ثلاثة مداخل لقراءة القمة الإفريقية بأديس أبابا

عبد الحميد جماهري
المدخل الأول هو التركيز على حضور القضايا الوطنية في القمة، ولاسيما في ما يتعلق بقضيته الوطنية، وهي نظرة محكومة بالامتداد الزمني البعيد المدى نسبيا.. وفيه يمكن أن نسجل بأن القضية لم تطرح لأول مرة في النقاشات العامة والموضوعاتية في اللجنة أو ضمن جدول أعمال القضايا التي تستوجب اتخاذ قرارات. في الوقت نفسه الذي حضرت فيه كخلفية للصراع مع دولة الجيران، وعنصر خفي في التموقفات..
والثاني يتعلق بحضور المغرب في الرهانات الانتخابية، سواء ما يتعلق منها بالانتخابات الخاصة بمجلس السلم والأمن، والتي نازعته في استحقاقها دولة الجزائر، أو ما يتعلق بالنيابة الأولى لرئاسة المفوضية، والتي قدم فيها المغرب الزميلة والوزيرة السابقة لطيفة أخرباش ..مرشحة كنائبة أولى لرئيس المفوضية..
ويمكن إجمالا في هذا الباب، أن ننتظر معطيات دقيقة للقيام بتقييم واف، وإن كان هذا التقييم سيُبْنى في تقديرنا على أن معارك الانتخابات التي تحركها الحماسة والتنافس محكومة بطبيعة الخصم أكثر مما هي محكومة بطبيعة الفوز!.
يمكن للمغرب أن يعتبر بأن تأجيل انتخاب عضوية مجلس السلم والأمن الذي يترأسه لثالث مرة في ظرف ثمان سنوات هي تاريخ عودته، بما هو رفض لاستعادة الجزائر لدورها التقليدي في الوقت الراهن، هو بحد ذاته مناورة مربحة وحساب أعطى نتائجه. مادام أن الخصم اللدود ظل يتحكم في دواليب المجلس لما يزيد عن عشرين سنة! في حين تعذر عليه أن يعود عندما قرر ذلك..
كما يمكن أن يعتبر بأن فوز المنافسة الجزائرية مليكة حدادي في مواجهة لطيفة أخرباش، هو في الواقع محكوم بنفس الميزان:أي أنه لن يتجاوب مع ما هو مرسوم له في تراتبية القرار الإفريقي. وإن كان المغرب سيربح ـ لو فازـ منصبا لأول مرة في تاريخ عودته إلى العائلة المؤسساتي. يمكن أن نقرأه من جانب نقدي موضوعي ، بناء على الجدية التي طالبنا بها ملك البلاد في كامل قضايانا، مما يسمح لنا بوضع الاستحقاقات هاته في موضعها الطبيعي، أي بلا تهوين ولا وتهويل .
وهناك المدخل الموضوعي والموضوعاتي، وقراءة المؤتمر والقمة من خلال ما تم : ومن ذلك:
أن الانتخابات الحالية التي تخص رئيس المفوضية هي الأولى من نوعها منذ إصلاح 2018، حيث أنه، منذ تأسيسها، كانت الرئاسة تقتسم بين دول الوسط والجنوب والغرب في إفريقيا، لأول مرة سيتم تبني الانتخاب الجهوي أو التناوب الجهوي، وسيكون الرئيس من شرق إفريقيا ونائبته (بالإجبار) من شمال إفريقيا.
وأن قوة المنصب من قوة الناخبين وهم هنا رؤساء الدول، علاوة على أن رئيس المفوضية هو المندوب الأسمى للاتحاد الإفريقي. وهو الرئيس التنفيذي والممثل القانوني للاتحاد والآمر بالصرف في القارة ومحاسبها ودولته صديقة للمغرب، وتعترف بسيادته على صحرائه، في حين كان منافسه من التيار الكيني المناهض لنا وللرئيس الحالي الذي عبر عن مواقفه لصالحنا وبادر بها مباشرة بعد انتخابه.
