الموتور الذي يخفي (قانون) الغابة!

عبد الحميد جماهري
آخر إبداعات الأغلبية: حزبان« مترادفين على موتور»!
==
ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن «دراجة نارية» (موتورا) مستوردا يمكنه أن يحدث من الضجيج السياسي، أكثر مما يثيره .. التي جي في أو القطار السريع عويطة أو حافلات الستيام!
ويمكن أن يتحول، في البلاغة السياسية المتداولة،إلى شجرة.. تخفي غابة الهواية السياسية التي تحكم المجال العام.
لا أحد اليوم يجهل قصة الموتور والسرعة.
ولا أحد يمنع نفسه من غير قليل من الفكاهة والتفكه وهو يربط بين الطريقة(المتسرعة والسريعة) في المعالجة الحكومية لقضية السرعة المتعلقة بالدراجة المستوردة بعد انتظار دام 15 سنة لقانون منظم لجولان هاته الدراجات!
في النقطة الأولى، جاءت القصة، السرعة وآلة قياس السرعة السبيدوميتر.. بعد أيام قليلة من خطاب ملك البلاد عن المغرب الذي يسير بسرعتين، ولم يعد له مكان في المخطط الملكي لتأهيل البلاد. ولهذا لم يتمالك الكثيرون، ومنهم العبد الفقير لربه، من التعليق الساخر بأن التصرف الحكومي يكشف الكيفية التي تترجم بها الأغلبية وخاصة حزبا التجمع والاستقلال، حديث ملك البلاد عن مغرب السرعتين!
اتضح أن الاتفاق بينها هو أن تكون السرعة
سرعة الموتور المستورد، المحددة في 50 كلم في الساعة..
ولكن القرار المتضارب كان بسرعة فائقة:نعرف أن القرار الذي أصدرته «لانارصا» خلق الفزع وتراكم الدراجات فوق بعضها البعض عند نقط الحجز والتفتيش، وهو الأمر الذي دفع رئيس الحكومة إلى الدخول مباشرة في المعترك، وتلاه بعد ذلك خروج وزير النقل قيوح من صمته وإصداره بلاغا يسير في اتجاه رئيس الحكومة..
وقد كان ممكنا من البداية أن يستعمل رئيس الحكومة هاتفه ويتصل بوزير النقل ويسأله: آش داكشي واقع عندك ف القطاع؟
ويجيبه الآخر بما يشرح به الأمر، ثم يتفقان على مذكرة لتصحيح الوضع والتنفيس ونزع فتيل التوتر عن الموتور وما جاوره.
لم يحصل ذلك وما كان له أن يحصل، لأن الهدف هو السباق الانتخابي، الذي لا قانون سياقة فيه سوى.. ادهسني ندهسك!
المزحة الثانية هي أن الرقابة كشفت عن« غابة» تسير بلا قانون، في الواقع، وأن« التفسخ« الحكومي في المعالجة، الذي يكشف التسابق بأي وسيلة نقل سياسية ممكنة، هو في الواقع تغطية على حكاية أخطر تتعلق بالسوق نفسها!
أي أن وراء الدراجة ما وراءها: ”دراجة..بكامونها”.. بحال دجاجة بكامونها في المثل الشعبي.يستغني منهم المستوردون بدون خوف من القوانين.
الموتورات تدور صناعتها واستيرادها بمبالغ مالية رهيبة.
ولسنا ندري كم من المستوردين ترسو عندهم الصفقات وما إذا كانت تشبه صفقات استيراد اللحوم والأضحيات.
ولكن الثابت أن القضية تستوجب « الصرف الصحيح» .
. والصرف صحيح..فيها وحتى بين أحزاب الحكومة..كل واحد يرد الصرف للآخر.
الأحرار يغتنم الفرصة ليرد الصرف للاستقلال الذي سبق له أن صرف فيه» … التفرقيش« من قبل!.
وطبعا ينتظر الشعب المغربي المسكين من سيذبحه..على سنة الله ورسوله في الأضحيات وعلى سنة اقتصاد السوق في الموتورات!
