جديد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الحكم الذاتي
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
ترخي الصياغة العربية لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حول الحالة في الصحراء المغربية، بعض الظلال على مفهوم الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كحل سياسي للملف.
فقد وردت في تقريره عبارات مفتوحة على كل القراءات، بل إن ربطها في سياق الحديث مع مستجدات أخرى تخص الأطراف المعنية يجعل معناها يتخذ أشكالا يفترض فينا أن نوضح أكثر معانيه، علما أننا نتعمد القراءة الإيجابية لهذا التقرير.
فهذا الأخير يتحدث، في الصيغة العربية،عن »طرفين«، وليس أطرافا معنية، وهو ما قد يفهم منه التراجع عما سبقه، وإن كانت الصيغتان الفرنسية والإنجليزية تتحدثان عن أطراف.
كما أنه في السياق ذاته يفتح أبوابا واسعة أمام التأويل، كما يفتح الباب لمسارات متعددة عوض مسارات الأطراف الواردة في قرارات مجلس الأمن أي (المغرب والجزائر والبوليساريو وموريتانيا) وليس الطرفين، المغرب وخصومه الانفصاليين، ومن المثير للانتباه والتنبيه هو حديث السيد غوتيريش عن إجراء مشاورات ثنائية غير رسمية معه في مقر الأمم المتحدة، وهو باب لا يمكن إدراك المستوى الذي قد يصل إليه.
صحيح أن اللقاءات جرت في سياق أوسع ورد في الفقرة 28 حيث «في الفترة من 27 إلى 30 مارس 2023، دعا السيد دي ميستورا كبار ممثلي المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا في نيويورك وكذلك أعضاء مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية، وهم الاتحاد الروسي، وإسبانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية، والولايات المتحدة الأمريكية، إلى إجراء مشاورات ثنائية غير رسمية معه في مقر الأمم المتحدة، وفي الدعوة الموجهة إليهم، أعاد مبعوثي الخاص التأكيد على اعتقاده بأن التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول للطرفين يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره، وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، أمر يمكن تحقيقه، وذكر أنه سيسترشد بقرار مجلس الأمن 2654 (2022) بجميع جوانبه، بما في ذلك أحكامه التي تشدد على أهمية إسهاب جميع الأطراف المعنية في عرض تفاصيل مواقفها من أجل التوصل إلى حل، وأشار أيضا إلى أن الغرض من المشاورات هو مناقشة الدروس المستفادة من العملية السياسية، وتعميق دراسة المواقف، ومواصلة البحث عن صيغ مقبولة للطرفين للمضي قدما بالعملية السياسية»…
وبالرغم من هذا فإن الموقف المغربي السليم هو الإلحاح على إعادة تفعيل اجتماعات المائدة المستديرة «باعتبارها الآلية الأممية المعتمدة في القرارين الأخيرين، كما أنها تعني بالذات ما قاله ملك البلاد من لاءات تخص الملف ومنها » لا لمحاباة الطرف الحقيقي في هذا النزاع، وتمليصه من مسؤولياته«.
النقطة الثانية هي القول بما يفيد أن المقترح المغربي مجرد نقطة بداية وليس هو سقف الحل كما جاء في خطاب ملك البلاد في 6 نونبر 2014.
فقد جاء في التقرير أنه على الرغم من أنه يرى أن مقترح الحكم الذاتي لعام 2007 ينبغي أن يكون نقطة البداية، فإن المغرب يقبل فكرة احتمال تقديم المشاركين الآخرين نقاط بداية مختلفة للمفاوضات»، في حين أن جلالة الملك كان صارما في المعنى وفي المبنى…إذ قال جلالته إن «مبادرة الحكم الذاتي، هي أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب، في إطار التفاوض، من أجل إيجاد حل نهائي لهذا النزاع الإقليمي، ويتبين أن الحكم الذاتي كوصفة للحل لا يعني مقدمة لأي تنازل، كما أن الحل المغربي دخل ضمن معيار محدد هو النزاع الإقليمي الذي يهم دولة محددة تناهض حقوق المغرب…
التعبير الذي يرخي بظلال محيرة على التقرير هو قوله إن المغرب «أعاد التأكيد على موقفه بأن مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه عام 2007 هو النتيجة الوحيدة القابلة للتطبيق لعملية سياسية، في حين أن معالمه ستترك للمفاوضات..»!!!
هل يكفي القبول بالحكم الذاتي ، ثم ليكن ما بعده كله مقبولا؟
كان من الممكن أن نفهم أن هذا هو المقصود من تقرير غوتيريش لولا العبارة التي ترد في الفقرة 30، والتي يقول فيها إن مقترح الحكم الذاتي ينبغي أن يكون «نقطة بداية» علما «أن المغرب يقبل فكرة احتمال تقديم المشاركين الآخرين نقاط بداية مختلفة للمفاوضات».
أي أنه مقترح ككل المقترحات الأخرى.. وبالتالي فالمغرب لن يملي ما ينبغي أن يكون عليه جدول أعمال هذه الاجتماعات، بما يفهم منه أن المغرب لا يضع شروطا مسبقة في تدبير الاجتماعات..!
وفي التقرير غياب قراءة الأمين العام ومبعوثه الخاص للتأييد الدولي لمقترح الحكم الذاتي، فهو يدعو إلى الاستفادة من دروس المرحلة، بدون أن يتقدم في هذه الناحية ويستحضر الاستفادة التي يمكن أن يثبتها في تقريره من درس التأييد الدولي للحكم الذاتي، والذي قد أصبح موقف أزيد من مئة دولة في الأمم المتحدة، أي الأغلبية، والمفروض أن يستحضر هذا الدعم في التقرير، ويتوج به خلاصاته السياسية لا أن يضع أغلبية الأمم المتحدة في كفة ومواقف بعض الدول في كفة أخرى.. بما يحجب تتويجه للتقرير التتويج الصحيح..
سننتظر ، أساسا، القرار الأممي المفترض صدوره في نهاية الشهر، وهو المحدد الأساسي لموقف مجلس الأمن من القضية، كما سننتظر الموقف الفرنسي..على وجه آخر، بناء على سلوكات الرئيس الذي لا تحتمل خفته!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 27/10/2023