بنموسى: الرجل الذي عليه أن يروض الزلزال ليفسح المجال لمغرب جديد!
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
الرجل الذي سيتولى هذه المهمة يعرف جيدا أن الملك خطب فيها مرتين بلغة غير مسبوقة ولا يرقى الشك إلى قسوتها: الرجل الذي سيروض الزلزال ويفسح المجال لمغرب جديد أن يخرج منه، معافى وسليما…
منذ سنتين ، أي في أكتوبر 2017، وضع الملك الإطار العام لعمل السيد بنموسى واللجنة التي سيقترحها على الملك وعلى المغاربة.
مضامين الإطار العام يمكن أن نلخصها في أن الملك حرض على عملية قلب للتربة، حرض أيضا على هامش واسع لتقييم نموذج تنموي استنفد احتياطاته من الحلول.
*نموذج تنموي أصبح غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة،والحاجيات *نموذج تنموي أصبح غير قادر على الحد من الفوارق الطبقية والمجالية، الفوارق بين مختلف المغاربة وبين مختلف مكونات تراب المغرب..
وطلب من الرئيس ومن اللجنة قبل ميلادها، أن تتحلى بكل الجرأة و الموضوعية، »تسمية الأمور بمسمياتها، دون مجاملة أو تنميق، واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة ، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة أو إحداث زلزال سياسي«.
إن الزلزال السياسي يقتضي أن يسمي السي بنموسى القط قطا، والريع ريعا، والفقر فقرا واللص لصا.. وهو مطالب من وراء ذلك ، بأن يكون أمينا في تسمية ما يجب تسميته حتى نفسح الطريق للزلزال، لكي يخرجنا من حالة الركود القلق، حتى لا نستحلي وضعية العجز الفكري التي يبدو أنها تليق بجزء من النخبة ويفيدها في استمراء وضع منذور لخلق كل التوترات، بل الاحتجاجات ..
وقد عاد الخطاب الملكي في الذكرى العشرين للعرش، إلى الحديث مجددا عن التمثلات التي يجب أن ترافقها، تمثلات القيم التي لا بد منها لإنجاح هذا التفكير، وسلم قيم عملها،
*الحقيقة، ولو كانت قاسية أو مؤلمة
*الشجاعة والابتكار في اقتراح الحلول.
*التحلي بالحزم والإقدام، وبروح المسؤولية العالية،
وفي مرحلة تالية، بعد الانتهاء من العمل..
*تنفيذ الخلاصات والتوصيات الوجيهة ولو كانت صعبة أومكلفة .
لقد مرت سنتان على الأقل منذ أن طالب ملك البلاد بزلزال في أسلوب المعالجة وفي نتائجه وحلوله.
وتم في هذه الفترة العودة إلى تحديد الضرورة إلى النموذج التنموي الجديد.. وخلالها اجتهدت الكثير من القوى السياسية والمهنية والمدنية في تقديم تصوراتها له، بل هناك محاولات عديدة أرادت أن تكون ناتج محصلة عمل
مؤسسات دستورية، كما هو حال البرلمان وحال الحكومة، التي لم تفلح في صناعة مقترح وحيد بسبب الدور الذي أراد أن يلعبه رئيسها،بدون توفيق كبير..
بل، وكان من الممكن أن تشكل الحكومة مؤسسة التفكير والاقتراح في المجال إياه، لكن ذلك لم يحدث، وهو ما قد – للتنسيب- يفسر قول ملك البلاد في خطاب الذكرى العشرين للعرش في طبيعة اللجنة ومسؤولياتها.
فقد أطرها دستوريا بكونها لا ترقى إلى أن تكون حكومة ثانية..» هذه اللجنة لن تكون بمثابة حكومة ثانية، أو مؤسسة رسمية موازية؛ وإنما هي هيئة استشارية، ومهمتها محددة في الزمن«…
في شكل اللجنة، ليس فوق الحكومة ولا تحتها، بل ولا تخضع لرهانات القوة التي تكون وراء تشكيل الحكومة أو المؤسسات الدستورية، بل هي لجنة تحتكم إلى روح التوافق في الواقع، الذي طبع معالجة الملفات الشائكة أو التي محط تنازع مجتمعي أو حزبي ..