المزحة الثالثة هي بلاغ وزارة النقل والتجهيز والذي عللت به القرار الذي سرع العقوبات وتنفيذ قانون آلية السرعة، وفيها يرد بأنه يسعى إلى «”إتاحة مزيد من الوقت لمعالجة الإشكالات المرتبطة بتنزيل المقتضيات القانونية بشكل متدرج وواقعي”، وأن الوزارة ”ستواصل حملات التوعية والتحسيس بمخاطر حوادث السير»!!
ممتاز: ولكن هل قالت الوزارة الحقيقة كلها، أي أن القانون صودق عليه منذ 15 سنة دون أن تُستكمل مراسيمه التطبيقية، وعلى رأسها رخصة السياقة الخاصة بهذا النوع من الدراجات. وهو ما جعلها متاحة للاستعمال من طرف الجميع، بمن في ذلك الأطفال والمراهقون(انظر مقال الاتحاد الاشتراكي في عدد السبت والأحد)؟
طبعا لم تشر الحكومة إلى هذا التأخير الذي يقارب ثلاثة ولايات في عمرها!
ومن وراء ذلك كله، نشم وجود عمليات تدوير رهيبة، وبما أنني لم أملك طوال حياتي موتورا واحدا ولا اقتربت من الاستيراد من قريب أو بعيد، فقد سألت الزميل عماد عادل الذي دلني مشكورا على أربعة نقط سوداء هي كالتالي:
النقطة السوداء الأولى تتعلق بمرحلة الاستيراد، حيث يفترض نظريا أن تخضع كل دراجة مستوردة لمساطر دقيقة من مطابقة تقنية وتجارب مخبرية ومحاضر مصادقة صادرة عن المركز الوطني للاختبارات والمطابقة. غير أن الواقع في المغرب مختلف تماما، إذ تدخل آلاف الدراجات إلى السوق عبر الموانئ، أحيانا مفككة أو مصنفة تحت بنود جمركية لا تعكس حقيقتها التقنية، فتفلت من الرقابة وتُضخ في السوق وكأنها قانونية بالكامل.
النقطة السوداء الثانية تخص المصادقة، حيث يفترض أن أي دراجة لا تُستعمل على الطرق العمومية إلا بعد الحصول على ”رخصة النوع” أو ”الرخصة الفردية” مرفقة بشهادة مطابقة. لكن ضعف التنسيق بين المتدخلين وتعدد النماذج وانعدام الربط الصارم بين مراحل المصادقة يفتح الباب أمام تسجيل دراجات قد لا تحترم أصلا المعايير القانونية.
النقطة السوداء الثالثة تظهر في مرحلة الترقيم، إذ رغم صدور البطاقة الرمادية، تبقى ثغرات التنفيذ قائمة، مايسمح بدراجات غير مطابقة بالوصول إلى أصحابها كأنها قانونية، قبل أن تواجه الرقابة الميدانية لاحقا.
النقطة السوداء الرابعة ترتبط بالسوق الداخلية وورشات التعديل، حيث تنتشر ورشات التعديل وبيع قطع الغيار غير المضبوطة، ما يجعل التلاعب بالخصائص التقنية أمرا شائعا وسهلا ومعمولا به على مدى واسع منذ سنوات. وفي غياب رقابة صارمة على هذه الورشات، تتحول دراجات مطابقة في البداية إلى مركبات سريعة وخطيرة لاحقا، ومن وراء هذا نستشف بأن المواطن، بالرغم من مسؤولياته الفردية النسبية في ما يترتب من حوادث، فإنه هو نفسه قد يكون ضحية المتلاعبين الكبار، لاسيما إذا لم تكن له سابق معرفة بتعديل المحرك، ومدى موافقته للقوانين…
أكاد أجزم بأن حوادث الأكباش والموتورات لن تكون معزولة وبأننا سنتبع فصولا كثيرة من التسابق الانتخابي، بين الأغلبية «المتماسكة والقوية والمنسجمة» كما عودتنا بلاغات الأغلبية.. قبل وصول استحقاقات مجلس النواب.
يبقى فقط أن تحدث خلافات في السرعة التي ستسير بها الأمور: سرعة التي جي في أو سرعة السير على الأقدام أو السرعة الموحدة التي اتفقت عليها الأغلبية، أي .. سرعة الموتور والأغلبية« مترادفين عليه«!!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 25/08/2025