النقاش الحي.. في واقع السياسة وأفق الدستور! -3-

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لا بد من طرح سؤال الحامل الطبقي للدستور؟
أي من هي الطبقة الاجتماعية التي يتوجه إليها الدستور ويتجاوب معها أو تجد نفسها فيه؟
ولا بد من طرح سؤال ما تكشف عنه حالة اللا تطبيق الدستورية التي نشاهدها في العديد من القوانين، كما هو حال قوانين المرأة والمهاجرين والديموقراطية المباشرة والحريات الفردية، كما ناقشتها وتناولتها الأستاذة البرنوصي…
بالنسبة للسؤال الأول اعتبر عبد لله ساعف بأن الطبقة الوسطى والطبقة الوسطى العليا هي التي وجدت نفسها في الدستور الجديد، مقابل فئات أخرى ما زالت مترددة نحوه تساءل سؤالا ماكرا: لماذا نجد أن أصحاب المال يمولون الإعلام الراديكالي؟؟؟
مقابل ذلك توقفت الأستاذة البرنوصي عند « التوافق» كآلية وطنية مغربية في صناعة الدستور، وبالتالي أعطتنا حالة من الرخاوة وتأجيل الكثير من القضايا إلى زمن لاحق، وأغرقت الكثير من الأسئلة الجادة في الحدود الدنيا، زاد من طابعها الرخو الثقافة الإصلاحية المغربية التي تكون ثقافة ثنائية، مختلطة، تعتمد الخطوات الصغيرة المحسوبة.
إن هذا النقاش، العميق والمصيري، قد لا يتاح لدى العديد من المنظمات السياسية، بما فيها المعارضة بالأحرى الأغلبية.كما قد يدون في خضم الأسئلة الظاهراتية، التي تسيطر على الفضاء العمومي، ولا يمكن إلا لحزب حي، متفاعل مع الأفق الإصلاحي يملك محركات إصلاحية في ذاته أن يطرحها لما فيه خير السياسة والدستور.. والوطن.
ختاما لا يمكن أن نغفل القصة التي ختم بها عبد الله ساعف ردوده، وهي قصة قد تبين أحيانا مكر التاريخ ولحظات الإصلاح.
يقول ساعف: «كنا في لجنة صياغة الدستور، وكنت شخصيا مكلفا بمؤسسات الحكامة، وقد توصلنا إلى شبه إجماع حول نص يتعلق بالعلاقة بين الملك ورئيس الحكومة وإقالة الحكومة والوزراء. وقد حصل الإجماع تقريبا حول الصيغة التالية، يمكن لرئيس الحكومة إقالة وزير أو إقالة الحكومة ويخبر صاحب الجلالة بذلك.
وحصل أيضا شبه إجماع حول سحب الثقة من طرف البرلمان يقول نصه: «يمكن للبرلمان أن يسحب الثقة من الحكومة ثم يخبر الملك بعد ذلك.
وشخصيا تعجبت لهذا الإجماع المغربي في ذلك الوقت. وكنت قد طرحت على رئيس اللجنة بغير قليل من الجدية: «زعما هذ الصيغة غادا ادوز؟».
بعدها افترقنا على أساس اللقاء يوم الاثنين الموالي. وجدنا في قاعة الاجتماع مذكرة موضوعة على الطاولة، كانت هي مذكرة تقدم بها الاشتراكي الموحد، الذي كان قد قاطع أشغال اللجنة. رئيس اللجنة عرض المذكرة، وفيها أن رئيس الحكومة يمكنه أن يقيل الوزراء أو الحكومة بعد موافقة الملك».
وقد تعللت القوى التي أرادت التراجع عن الإجماع الحاصل حول صلاحية إقالة الحكومة وسحب البرلمان للثقة فيها، بهذه الوثيقة، كما لو أنها أرادت أن تقول: لقد ذهبت اللجنة الملكية أبعد من الحزب اليساري الراديكالي».
ولعل من الفراغات القاتلة هو الفراغ بين الدستور وحامله السياسي، فالأحزاب التي نجحت في الإصلاحات ليست هي التي فازت بالانتخابات، وبالتالي أسندت الوثيقة لمن لا يجعلها أولوية في الصيغة الأولى وتلك قصة أخرى تتعلق بدور الانتخابات في تقوية أو إضعاف الإصلاح نفسه مفارقة مغربية أخرى: الديموقراطية التمثيلية لإضعاف الإصلاح نفسه بدون حرب مفتوحة ضده..
ومن مفارقات الصلاح المغربي أن السياسة اليوم، والطبقة التي تحمل مشاريعها، تعطل الدستور، للاسباب المذكورة أعلاه أو لوجود فجوة كبيرة بين طموحات الدستور وطموحات الاحزاب في الإصلاح ومدى تجذره في ثقافتها…
حدث ذلك مع الدستور في 2011، والذي انتبهنا من بعد 14 سنة بأننا أهذرنا احتياطه لفائدة الحسابات السياسية ( طرف محافظ يبحث عن تطبيع وجوده أجل التطبيق التقدمي للدستور) يتحدث حاليا مع أفقه الاجتماعي الاقتصادي بإسناد مهمة الدولة الاجتماعية لمن لا يحملها في جيناته( النيوليبراليين) حتى بتنا نتلمَّس نوعا من «التعايش» بين القناعة الاجتماعية الديموقراطية للدولة في شخص رئيسها والتأويل التدبيري النيوليبرالي لرئيس الحكومة، المفترض فيه تنفيذها…
وعندما تتغير الأولويات لفائدة الجمود فإننا نكون في طور ضياع المستقبل بضياع الأفق المفتوح للاصلاح والاصلاحية..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 03/07/2025