المغرب والبرازيل: أكبرمن اتفاق

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

صار من الطبيعي، في العلاقة الديبلوماسية المغربية، الذهب أبعد من تقاليد العمل في الشؤون الخارجية، أو أعرافه في كل خطوة تتم.
ولعل الاتفاق المعروض اليوم على المؤسسات في البرازيل، بخصوص الاتفاقيات السبع الرئيسية يحيلنا الى مقاربة أبعد تستحضر أحد عناصر التحليل الديبلوماسي، وذلك عبر تحديد « مقومات الهوية الاستراتيجية المغربية « في أمريكا اللاتينية. وبهذا المعنى فإنه في الواقع لا يمكن حصر التعاون المغربي – البرازيلي في منحنى تطوري ثنائي لعلاقات بلدين يحترمان بعضهما البعض، ويسعيان معا إلى تموقع دولي ناجح، بل باعتباره مقوما من مقومات Çáعلاقات مع أمريكا اللاتينية¡ وربما اعتبار الاختيار البرازيلي للمغرب ، رأس الجسر نحو قارة في وضع تحولات سياسية ومؤسساتية تعيد تشكيلها باستمرار.
بالنسبة للموضوع الحالي، ( لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ تصادق على اتفاقية تعاون في مجال الدفاع مع المغرب)فإن الوضع الحالي متقدم بمقتضى اتفاقيات متعددة بين برازيليا والرباط تغطي «مجالات مختلفة من الاستثمار إلى الدفاع ، مرورا بالمساعدة القانونية المتبادلة وتجنب الازدواج الضريبي على النقل البحري والجوي».
ومن المحقق كذلك أن من يقارن هذه الاتفاقية مع غيرها، سيجد ما أصبح يعتبر في الأدبيات الديبلوماسية بـ»أسلوب مقاولاتي في العمل الدبلوماسي» نجح في القارة الافريقية حيث شهدنا اختراقا منقطع النظير، وفي العلاقة مع الاتحاد الأوربي وبعض القوة الآسيوية(الصين والهند واليابان خصوصا).
غير أن المغرب اختار أن يتواجد في القارة اللاتينية، ومنه في النظام الدولي، من موقع الاعتدال والتعاون، وعليه تستدعي العلاقة مع أمريكا اللاتينية ضرورة تحديد التوجهات التي تأخذ شكل أطروحة ديبلوماسية ضمن نسيج متكامل.
يلاحظ المتتبع المكانة التي نالتها الانشغالات العسكرية في الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، وهي انشغالات أمنية واقتصادية وعسكرية بتفرعاتها الممكنة والتي تفضي إلى تحديد الإطار المبدئي لطبيعة التصور الذي يحكم الديبلوماسية عبر بناء «معايير العلاقة الدولية» في خدمة المصالح المشتركة:
1 – بالسنبة للبرازيل، لقد اقتضت المصالحة الوطنية أن ينأى المغرب بنفسه عن «التخندق الإيديولوجي» في العلاقات اللاتينية، ويحاول تكسير الاحتكار الذي كان يتمتع به الخصوم في المنطقة.
ولعل المتتبع لن ينسى لحظتين اثنتين مهمتين في العلاقات، لعل أهمها الزيارة التي قام بها جلالة الملك إلى القارة، وزار خلالها خمس عواصم مركزية كانت من بينها برازيليا في 2004.
والمشهود اليوم للعملاق اللاتيني بأنه صار قوة صاعدة تتقوى باستمرار كمركز ثقل استراتيجي (مجموعة البريكس)
ويسعى خصوم المغرب، كما حصل في القمة الأخير ة بجنوب افريقيا الى إسقاطها في فخ الصراع معه في قضيته الوطنية.(موضوع سنعود إليه ).
علما أن دولتين على الأقل من مجموعة بريكس ليستا على قناعة مطلقة بالانفصال وهما الصين والبرازيل.
2 – البرازيل من الدول المتنامية القوة ولها في بلدان الكارييب، التي تشغل نفس الاهتمام عند المغرب، مكانة المحيط الحيوي الذي لا يمكنها العيش بدونه‫..‬
ـ البرازيل قطب الرحى اللاتينية، شكلت الى جانب الشيلي والبيرو والأرجنتين والمكسيك، ‫موضوع ÇÓÊåÏÇÝ ‬ديبلوماسي ملكي، كان من نتائجه ‫قراÑ ثنائي ‬شكل حدثا‫:‬ وهو قرار عقد القمة العربية ‫-‬ اللاتينية ، والذي تم بتنسيق بين البلدين، وهو مقدمة لما اعتبرته الديبلوماسية المغربية هدفا بعيد الأمد يروم خلق نقطة تلاقٍ‫(‬ هوب‫)‬ إقليمي بين العالمين العربي والإسلامي من جهة ، والعالم الإيبيرو- اللاتيني من جهة ثانية. ‫
3 – تشكل البرازيل كغيرها من دول لاتينية، منطقة نفوذ تتأثر بالمواقف الإسبانية، لاعتبارات تاريخية وأخرى لغوية وثالثة اقتصادية وإنسانية، ويمكن القول إنها لن تبقى في منأى عن التأثير الإيجابي لمدريد في قضية وطنية، وفي مصلحة اقتصادية مشتركة‫..‬
4 – للمغرب ورقة بشرية وثقافية مهمة داخل البرازيل تتمثل في لجالية اليهودية المغربية التي استقرت في القرنين 18 و19 في البرازيل والبيرو والأرجنتين وظلت على علاقة مع الوطن الأم. ‫‬
وقد سبق لنا أن عشنا بعضا من تفاصيل هذا الرباط الإنساني العميق، والذي يتجدد بمناسبات دينية، سواء خلال المؤتمر العالمي للشباب والديموقراطية في فنزويلا، أو من خلال الزيارة الملكية الى البرازيل مع وجود أزيد من 20 ألف مغربي يهودي استقروا في الستينيات من القرن الماضي في كل من البرازيل والشيلي والمكسيك ‫..(‬انظر مقالة يسرى أبو رابي في موقع جاك بيرك‫)‬
لقد صار من الضروري تركيب الصورة كاملة في العلاقة مع البرازيل وصياغة إطار نظري لمقومات الفعل الديبلوماسي في القارة اللاتينية أو في غيرها لفهم تطلعات المغرب من وراء الطريق السيار لدبلوماسيته ومع أمريكا اللاتينية عموما، بعيدا عن «الحدثي والعابر» evenementiel، مع معالجة درجات القصور أو الاختلال والتي لا تنقص من أهمية ما يحدث في شيء‫.‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 03/05/2023