“لا فارج” والمخابرات والإسمنت الفرنسي للإرهاب!
![](https://alittihad.info/wp-content/uploads/2020/08/jmahri.jpg)
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
اجتمعت في قصة شركة «لافارج» الفرنسية للإسمنت كل مقومات فيلم جاسوسي سياسي من العيار الثقيل، مع فارق جوهري واحد هو أن القصة واقعية وأن الذين لعبوا الأدوار فيها لم ينته عملهم مع نهاية التصوير.
في منتصف الفضيحة التي ربطت بين اسم الشركة والتنظيم في دولة «داعش»، أقرت الشركة بالذنب، وقدمت طواعية الذعائر المنصوص عليها قانونا في القضاء الأمريكي وغير الأمريكي…
وقد أعلنت شركة «لافارج» عملاقة صناعة الإسمنت الفرنسية ومجموعة «هولسيم» السويسرية الأمّ -الثلاثاء الماضي- أنها ستسدد غرامة قدرها 778 مليون دولار لوزارة العدل الأمريكية، لمساعدتها جماعات تصنفها الولايات المتحدة تنظيمات إرهابية -منها تنظيم الدولة- خلال الحرب في سوريا.
والواضح أن الشركة التي استطاعت أن تماطل البقاء في فرنسا سنين طويلة، دامت على الأقل ثماني سنوات، وجدت نفسها محاصرة بالقضاء الأمريكي فاعترفت له بما لم تعترف به لغيره.
في الحقيقة ليس نادرا أن تفضل الشركات العملاقة في العالم الربح على التصنيف العالمي للإرهاب، ولا أن يندر من بينها من يفضل الأخلاق والقيم على الشيكات، غير أن هذه الشركة بالضبط تكشف لنا طبيعة التعامل الفرنسي مع مصالحه.
أولا لم يغفل أي تقرير من التقارير، العلاقات الخطيرة التي ربطت بين الاستخبارات الفرنسية وهذه الشركة التي تأسست في حضن النازية وتطورت معها.
وفي هذا السياق تكاثرت التقارير المتقاطعة، منها فيلم وثائقي تركي سلط الضوء على علاقات مشبوهة لجهاز الاستخبارات الفرنسية وشركة «لافارج» بتنظيم داعش في سوريا ..
وما نقلته وكالات عالمية عن الفيلم الذي حمل عنوان «المصنع»، أنه من خلال وثائق وشهود عيان «كشف في جزئه الأول، عن قيام عملاقة صناعة الإسمنت المقربة من الحكومة الفرنسية بدفع عشرات الملايين من الدولارات للتنظيم أثناء عملها في سوريا..»
ولعله فيلم أراد أن يوثق ويقدم تزكية لما قام به رئيس تركيا الطيب أردوغان، الذي شرح، بعد افتضاح الأمر، أنه أطلع الرئيس إيمانويل ماكرون على الحقيقة القائمة بين الأطراف الثلاثة، لكنه لم يعر لقوله أي اهتمام.
أردوغان، الذي لا يكن ودا لفرنسا ماكرون ويجعل من رهان القوة سياسة تركية إزاء باريس، كان يتحدث أمام مؤتمر وزراء الإعلام في منظمة التعاون الإسلامي بمدينة إسطنبول، يوم الجمعة، وقال بالحرف « شرحت ذلك للسيد إيمانويل ماكرون، والآن البرلمان يحاسبه على ذلك ».. النقطة الثانية، التي استرعت انتباه التقارير الصحافية والقضائية هي أن العلاقة بين «داعش» و»لافارج»، في صيغتها الفرنسية أساسا لم تكن سرية، بل ورد في العديد من القصاصات أن الاتفاق بين مصنع «لافارج» بسوريا وتنظيم الدولة الإسلامية لم يكن سرِّيا، فقد «عمدت الشركة الفرنسية -لحماية نفسها من أي تهم أو ملاحقات قضائية- إلى وضع الاستخبارات الفرنسية في الصورة، وتزويدها بجميع المعلومات المتوفرة عن التنظيم والمفاوضات. وقد أكد فايارد، المسؤول الأمني للشركة الذي كان -للمفارقة- مرشحا عن حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في الانتخابات البلدية لمارس 2014، أنه مرَّر جميع المعلومات التي وقعت تحت يده لعناصر من الاستخبارات الفرنسية تواصل معها وكانت تجمع معلومات عن التنظيم وأعضائه.» النقطة الثالثة، والتي تورط فرنسا السياسية في سلوكات واتفاقيات «لافارج» مع الإرهابيين ذات صلة بالسياسة الكبيرة لفرنسا كما نقول، وفي هذا الصدد لا يتردد كثيرون في الاستنتاج بأن فرنسا استعملت بعضا من نفوذها أو على الأقل تأثيرها المتوسطي لخدمة الشركة، ذات الماضي النازي .
ففي قمة باريس في يوليوز 2008، التي جرى خلالها الإعلان عن إنشاء «الاتحاد من أجل المتوسط» الحكومية التي ضمت عددا من دول الاتحاد الأوروبي ودولا أخرى من شمال إفريقيا والشرق الأوسط، اعتبرت هذه «الخطوة دفعة تشجيعية لشركة «لافارج» التي درست التوسع في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما مع حالة الركود النسبي في الأسواق الغربية...».
لقد تلكأت فرنسا طويلا في الكشف عن هذه الخلفيات الأخلاقية في تلاقي الإرهاب والرأسمال والمصالح السياسية، ولم تستطع أن ترفع سيف الأخلاق والقيم الإنسانية، كما اعتادت عندما سمحت للمصلحة الاقتصادية العقارية بتمثيل الإرهاب وعقد صفقات شيطانية معه. في وقت كانت وسائلها في الإعلام وفي الشبكات الواقعة تحت تحكم المخابرات تهدد الجميع بسيف«بيغاسوس»، والتجسس، وفي وقت كانت تتابع كيف عمدت «داعش» في سوريا إلى ذبح الناس على مرأى من العالم وفي مشاهد رعب لم تسبق أبدا..
ولعل من حسنات ما يقع، هو أن الماضي النازي للشركة قد تعرى وظهر إلى الوجود وتذكر العديدون كيف أن الشركة حين «اشتعلت الحرب العالمية الثانية ووصل النازيون إلى قلب فرنسا التي سقطت في قبضة هتلر، اتخذت قرارها بالتعاون مع النازيين والدخول معهم في صفقات كبيرة»، وسواء كان الزبون نازيا يقيم المحرقات ، التي تحاضر باريس اليوم باسمها عن الأخلاق والعداء للسامية، أو كان إرهابيا يذبح الضحايا على الهواء المباشر، فإن المردودية الرأسمالية هي المهمة. وأن الموقع في سوق التقاطب هو الأفضل لفرنسا وشركاتها الكبرى...
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 24/10/2022