المغرب ومفارقات سنة على الحرب الروسية الأوكرانية

مرت سنة على الحرب الأوكرانية الروسية، وقد كانت سنة استراتيجية بامتياز، في تحليل إسقاطاتها على مختلف الكتل الدولية، كما كانت سنة استراتيجية من حيث عودة
مفاهيم ـ مفاتيح، من قبيل السيادة الوطنية والدولة الوطنية في كل تجلياتهما.. قراءة الحرب مغربيا تقودنا إلى بعض المفارقات، حيث أثبت المغرب كدولة قدرة هائلة على تدبير إسقاطاتها، بل التفاعل اليقظ معها، بدون أن يفقد بوصلة قواعده الديبلوماسية المعروفة، ولا المس بتوازناتها.
في القضية الوطنية، التي صارت بالنسبة للمغرب هي زاوية المعالجة لكل التطورات، أثبت المغرب دُرْبة عالية في تدبير التناقضات الحادة التي خلقتها الحرب. فقد مر موعدان (أبريل وأكتوبر) منذ اندلاع الحرب، لهما علاقة بالقضية الوطنية.. ولم تتغير المعادلة التي حصل عليها المغرب في مجلس الأمن، تصويت 13 من أصل 15 عضوا لصالح القرارات التي تخدم المغرب .
وكان لافتا أن الصين وروسيا، اللتين توجدان اليوم، جيوستراتيجيا وعسكريا، في مواجهة مع باقي دول الغرب وفي قلبها حلف الناتو، لم تغيرا من موقفهما، بل ظل المغرب على نفس المسافة معهما في إطار تنويع شراكاته الاستراتيجية.
ولم يسبق أن عادت الحدود الفاصلة بين المواقف إلى حدتها ووضوحها كما كانت عليه في الحرب الباردة، كما هو اليوم مع الحرب الساخنة في أوكرانيا. ومن المفيد جدا أن نتأمل حفاظ المغرب على توازناته الجيوسياسية في زمن متقلب، يتحدد على سؤال واحد شبه بديهي: من معي ومن ضدي؟
في الجوار القريب، كانت الحرب، إلى حد ما، غربال تصفية وإعادة تشكل في المنطقة المغاربية والأورومتوسطية، وصار الغاز .. تاج السياسة الأوروبية الجديدة، على ضوئه تخاض المعارك السرية منها والعلنية، بل اتضحت هشاشة الدول وسياساتها على هذا المعيار، واكتشفنا أن أصدقاء عتيقين قد يتحولون بين عشية وضحاها إلى ألد الأعداء…
ومنها دولة فرنسا التي سعت إلى لعب دور «الضابط الإقليمي «للإيقاع السياسي في المنطقة بدلا من دولها، بأفضليات ظهرت للعيان على ضوء الغاز والوقود…في تعويض سيكو ـ مصالحي عن فقدان إفريقيا…
ومن تغيرات المنطقة التي وجد المغرب نفسه داخلها، هو التحول الذي حصل منذ الاتفاق الثلاثي مع إسرائيل وأمريكا. نحن في تحولات عرفت ما لم يكن مستساغا (تقارب تركي سعودي إماراتي، وعودة الدفء إلى علاقة تركيا مع إسرائيل، وتقارب سوري إماراتي.. إلخ )، بالتالي كان على المغرب تدبير ما بعد الاتفاق وتدبير التحولات الحاصلة في المنطقة، في الوقت الذي كان الجوار ( ولا يزال) يعتبر الحرب هبة من السماء أعادت تدفقات البترودولار إلى الخزينة وجعلت الجوار مخاطبا( وإن لم يكن ذا مصداقية دوما) في المنطقة. وكان من نتيجة ذلك أن صار المغرب الكبير أبعد في زمن الحرب أكثر من زمن السلم!
وما زالت نخبتها الحاكمة تعتقد بأنه يمكن أن تلعب دورا ما في ملف المحروقات، كما يرى بعض المحللين بهدف مركزي هو .. التشويش على المغرب ومحاربته!
داخليا، عصفت الحرب بغذاء الكثير من الطبقات، أو نقصت منه كثيرا، حيث دخلت الحرب إلى بيوت المغاربة، دخلت عن طريق القفة، وعن طريق أسعار المواد الغذائية، دخلت الحرب عن طريق الطاقة والوقود.
والحرب كانت إحدى ذرائع الحكومة في محاججة الرأي العام الوطني، وعموم الناس. فهي، أي الحكومة، تشهر الكوفيد، والطقس (ماطرا كان أو جافا) والحرب، كأسباب لما عرفته البلاد من مخاضات في الأسعار وفي إسقاطاتها الاجتماعية¡ في الدفاع عن أرباح الموزعين من أهل النفط والغاز، وعن تبرير اللهيب الذي اشتعل في أسعار الخضر والمواد الغذائية عموما…
وعلى المستوى الإنساني وجد طلبة مغاربة في أوكرانيا أنفسهم عالقين، وسط معادلة مركبة، بين المصير المجهول وبين تردد الحكومة، وهي قضية إنسانية وأسرية وأكاديمية معلقة، تسائلنا في الداخل وتنتظر أن تخرج الحكومة من مواقف الريبة والشك والتعالي، إلى البحث عن حل يساهم في تطمين الأسر وأبنائها وبناتها…
وبدا أن ما أثبتته الدولة من قدرة على التحرك المنتج، رافقه تعثر حكومي في تدبير المجال الوطني الخاص بها، ولاسيما في قضية الأسعار وما خلقته من توترات….
الحرب، مرت سنة عليها، وبان العالم كما لو أنه يدخل نفقا جيوستراتيجيا لا تفسره كل معادلات السياسة، كما أن الرأي العام الوطني في الكثير من الدول ومنها المغرب، ظل حذرا ومشككا في دوافع الحرب، حيث طالما عاش في لحمه وروحه «الكيل بمكيالين» كما سنها الغرب. ونعيش إحدى تجلياته في المواقف من المغرب داخل البرلمان الأوروبي وفي الدوائر السياسيوـ إعلامية في المحيط الفرنكوفوني..