لا شيء يفاجئني: لا في تونس ولا في الجزائر ! «ديموقراطية بدون جدول أعمال سياسي»!!

عبد الحميد جماهري

لاشيء يفاجئني في الجزائر، من منظار الاستغراب أو من التحسر، ما قد يفاجئنا بين الحين والآخر هو خرجات مثيرة للغاية (للضحك أو للأسى، لا فرق بين الإحساسين) يقوم بها مؤسسو النظام أو وجوهه المتعارف عليها دوليا.
في انتخابات السخرية، الرئاسية، في الجارة الشرقية،غطت الأخبار المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي، والسكيتشات المان وان شو للرئيس المعتمد لدى المؤسسة العسكرية، على كل ما قد يتبادر إلى الذهن من انتظارات أو جدل!
نحن وسط رئاسيات همها الوحيد وجدول أعمالها الوحيد هو الصحراء المغربية. والتهديد بتمديد الصراع حولها:
لا شيء يقدمه المرشح والذين يسندونه بقدرتهما الفعلية على ذلك في المستقبل. وعم إذا كانت إطالة النزاع الإقليمي ممكنة في الشروط التي ستولد من بعد الانتخابات أم أن العجز سيتفاقم كما نرى وسيزيد عزلة الدولة* عن مجتمعها أولا، ثم عن المجتمع الدولي. ثانيا!
ولكن ذلك ضرورة بلاغية في تأثيث المشهد »الديموقراطي«، حتى ألا شيء يفاجئنا لأن التحليل العقلاني كان ينتظر بعض الأسئلة التي ستطرح على الرهان الانتخابي:
منها، ما هي المساهمة الممكنة التي يقدمها المرشحون ( ثلاثة في واحد) للخروج من القطيعة بين شعب ما زال يعيش الحراك، صامتا أو مستترا، وبين نخبة تكتفي بواجهة مدنية لمحاولة التقرب منه، بدون تغيير عميق في طبيعة النظام العسكرية، والالتحاق بالتدبير المدني المتعارف عليه دوليا؟
ما الذي يمكن أن نستشفه من المقترحات والعروض السياسية، بخصوص الانتقال الديموقراطي الذي ينتظره الجزائريون كما ينتظره المغاربيون والجيران الأوروبيون من أجل خلق شرطية جديدة لتطوير المنطقة ودعم الاستقرار. فيها، وفتح الأبواب أمام شرعية جديدة للنظام غير شرعية مناهضة المغرب في بناء سرديته على أنقاض عالم لم يعد قائما من قبيل تقرير المصير مثلا؟
والجانب الاجتماعي، في علاقته مع الإصلاح الاقتصادي لتنويع الإنتاج والخروج من الزجاجة الريعية التي تجعل 97 في المئة من مداخيل الدولة من المحروقات، مع عجز واضح في الدخول في مغامرة اقتصادية غيرها، .. وما هو جديده من حيث التفكير في ما بعد شراء السلم الاجتماعي بإعادة توزيع مداخيل النفط والمحروقات .؟.
ماذا عن فتح الأبواب نحو شراكات إقليمية وقارية تدعم الاستقرار ووحدة الشعوب وعدم ركوب المغامرات الاستعلائية بالرغم من حقيقة الوضع المهتز في الداخل ..كل هاته الأسئلة وغيرها ظلت معلقة وتابعنا »ديموقراطية بدون جدول أعمال سياسي«!!
لا نرى أن للجزائر استراتيجية من هذا النوع، بل تعتبر بأن الشرعية الوحيدة، هي شرعية معاداة المغرب، ولا شرعية سوى محاولة اجترار سرديات تعود إلى خمسينيات القرن الماضي بدون أن يكون لها مقابل موضوعي في عالم اليوم، والمحاولات الاعتباطية في اللعب بقضية فلسطين. والمزايدة بها حتى على المعنيين أنفسهم، أما العودة إلى الشرعيات الديموقراطية والشعبية وشرعيات الإنجاز، فقد تم تأجيلها في ما يبدو بفضل الوفرة والسيولة المضمونتين بسبب الوضع الاقتصادي الحالي عالميا والذي يدر عليها مداخيل حربية لم تكن تتصورها.
في المقابل يبدو أن الجزائر أضافت تونس إلى أجندة اهتماماتها الداخلية… من بوابة معاداة المغرب!
هنا، لا جدول أعمال آخر للمرشح الرئاسي سوى الوعد بالبقاء في مرتبة الدولة المصابة برهاب ربيعها المتوَّج. دولة، لا يعرف أبناؤها ما الذي يمكن أن يستيقظوا عليه غدا. في وضع اقتصادي مرعب وبلا أفق.
في الوقت ذاته أضحت تونس مكفولة النظام الجزائري، تنفق عليها كما تنفق على جمهورية الوهم: وقد جمعتهما في بند واحد من اللائحة الوطنية التابعة لقصر المرادية!
نحن الجيل، الذي عاصر. أحلاما مغاربية، رعاها فوق التراب الوطني كما فوق التراب المغاربي، وجيل محكوم برومانسيات عديدة، منها رومانسية أبو القاسم الشابي، كنا نواصل أحلامنا مهما كان الوضع قاسيا .
نحن نترك الأبواب مفتوحة للماضي القريب من فرط ما يبدو لنا المستقبل وهو يتهددنا ببرد قارس، وبأشباح مهولة من سوء الفهم. ولهذا أحيانا لا نخضع للتحليل المنطقي ونميل إلى الرومانسيات كلها… وإن كانت وظيفتها هي نفسها وظيفة الورود في…. الطريق… إلى جهنم!
لا ننتظر في الحقيقة تحولات كبرى في البلدين المغاربيين، ولعل ذلك سيعطل فضاء جغرافيا وسياسيا واقتصاديا في أكثر الأوقات حاجة إليه، ويعطل معه بناء مجتمعات ديموقراطية قادرة على التفهم.
ولعلنا نفرط في الأمل مع ذلك بأن نرعى المستحيل، ونهتف بأن الحل هو أن تنجح الجزائر في انتقال ديموقراطي يسعفها على التحليل المفيد لمصالحها من زاوية مخالفة للعدوان مع المغرب، ويسعف تونس في أن تعود إلى حلمها المشترك معنا في نجاح بناء دولة ما بعد الياسمين، …بعيدا عن رائحته بين قبور الديموقراطية!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 12/09/2024