، والبنكي، لا سميا وزن المدينة الحاضنة التي امتحنها الزلزال وامتحن معها المغرب كله، كما امتحن من جهة ثانية هذه الثقة، وتبين أن 7 درجات على سلم ريشتر لم تصبها بأية شروخ ولا اهتزازات ولا ارتعاشات.. وطوال أسبوع كامل سيجتمع وزراء المال وحكام البنوك المركزية ورؤساء شركات وشخصيات أخرى، بعد شهر من زلزال عنيف قضى فيه نحو ثلاثة آلاف شخص في المنطقة.
وكلهم يحذوهم إلتزام مفعم بالعمل وبالتطلع إلى قرارات لفائدة إفريقيا (لا تزال القارة الإفريقية تواجه سلسلة من التحديات تراوح بين النزاعات والانقلابات العسكرية والفقر والكوارث الطبيعية)، أولا ثم لفائدة الدول الفقيرة والنامية ثانيا (57 % من أفقر دول العالم مضطرة إلى خفض الإنفاق العام بما مجموعه 229 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. حض الدول الغنية والقطاع الخاص على بذل المزيد لمساعدة الدول النامية )، ثم لفائدة التوازن المالي في العالم ثالثا (الاجتماعات فرصة لإصلاح نظام الحصص المعمول به.).
بالنسبة للجانب الإفريقي، يتأكد أن المغرب يكرس دوره كمُفوَّض من طرف إفريقيا في قضايا المال كما هو مفوض في الهجرة والمناخ، أما في الجانب الخاص بالتدبير المؤسساتي، نذكر أن المغرب راكم الكثير من أدبيات النقد الدولي، من قبيل اجتماع المؤسسات السيادية في الرباط وفي مراكش نفسها..
وللتاريخ فهذا الاجتماع يحيل على اجتماع تأسيسي، احتضنته مراكش نفسها في أبريل 1994 هو اجتماع ميلاد منظمة التجارة العالمية، والذي تزامن مع منعطف النيوليبرالية في المغرب.
بل إن الفترة كانت إيذانا بميلاد روح جديدة بالنسبة للمغرب (الانفتاح ـ الخوصصة ـ التبادل الحر) واتفاقيات محورية للاقتصاد الوطني، كما هو حال الاتفاقية مع منظمة التجارة العالمية… وتولد عنه – مع العهد الجديد ـ ما يسمي بـ «الحمى الاستراتيجية» التي عبر عن الحاجة إليها تقرير التنمية البشرية بخصوص خمسينية تنمية المغرب المستقل.
ولعل المنعطف النيوليبرالي مع الدولة الاجتماعية سيتولد، من الآن مع النموذج التنموي الجديد وما يأتي به من مقومات اجتماعية وتنموية، بالرغم من المفارقة الظاهرة…
ولعل اللحظة ربما هي لحظة لتكريس القوة الإقليمية الإفريقية وخطاب الدولة الاجتماعية وتمويلها.. كما كانت لحظة الخمسينية مناسبة لامتلاك خطابات المعارضة وتقرير السكتة القلبية الصادر عن البنك الدولي في 1995، وعليه ستكون المحطة الحالية مناسبة لتملك القوة الإقليمية وتمويل هذا الدور واقتراح الطريق إليه..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 10/10/2023