في كتاب صدر حديثا بعنوان:« القصة السرية لجزائري أصبح عميلا» .. صديق الرئيس تبون يحكي عن ترتيب لقاء المخابرات الجزائرية مع الموساد!(1)
عبد الحميد جماهري
حميد صياد شخصية جزائرية فريدة من نوعها، أصدر كتابا حديثا في نهاية سنة 2024 عن دار «»رامسي»ramsay ، تحت عنوان: » «القصة السرية لجزائري أصبح مخبرا« أو رجل استخبارات». صياد جزائري قبائلي، من أسرة ساهمت في حرب التحرير، كان بيت والده محطة من محطات الثورة، استطاع الوصول إلى باريس، بعد رحلات مثيرة للغاية وتقلبات لا مثيل لها، نجح في الاندماج في فرنسا منذ الستينيات، إلى حد أنه أصبح المالك الشهير في باريس لما لا يقل عن 17 مطعما حانة، واقترب من الحصول على المطعم الشهير، «الفوكيتس» الذي يعد قبلة الكبار في السياسة والفن والرياضة، وكانت رغبته تلك سببا في معاناته، ومن ثم في دخوله عالم الاستخبارات.
حميد صياد استغل نجاحه في مجال الحانات الباريسية ليتسلل،عنوة أو بمحض إرادته، إلى هذا العالم الملفوف في سحابات ضباب وحيل وأحابيل. في القصة ما يغري بالكتابة والترجمة والنقاش، إنسان شبه عاد، يصل إلى سقف العالم، ينجح في مجال يصعب التفوق فيه على الخبرة الفرنسية، أي المطاعم والبارات، وهو شخص تعرف على الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وهو من أوصاه باللجوء إلى مخابرات بلاده لكي تساعده في حل مشكلة مع الأمن والقضاء الفرنسيين، ويحكي قصتهما بالتفصيل، نتعرف على تفاصيل من حياة الرئيس الجزائري في محطات منها ما قبل الرئاسة، كما نتعرف على علاقته بالموضوع الذي ورد في الكتاب. حميد صياد، شخص فريد، تلقى يوم 25 فبراير 2021، في عز «كوفيد»، الترحيب في الجزائر التي جاءها من باريس على متن طائرة جزائرية، كانت تنتظره علامات الاحتفاء، حيث وجد السجاد الأحمر في المطار تقديرا له على الخدمات التي قدمها. في ذلك اليوم انتظرته سيارة ديبلوماسية بسائق أقلته إلى وزارة الخارجية حيث سيجد وزير الشؤون الديبلوماسية وقتها صبري بوقادوم في انتظاره، والذي خاطبه بالقول:»عزيزي وصديقي، إن سخاءك ونكرانك للذات والتزامك المتحرر من أي مصلحة إلى جانب إخوانك وأخواتك الذين قادتهم الظروف، شخصية أو تاريخية، إلى الإقامة في الخارج، لا شك أنها شهادة حية على وطنيتك، وكل الحب الذي تكنه لوطننا العزيز. كما ورد في الرسالة التي تسلمها من الوزير .
كان التوشيح والتكريم من طرف بوقادوم تتويجا واعترافا بمجهودات وخدمات قام بها المعني حميد صياد لفائدة بلاده طوال ثلاثين سنة مضت، وتنكشف معها الضرورات التي تبيح للمخابرات الجزائرية التنسيق مع الموساد لفائدة الأولى ومحاربة الحركات الإرهابية…
في الكتاب ما يغري الصحافي أو المتابع المغربي من حيث أنه يتحدث كذلك عن »خدمات« قدمها للمغرب ولفرنسا، في المجال نفسه.
في كتابه الذي بين أيدينا يقول بأن سنوات عمله خدمة لبلاده قادته إلى التعرف على نساء ورجال من كافة الآفاق، من بينهم إسحاق رابين، وقضاها أيضا في تنمية ثروته من المطاعم الحانات، حتى فكر في حيازة المطعم الشهير «الفوكيست» كما سبق ذكره، في سنة 1993. دوره تحدد بفعل عمله في امتلاك وتدبير الحانات، كما وقع في الثمانينيات، عندما كان مسؤولا عن تدبير حانة في المقاطعة السادسة في باريس، هناك حيث انتبه إلى ثوار إيرانيين تسللوا تحت غطاء تعلم اللغة الفرنسية، فيما »حقائبهم المدرسية« مليئة بـ»الكلاشنكوف»، ويعترف أيضا بأنه أخبر من يهمهم الأمر، كما أنها كانت انطلاقة للتعاون مع البعثة الديبلوماسية لبلاده في باريس.
يقول:(ص20) في تلك الفترة تم تكليفي بدور سري كمبعوث، قادني إلى نسج علاقات رهيفة ولكنها واقعية مع السلطات الكبرى في العالم أو مع معاونيها، كما هو حال كلينتون ورابين. بمباركة من الرئيس ليامين زروال«..
حميد صياد من مواليد 1957 في بادية قبائلية في قرية تسمى «عزازقة»، والده من مقاتلي جبهة التحرير الوطني، ذكرته كتب المرحلة ومنها كتاب للفرنسي إيف كوريير « نيران اليأس»، الذي يروي ما وقع في الجزائر بين 1960و1962 سنة الاستقلال، بيتهم كان محط زيارات كبار الثورة، أمثال الكولونيل عميروش، قبيل مؤتمر الصومال الذي أطلق الثورة نفسها، وأمثال الكولونيل أولحاج الذي جاء من بعد عميروش، رحل إلى باريس في 1978، ثم فشل في الاندماج، وعاد إلى قريته «عزازقة» قبل أن يرحل من جديد لكي يستقر كعامل في محطة وقود، كما كان والده يملك مثلها في الجزائر، سيسجل نفسه في دروس ليلية من أجل الحصول على إجازة أولى في الحقوق، ويتعرف بواسطة ذلك على المحامي والسياسي الفرنسي جان لويس تيكسيي فينيانكور، الذي كان سببا في حياة جديدة، الذي كان قد ترشح للرئاسيات الفرنسية في 1965، والذي اشتهر كمحامي عند دفاعه عن الجنرال الانقلابي راوول آلان، وعن الكاتب المتهم بمناصرته للنازية لويس فيرديناند سيلين، الذي نجح في تبرئته بالرغم من الحملة ضده، وقد كان الأب الروحي لجون ماري لوبين الذي رحل منذ أيام فقط، وكان قد اختاره ليكون مدير حملة الفرنسيين الذين عارضوا دوغول في استقلال الجزائر، قبل أن يلتحق به بعد أحداث ماي 1986.
سيصبح »صديق« الكاتب ـ المخبر إلى حين وفاته في 1989. في السرد الذاتي نكتشف بأنه مدين له بانطلاقته في التجارة، حيث فاتحه حول موضوع حيازة وملك تجاري، وكان عبارة عن حانة في حالة إفلاس، كان ذلك في سنة 1982، وكان المبلغ يقارب 4 آلاف فرنك فرنسي وقتها، ساعده على الحصول على نصفها عن طريق قرض بنكي.
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 10/01/2025