وعليه، فقد أدرجتها المبادرة الملكية ضمن سلسلة من اللجن ذات الأعمال المحكومة بالتاريخ وبالتوازنات المجتمعية، كما هو حال لجنة هيئة الإنصاف والمصالحة، ولجنة مدونة الأسرة أو لجنة الجهوية.
وهي لجن اشتغلت على التاريخ وعواقبه السياسية، لما تعلق الأمر بشكل السلطة، واللجنة الجهوية والتي ارتبطت بالنقاش حول طبيعة الدولة والتراب،ومدونة الأسرة لها صلة بطبيعة التربية المجتمعية ونمط العلاقة داخل المكون الأول للأمة، أي العلاقة الأسرية. وكانت مناسبة ايا** طريقة في الاجتهاد، تحت مظلة إمارة المؤمنين وقراءة العلاقة المتجددة للرجل والمرأة، من خلال قراءة متجددة للنصوص الدينية.
المغربي في المعيش اليومي، وفي ميزان العدالة الاجتماعية والمجالية موضوع استراتيجي ، وقوي،كذلك لأن فيها تمتحن كل تلك الكليات التي قطعناها:
لا نتصالح مع التاريخ ونطوي صفحات آلامه، إذا لم يكن ذلك طريقا إلى الإنسان وتألقه وتنميته؟
لماذا نعالج اختلالات الجهات والتراب، وعلاقة المركز
باللامركز ، إذا لم يكن ذلك من صلب الرفع من الإنسان،
ولماذا نعيد النظر في الأسرة وفي العلاقات البينية داخلها ، إذا لم يكن ذلك من أجل رفاه الإنسان المغربي..
يمكن القول إن بنموسى قد وجد نفسه، في مساره السياسي والتدبيري المتميز قد عانق بعضا من انشغالات هذه اللجن وتابع الكثير من نتائجها أو سياقاتها، على الأقل فيما يتعلق بالجهوية، من بوابة وزارة الدخلية، والبرامج الاجتماعية والتفكير فيها، من خلال رئاسته للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ولعله أحد الذين طبعوا ببصمتهم الجينات التكوينية لهذا المجلس.. وهو إلى ذلك رجل توافقات كبرى، لا شك أنه سيكون عليه أن يستعمل تسميتها، مع التمييز بين ما يقبل التوافق وما لا يقبله في الدفاع عن نموذج عادل.…
سيكون عليه أن يستعمل التوافق، من أجل الزلزال!
وهي مهمة صعبة للغاية في حقيقة الأمر، ربما
لكن ذلك ما حدث في زلازل سابقة:
*زلزال التجربة المغربية في الانتقال والمصالحة
*زلزال التجربة المغربية في الإصلاح الدستوري وتدبير الربيع العربي الأول
* زلزال التجربة المغربية في قراءة النص الديني على قاعدة العدالة بين الجنسين، في وضع يتميز بصعود التيارات الأكثر تشددا في النص والأكثر تشددا في الماضي..
إنه تفكير جماعي، لا أولويات فيه دون غيرها، من التربية إلى السياحة مرورا بالضرائب،نموذج لا يمكن أن يقتصر على الجوانب التقنية، مهما كانت حيوية ، وكما قلنا سابقا عند الحديث مجددا عن التمثلات التي يجب أن ترافقها، تمثلات القيم التي لا بد منها لإنجاح هذا التفكير، وسلم قيم عملها، فالقيم هي الأكثر حيوية، باعتبار أن القيم المؤسساتية التي يجب أن يستند إليها النموذج التنموي الجديد يجب أن تضمن له نموذجا اقتصاديا يشتغل بشفافية ونجاعة.. والتهدئة الاجتماعية،
إنه نموذج لا يقف عند خلق الخيرات بل اقتسامها، ولا يقف عند اقتسام الخيرات فقط بل الروابط ايضا
Partager les biens certes mais aussi les liens
، روابط الانتماء إلى وطن يستحق بالفعل كل التوافقات المؤدية إلى كل الزلازل لكي يبقى مستقرا!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 25/03/2019