النمسا: دلالات الزيارة وبياناتها..

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

بإعلان المستشار الفدرالي للنمسا، من الرباط، عن دعم الحكم الذاتي واعتباره مساهمة جادة ذات مصداقية في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، تكرست العاصمة المغربية كصانعة للحدث الدولي بخصوص القضية الوطنية الأولى.
ولم تعد العواصم الأخرى التي تعنى أو تعلن اعتناءها بالقضية هي المركز، منذ أن تم الإعلام من المغرب عن المواقف العادلة للدول الأساسية في أوربا من قضية المغرب.
قبل ذلك كانت الولايات المتحدة، وبعدها كانت دول من أوربا.. منها تنطلق التحولات الاستراتيجية في القضية.
ثانيا، يأتي الموقف النمساوي، من عمق أوروبا، التي تناسلت فيها المواقف الجدية والداعمة، حيث تجاوز عددها 12 دولة، في قلبها إسبانيا وهولندا وقبرص ولوكسمبورغ والمجر ورومانيا والبرتغال وصربيا وبلجيكا والجارة الكبيرة للنمسا ، ألمانيا …
ثالثا، هذه المواقف وجديدها موقف فيينا تتجاوب مع الدعوة التي وجهها المغرب، وجددها السيد وزير الخارجية ناصر بوريطة، إلى دول أوروبا، وهي دعوة مزدوجة في الواقع:
من جهة، دعوة القارة إلى الخروج من منطق ومنطقة الراحة والاسترخاء والتكرار بخصوص القضية الوطنية، وكانت موجهة إلى أوروبا تحديدا بعد التغير الكبير الذي حصل دوليا وفي قارات أخرى…
ومن جهة ثانية، تدعو الدول القريبة من المنطقة الشمال إفريقية والمتوسطة بلعب دور في إيجاد أفق للحل، وذلك في دجنبر الماضي، عند استقبال وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كورونا مع احترام الطابع الحصري للأمم المتحدة في معالجة ومتابعة النظر في ملف الصحراء.
وهوما يعني الدفاع عن الحل تحت مظلة الحكم الذاتي كحل جدي وذي مصداقية، مع ما يرافق ذلك من دعم للخطة الأممية في الصحراء، ومهمة السيد دي ميستورا في إيجاد الحل الديبلوماسي السياسي لهذا المف.
رابعا، هذا الموقف، يعد الأول من دولة أوربية بعد الهجوم السافر من البرلمان الأوروبي، والذي سعى إلى تشويه سمعة المغرب، وتقويض المنحى التصاعدي داخل القرار السياسي الأوروبي لصالح المغرب، وهو ما يعني بلغة أخرى فشل البعض في أوروبا في تسميم الأجواء والدفع إلى القطيعة مع المغرب..
ومن المحقق أن الإشارة إلى التأكيد المغربي والنمساوي «على مركزية الشراكة التاريخية والمميزة بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي لا تخلو دلالة في هذا الاتجاه».
وفي هذا السياق، «أكدت النمسا، مجددا، على التزامها بالمساهمة في تقوية الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي على جميع الأصعدة»، وذلك بعد أن كانت دول أوروبية أخرى قد شددت عليها وهي إسبانيا رئيسة الاتحاد الأوروبي حاليا.
في الإطار نفسه، ركز البيان المشترك على محورية الأمم المتحدة في معالجة الملف، وهو ما يتلاءم مع إرادة المغرب، وتقويضا للمساعي التي كانت تسعى إلى سحب الملف، عبر العديد من المحاولات، منها الدعوة المريبة، التي تم الترويج لها بخصوص مؤتمر دولي حول الصحراء يكون الاتحاد الأوروبي صاحب المبادرة فيه وداخل قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة، والتي أرادت سحبه لفائدة فاعل إفريقي قاري..
النمسا ليست دولة عادية في التحولات الجارية، هي دولة جعلتها جغرافيتها في موقع متقدم ومركزي في بناء الاتحاد الأوروبي، منذ 2004 بالتحديد في قلب أوربا السياسية والمالية. ولا سيما المستثمرين، وهي أيضا تعتبر المعبر السياسي الأساسي للدول الشرقية للالتحاق بالاتحاد الأوروبي وزاد وزنها في التغيرات التي طالت المنطقة، كما أن دائرة نفوذها ليست بالهينة..
فهي في قلب دائرة يوجد فيها مجموعة الأربعة «فيشغراد»، والتي تضم بولونيا وسلوفينيا وجمهورية التشيك والمجر كدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وفي حلف الناتو.. وقد كان المغرب سباقا لاغتنام المعادلات الجديدة التي نتجت عن التحاق هذه الدول بالاتحاد الاوروبي..
وهناك إلى جانب ما تقدم رهانات مشتركة وأخرى تخص كل بلد على حدة.
بالنسبة للمغرب هناك تطوير الاستثمار، والتعاون التجاري بين البلدين بعد القضية الوطنية، وفي قلب الرهانات النمساوية التعاون مع المغرب من أجل تنويع سوقها، وأيضا اتخاذ المغرب منصة نحو إفريقيا، علما أن كلا الطرفين غير راض عن المستوى الحالي…
وفي سياق تسجيل معطيات الراهن، لا بد من الإشارة إلى ما شهدته الآونة الأخيرة من تطورات في التعاون الصناعي منذ نونبر 2021، كما سيدفع اتفاق التعاون بين الغرفة الاقتصادية الفيدرالية النمساوية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، نحو تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
النمسا كانت أول الدول التي اغلقت حدودها مع كوفيد وعاشت الكثير من الاضطرابات، إذ عرفت البلاد 5 مستشارين منذ العام 2016 حتى اليوم.
وهو كان له كلفة اقتصادية تحتاج النمسا الي تجاوزها..
الرهانات الاستراتيجية المشتركة، والتي سيعمقها الحوار الاستراتيجي بين الخارجيتين، محوره هو الإقرار للمغرب بدوره الحاسم في المنطقة المغاربية كقطب استقرار في مواجهة الإرهاب والهجرة غير النظامية وتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر .. من جهة، ودوره في تطوير القارة الإفريقية، وكذا نشر السلم فيها.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 02/03/2023