تأملات غير يقينية حول ما يجري في الشرق الأوسط..

عبد الحميد جماهري
1ـ من قسوة المشهد ما بعد الحرب على غزة أن الشعب الذي قدم عشرات الآلاف من الشهداء والمعطوبين .. هو الذي يمثل الآن أقوى ورقة في مواجهة إعصار ما بعد الخراب!
هذا الشعب القتيل والجميل هو الذي عليه أن يرمم الانهيار الشامل، ويقف في وجه المخطط الذي يريد تهجيره.
ومن عناصر الغرابة في المشهد كذلك، أن الذين عليهم أن يواجهوا مشهد ما بعد الحرب، هم الدول التي يريد لها نوع من التصنيف الانتقامي أن تكون في خندق الدول ..الرجعية أو اللاوطنية أو المنبطحة..
2ـ العواصم والصفوف التي كانت تعدنا بالنصر، وحل المشكل من جذوره، وكأن دورها انحصر في تقديم الضحايا، والانسحاب من بعد ذلك، دون ترك “كاطالوغ” أو دليل لما سنفعله بالنصر الذي تحقق !، وترك تدبيره إلى محاور أخرى أكثر قدرة على تدريب القدر الشرق الأوسطي وترتيب القضايا السياسية والنتائج الديبلوماسية المتفرعة عن الموت.
3ـ فكرة ثورية قالها مناضل يساري، مبدئي، أدى ثمن انحيازه إلى كل القضايا العادلة، من حق الشعب في تحرير خبزه إلى تحرير أراضيه، العزيز مصطفى خلال: لتخرج الشعوب الآن، لتساند الدول التي تواجه الضغوطات والتهديد الصريح منه والمبطن؟ ولترفع صوتها من أجل وقف الشوط الثاني من تصفية القضية وبوسائل السياسة والديبلوماسية والإغراء السياحي؟
فكرة ربما تعوزها الشعارات. والموسيقى الحماسية، لكنها في غاية الواقعية الثورية إذا كنا نريد تحصين الدول والشعوب معا..
4 – هل كان في موقف المغاربة والمغرب ما يدفعنا إلى الخجل؟
لا أعتقد، أولا لم يكن خروج الشعب لمناصرة الواقفين في وجه الحرب، خروجا استثنائيا ولا السماح به، على مضض: كان طريقة في تدبير الممكن والمستحيل من الوضعية الراهنة. ولم يكن تدبير الدولة للوضع الحاد في المنطقة، مثيرا للعار، ما دام أن المغرب اختار بأن من مرتكزات واقعيته أن يحفظ للقضية الفلسطينية المكانة نفسها في التدبير. وهو اختار الطريقة السلمية في كلتا الحالتين. واختار الإبقاء على اتفاق ثلاثي، مكن ببعض المكاسب للفلسطينيين. هناك من رأى أن |إسقاط العلاقات ومرتكزات الاتفاق الثلاثي أولوية الأولويات، ربما قبل التحرير.. وهذا منطق لا يعدم حجية وصدقية عند أصحابه، وهناك من اعتبر بأن الإبقاء عليه هو بدوره تدبير للمآزق الإنسانية، وهي هامة، والمآزق السياسية التي ستعقب الوضع الحربي. أي مآزق اللحظة.
ثالثا، المغرب اعتبر رسميا بأن المخاطب الذي لا بد منه هو السلطة الوطنية الفلسطينية في وقت كانت تتعرض للتجريف الإديولوجي والتخوين و”البهدلة”، وصارت من عناصر الحل.
رابعا، الكل يريد اليوم نقطة انطلاق من بعد مشهد الحرب: أي انطلاق مسلسل سياسي جديد، صار، في وضع العرب الحالي وأوضاع البشرية برمتها، من باب الآفاق المستحيلة. قد تكون أكبر خطوة ثورية ربما هي النجاح في العودة إلى حيث توقف …. سلام أوسلو؟ ..
5ـما يتم التخطيط له مفجع.والشرق الأوسط على أبواب مجهول غير مسبوق. والشعور بالنكبة يتعاظم.ملك الأردن كان أمام جالوت العصر. لم يفقد الجرأة بالتصريح أن ما يهمه هو الدفاع عن مصلحة الأردن.ومصلحة الأردن غير التهجير. أكد أيضا احتماءه بموقف عربي قادم. تحدث عن محادثات.في السعودية التي توجد هي بدورها في فوهة المدفع الذي يقصف من .تل أبيب. تكلم أيضا عن انتظار خطة مصر في الموضوع. مما يعني وجود تنسيق مصري أردني موضوعي وشبه إجباري باعتبارهما وجهة الترحيل في خطة ترامب…الخطة قد تذهب إلى أبعد مما نتصور:تركيع الأردن ومصر والسعودية بعد أن تم تحييد إيران وحزب لله وسوريا. ودخول حماس مرحلة ما بعد الخراب..ولملمة الجراح وسط الأنقاض…
السؤال: لماذا تصر تل أبيب، ومن ورائها ترامب، على التضييق على الدول التي تعتبر حليفة: دولتان تربطهما بها اتفاقيات سلام (وادي عربة وكامب ديفيد، في حالة مصر والأردن) ودولة كانت تعد عدتها لترتب اتفاقا مع تل أبيب بشرط انطلاق مسلسل للتسوية السياسية وقيام دولة فلسطين (السعودية) ودولة تربطها اتفاقية ثلاثية أطلقت ضدها عملية تشويه كبرى حول توطين أهل غزة في صحرائها هي المغرب؟ هل هو الفصل الموالي في الحرب عن طريق التقويض العلني للحظوظ الديبلوماسية لصالح الفلسطينيين؟
ربما يكون من أهداف هذه العملية على أربع جبهات، تعطيل أي فيتو ديبلوماسي قد يقوم على وجود علاقات، هي في حد ذاتها علاقات لا تلقى الانخراط الشامل من شعوب المنطقة ولا تغري بالدفاع عنها لدى الكثيرين.. الأمر محير للغاية!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 13/02/2025