قمة السعودية لنسيان نصف قمة الجزائر
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
لم تقض الجزائر سوى ستة أشهر في قيادة مجلس الجامعة العربية، لتترك مكانها لقمة عربية يراد لها أن تكون تاريخية، لأسباب عدة، لعل أهمها سياقات العالم ما بعد كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية التي ما زالت أطوارها قائمة.
لقد اتضح بأن القمة التي قرعت لها الجزائر كل الطبول لم تَعْد أن كانت بروفة روتينية فرضها في الواقع تسلسل الأبجدية ولم يكن وراءها اختيار سياسي وجيوستراتيجي ذو معنى.
فالفصل الجزائري كان بصدفة الأبجدية العربية وبمنطق “اباجيد، هوازن” رست عليها القمة.
وقد حاولت أن تستخرج منها ما تسعى إليه من الدول العربية، لكنها منيت بفشل ذريع، كتبنا عنه في وقته، بيد أن صورته الكبرى اتضحت، بشكل باهر، من بعد ستة أشهر.
* أولا: في القضية السورية، فشلت الجزائر في أن تجعل منها حصان طروادة الجديد للدخول إلى منطقة الكبار في ترتيب قضايا الشرق الأوسط وقضايا العرب عموما.
وكان واضحا أن الرسالة العربية، ولاسيما الخليجية، هي أنهم أصغر من هذا الدور، وأن محاولة قطف ما كان يرتب بين عواصم المنطقة وعواصم الشرق الأدنى، قبل أوانه، بدا كمحاولة غريرة .
* ثانيا: فشلت الجزائر وقمتها في إعطاء أي معنى لشعارها حول لم الصف العربي، بما فيه سوريا، وهي تعطي النموذج المعاكس في هذا الباب في علاقتها مع المغرب…
* ثالثا: عودة سورية التي جاءت نتيجة اتفاق ثنائي إيراني سعودي ورعاية صينية، هي عتبات وضع جديد في المنطقة، وإذا كانت الجزائر قد اعتبرته انتصارا لإيران وهزيمة لمن يعارضونها فقد فشلت في رسملة ذلك، بل يتضح بأن سوريا مدينة للرياض أكثر من غيرها بتطبيع دخولها، على أساس اتفاق واضح مع العرب…
* رابعا: السعودية لم تتنكر لآلية مراقبة تدخل الأجنبي في المنطقة والعالم العربي، وما زالت شرطية هذه الآلية قائمة في وجه إيران، كما في وجه عواصم أخرى…
الأدهى من ذلك أن عودة سوريا تزامنت مع دعوة زيلينسكي إلى القمة كاختصاص الدولة المضيفة بدون معارضة الدول الأخرى، وهي رسالة مفادها أنه إذا كانت سوريا قد عادت فمن أجل أن تتقارب أكثر مع الموقف العربي، وفي إطار شبكة قراءة سعودية وليس هدية لحليفها العسكري القوي والواقف وراء صمودها، أي الحليف الروسي.
وهو وضع تجسيد الحياد العربي المشترك في قضية الحرب الأوكرانية إزاء المحاور التي اتخذت ملامح الحرب الجديدة…
والأدهى من ذلك كله، هو غياب الجزائر عن الترتيبات العملية والرسمية لهذه القمة، بحيث أنها غابت أو غُيِّبت بالتحديد عن ثلاثة اجتماعات منذ أبريل الماضي، وهي رسالة توضح العمل الواعي لتحجيم دورها وامتدادات قمتها ومخرجاتها في أي أدوار مستقبلية.
بلغة أخرى: طي صفحة الجزائر بشكل لبق لكنه غير ديبلوماسي!
الجزائر التي سعت إلى جعل مجمع العرب فوق أراضيها فرصة لعودة قوية ولعب دور كبير، يبدو أنها تسير نحو عزلة عربية جديدة، بعد أن فشلت على طول تلك المساعي، واكتفت بالعمل من تحت جلباب إيران.. وحدها.
في المقابل، هناك ما هو أكبر في نظر المحللين ينتظر السعودية، فهي في قلب ثلاث مناطق ساخنة على الأقل مباشرة: اليمن، وعليه يمكنها أن تكون عنصرا في الحل، وفي السودان حيث كانت ممرا إجباريا في خلق الممرات للاجئين ومنصة لاتفاقات الهدنة بين الأطراف، وفي لبنان بطبيعة تأثيرها في العديد من القوى السياسية.
إلى ذلك تنعقد قمة السعودية في لحظة دولية شهدت انسحاب القوى الكبرى من المنطقة، وعلى رأسها واشنطن وانشغال جزء آخر بمآلات حرب روسيا وأوكرانيا، ولعل صاحب القرار السعودي يدرك أن من سمات هذه المرحلة “البالغة الخطورة من تاريخ العالم” إعادة رسم خرائط العلاقات الدولية، ودليل الوعي السعودي هو محاولات مركزة لتوثيق العلاقة مع الصين والتنسيق مع روسيا في قضية النفط والإبقاء على العلائق التقليدية مع واشنطن، لا سيما في قضايا الأمن الإقليمي.. وللحديث بقية…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 20/05/2023