امتحان النخبة، على ضوء الثورة والتوافق!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

هناك ثلاث زوايا على الأقل، يمكن من خلالها قراءة ما تفرع عن المجلس الوزاري، الذي ترأسه ملك البلاد، يوم أول أمس.
زاوية القضايا الراهنة التي تستأثر بالاهتمام العام للمغاربة، سلبا أو إيجابا. وهي كلها قضايا لم تمر بدون آثار في المزاج العام، وأيضا في مساءلة من يهمهم الأمر.
وقد استعمل البلاغ الصادر الكلمة التي تفيد بأن الأمر يستحق «السؤال» بالفعل.
ثلاثة أسئلة في الراهن: سؤال المأساة في طنجة، وسؤال الأمطار وسؤال التلقيح.
أربعة مشاريع قوانين انتخابية
وانطلاق ثورة اجتماعية حقيقية..
يمكن أن نتتبع، في قراءة المضامين من التوالي الذي وردت فيه، بالبلاغ، ويمكن أيضا أن نختار زاوية معالجة، حسب ما نراه من صدى يمتد في الزمن ويشكل تغييرا في حالة الأمة والوطن، وقد يكون الرأي العام قد طور، في التفاعل مع هذه النقط، ميزانا بكفتين: كفة العفوية، في التفاعل مع الحادث والراهن، وميزان الموضوعية الذي يقدر الأمور بتقديرات المستقبل والتحولات..وبناء على هذا سيكون الإعلان عن انطلاقة الثورة الاجتماعية الحقيقية، هو بؤرة التفكير ونقطة الارتكاز الاجتماعية والسياسية، في البلاغ..
لقد صادق المجلس الوزاري على مشروع قانون – إطار يتعلق بالحماية الاجتماعية، وهو ما يعني انطلاق المسارات التشريعية، البرلمانية والمؤسساتية لمناقشته والعمل على دخوله حيز التنفيذ …
لقد سبق لملك البلاد أن خاطب المغاربة، بخصوص الخصاص المهول في التغطية الاجتماعية، وكان ذلك في يوليوز 2018، وبعد مرور سنتين بالتحديد عاد من جديد إلى الموضوع، لكي يضع جدولا عمليا وزمنيا لتنفيذ ما طرحه من مقومات ثورة اجتماعية، وفصل فيها بتحديد القول في الأهداف المطلوبة.
وضرب موعدا للمغاربة للشروع في ذلك، يناير 2021… وأرفقه بجدول مضبوط يبدأ بتعميم التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية، ليشمل من بعد التقاعد والتعويض عن فقدان الشغل..
وكان افتتاح الدورة البرلمانية، في أكتوبر من نفس السنة، مناسبة أخرى، لكي تتضح ملامح هذا الإصلاح القوي في أربعة محاور هي :
* تعميم التغطية الصحية الإجبارية، في أجل أقصاه نهاية 2022، لصالح 22 مليون مستفيد إضافي، من التأمين الأساسي على المرض، سواء ما يتعلق بمصاريف التطبيب والدواء، أو الاستشفاء والعلاج.
* تعميم التعويضات العائلية، لتشمل ما يقارب سبعة ملايين طفل في سن الدراسة، تستفيد منها ثلاثة ملايين أسرة.
* ثالثا: توسيع الانخراط في نظام التقاعد، لحوالي خمسة ملايين من المغاربة، الذين يمارسون عملا، ولا يستفيدون من معاش.
* رابعا: تعميم الاستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل، بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون على عمل قار.
ولا يساورنا أدنى شك، بأن السيناريوهات المطروحة لتنفيذ هذه الثورة، توجد في دراسات ومقترحات الهيئات المعنية والمؤسسات ذات الصلة، وتنتظر الإخراج المؤسساتي، والاجتماعي القمين بتوفير شروط نجاحها وضمان سيولتها المالية أو التركيبة المالية الضرورية.
* المناسبة أيضا ستكون لتحديد وسيلة الوصول إلى الهدف المتوخى…
وهو هنا يعتمد وسيلة أخلاقية، وأخرى إجرائية وثالثة ديموقراطية .
وفي هذا الباب يعتبر التشاور مع الشركاء الاجتماعيين أرضية ديموقراطية إجبارية « لبلورة منظور عملي شامل، يتضمن البرنامج الزمني، والإطار القانوني، وخيارات التمويل».
وفي الوسيلة الأخلاقية، لا تستقيم هذه الثورة الاجتماعية، كأي ثورة للبناء، بدون محاربة كل انحراف أو استغلال سياسوي لهذا المشروع، إضافة إلى مبادئ النزاهة والشفافية، والحق والإنصاف …
وهو ما يجب أن ينعكس في سلوك النخب التي تتولى أو ستتولى تدبير هذا الأفق الواسع.
والوسيلة الإجرائية هي الحوار الاجتماعي، لا كشكل احتفالي، مشهدي، بل كطريق لتعبيد الحل الاستراتيجي النهائي، وطريقة في تدبير المشروع الاجتماعي للدولة المغربية..
* وفي نقطة الراهن، المتجلي في مأساة النسيج بطنجة، يمكن أن نجد مرتكزا في الخطة الشاملة للحل. يمكن، بلغة أخرى، أن نجد في الثورة الاجتماعية، حلا لحوادث المسار، كما هو الحال هنا.
فنحن ندرك بأن تعميم التغطية الاجتماعية، هو الرافعة الأساسية، بل الممر الإجباري لإدماج القطاع غير المهيكل، في النسيج الاقتصادي الوطني، كما نطالب به وتطالب به القوة الاجتماعية كلها ..
وبطبيعة الحال، فإن التصور الذي أجاب به وزير الداخلية عن سؤال الملك، لا نتصوره خارج هذه المقدمات التي سبق أن حددها ملك البلاد منذ 2018، في خطاب العرش المذكور أعلاه..
وعندما نتحدث عن الحدث الراهن، الذي يحزن له عشرات المئات والآلاف من المغاربة، أو يتفاعل معه الملايين منهم، سيشكل مزاجهم الوطني، ويمكن أن يصير جزءا من تاريخهم غدا.
وفي الجانب المتعلق بالانتخابات، وبالتركيز على أرضية التوافق، وأفق المناصفة، نحن أمام امتحان ثان للسلوك الذي ستعتمده النخبة، في تدبير المشتركات، الاجتماعية والنظامية والمجتمعية، وفي تدبير الأفق الديموقراطي الاجتماعي، الذي وضعه ملك البلاد على سكة الوصول!
سننتظر ونرى..!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 13/02/2021