ولعل محمود علي يوسف يبدو أنه يمتلك مواصفات عديدة، باعتباره راكم تجربة مهمة، وقدرة كبيرة على تفهم القارة ومشاكلها.
وسيكون عليه أن يدبر مع ذلك، ما عجز الإصلاح أن ييسره إلى حد الساعة، أي تدبير العلاقة مع رؤساء الدول، وتدبير العلاقة مع لجنة المندوبين الدائمين ورؤساء الدول والمفوضين أنفسهم، من حيث العمل المشترك معه وتيسير مهامه….
وسيكون عليه أن يثبت قدرته على تدبير الأزمات، ويثبت إلى أي حد يكون النموذج الحالي للاتحاد الإفريقي هو النموذج المناسب؟
وأمامه مهام كبيرة وشاقة، لعل بدايتها العمل على تنفيذ وتنزيل الشعار الذي رفعته القمة 38 : أي العدالة لإفريقيا والأفارقة، من آثار العبودية والاستعمار .. وهو ما يتطلب عملا شاقا ومرافعات دولية وإيجاد الحد الأدنى المشترك للعمل في هذا الباب..
ومن المهام التي جعلها هو نفسه من صميم برنامجه:
تقوية دور مجلس الأمن والسلم : النزاعات والحروب في الساحل وفي البحيرات الكبرى، وفي القرن الإفريقي. وآخرها، وأكثرها قوة الآن، السودان والكونغو الديموقراطية.. باعتبار بعضها نزاعات طويلة الأمد، وبروز أخرى عطلت بناء الدولة في إفريقيا، وهو ما يجعل اشتغال مجلس الأمن والسلم يتعثر، ولا بد أن نستحضر ما صرح به محمد فقي سلفه على رأس المفوضية، بمرارة كبيرة، من أن القرارات لا تفعل، وأن أغلبها يخضع للتأويل وللإهمال والتجاهل.
النقطة الأخرى تتعلق بالإصلاح المؤسساتي . الذي خصصت له قمة استثنائية في 2018 ، وكانت من بين عناصره: تطوير آليات الإشراف على اختيارات الكفاءات الإفريقية، بناء على مقدرات شخصية وبروفايلات معينة… إلى كل ذلك نصل إلى التمويلات الآمنة للسير الحسن لمؤسسة الاتحاد الإفريقي، ولاستقلالية القرار الإفريقي المرتبط بها، وإلى حد الساعة فإن ثلثي تمويلات إفريقيا من الجهات الخارجية مما يجعلها عرضة لتنازع المصالح، وأمام المفوضية الجديدة الكثير من المهام الاستراتيجية في ما يتعلق بتفعيل منطقة التجارة الحرة أو التبادل الحر بين البلدان الإفريقية، لكي ترفع حجم الاقتصاد الإفريقي إلى 29 تريليون دولار في أفق 2050.
ومطروح على إفريقيا عقلنة وترشيد وتوزيع العمل بين الاتحاد الإفريقي وبين التجمعات الاقتصادية الإقليمية. والمغرب له دور أساسي وتجربة عملية يقدمها لإفريقيا، تساعد على تحقيق أجندة 2063، بوصلة عمل إفريقيا نامية تعيش في رفاهية وقادرة على تأمين العلم والمعرفة والشغل لأبنائها ولها وجود دولي محترم وسيكون من الاختزالي الاقتصار على الرهان الانتخابي في واحدة من المعارك، التي تحكمت فيها العديد من المؤثِّرات والتوازنات والحسابات.
طبعا نحن عدنا إلى خدمة إفريقيا، بصدق، ولكن بدون سذاجة تجعلنا لا نرى حقيقة التحركات التي يقوم بها الخصوم، وفي كل خطوة يجب أن نتساءل :ماذا حققنا في الطريق نحو الهدف الأسمى وهو تصحيح الخطأ الإفريقي الكبير الذي ارتكب في حق بلد مؤسس، هو المغرب، لفائدة جهاز شبحي يحتفظ بعضويته في هذا المجمع الإفريقي؟
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 17/02/2025